لطالما دعونا على امتداد سنوات الى ضرورة اتفاق المسيحيين ولطالما كان الإتفاق المسيحي مطلباً شعبياً مسيحياً عارماً لأنه ضرورة وحاجة للنهوض بالوضع المسيحي والصعود من «القعر» وتخليصه من رواسب الماضي وكل مشاعر الإحباط و القنوط وحالات الضعف والإنقسام وهواجس الخوف والقلق على المستقبل والمصير...
بعد إعتلاء البطريرك الراعي سدّة البطريركية المارونية لاحت بارقة امل وكان ان وفّق في جمع الأقطاب الموارنة الاربعة تحت سقف بكركي من اجل فتح صفحة جديدة تطوي صفحة النزاعات والخصومات الشخصية.
ولكن اجتماعات بكركي لم تتوصل الى اكثر من هدنة بين الأقطاب الأربعة ومن تنظيم للخلاف السياسي المستحكم الذي انكشف عند اول اختبار فعلي عندما طُرح قانون الإنتخاب على بساط البحث.
ولاحقاً عندما حصل الفراغ في رئاسة الجمهورية وجرى تحميل المسيحيين مسؤولية هذا الفراغ بحجة انهم لم يتفقوا على رئيس جديد.
ولم تكد اجتماعات بكركي تخبو وتتبدّد مفاعيلها الإيجابية، حتى حصل تطوّر ايجابي عندما انطلق حوار بين «القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر» انتهى في مرحلته الأولى الى «اعلان نوايا» والى تحديد مساحة تفاهم وتلاقٍ واعطاء اشارة جدية الى ارادة الطرفين في اقفال صفحة الماضي بشكل نهائي والتوصل الى تفاهمات في المسائل المتعلقة بالمصلحة المسيحية وحل الخلافات القائمة او التي يمكن ان تطرأ بوسائل سياسية حوارية في نطاق التنافس الديموقراطي الحضاري.
«اعلان النوايا» جاء كمفاجأة سارة لأكثرية المسيحيين الذين انتظروا طويلاً هذا الاتفاق، ولكنها بقيت مفاجأة ناقصة لأن المسيحيين لم يصدقوا ويقتنعوا كثيرآ وذلك بسبب التجارب الماضية المرة والغير مشجعة واعتبروا ان التفاهم ليس كافياً اذا توقف عند هذا الحد ولم يقترن باتفاق على خطوات ومسائل عملية اساسية تخص المسيحيين في وجودهم ودورهم وبقائهم وفي مقدمها قانون انتخابات عادل ومتوازن وموضوع انتخابات رئاسة الجمهورية.
وفجأة حصل ما هو اكبر من «اعلان نوايا» بين الطرفين خصوصا بعد تبني رئيس تيار المستقبل سعد الحريري ترشيح النائب سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية اذ بدأنا نسمع ان الدكتور جعجع بصدد إعلان ترشيح العماد عون الى رئاسة الجمهورية.
وكان لافتا انها هذه هي المرة الأولى الذي يتفق فيها الرجلان على طرح بديل عما هو مرفوض منهما. اذ لم يكن كافيا ان يقول عون وجعجع انهما لا يريدان سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية وانما عليهما ان يطرحا البديل وان يقولا من يريدان رئيساً... كما ان هذا يعني بالمفهوم السياسي ايضا انتقال العلاقة والحوار بينهما من مرحلة «النوايا الحسنة» الى مرحلة الخطوات العملية، وان هذه العلاقة قابلة للتطوير والتقدم وفتحها على آفاق مستقبلية.
لكن يبقى السؤال الاهم هل «الإتفاق الرئاسي» بين الرابية ومعراب على رئاسة الجمهورية امر جيد وايجابي للمسيحيين ؟
الجواب ... بالرغم من اني ما زلت عند قناعتي انه ليس من امكانية لإنتخاب رئيس للجمهورية في ظل الأوضاع الراهنة ايآ كان اسمه وان الأسباب التي ادت الى فراغ الرئاسة وحالت دون انتخاب رئيس ما تزال قائمة، وان موضوع الرئاسة لا يقرره المسيحيون لوحدهم ولا حتى اللبنانيون وانما يخضع لعوامل واعتبارات اقليمية اكبر منهم ومقيّدة لهم بحكم ارتباطات بعض القوى السياسية الاساسية مع دول اقليمية في المنطقة.
الا ان «الاتفاق الرئاسي» بين عون وجعجع جيد لانه سيخرج كرة الرئاسة والمسؤولية من الملعب المسيحي ويضع حدّاً للمقولة الرائجة بأن الانقسام المسيحي هو سبب الشغور الرئاسي وان الإتفاق (المسيحي- المسيحي) هو الذي يأتي برئيس الجمهورية ويفتح الباب لإنتخابه.
هذا الإعتقاد والرأي، الذي يروّجه البعض عن «سذاجة سياسية» ويروّجه آخرون عن «خبث سياسي» لزيادة الشرخ بين المسيحيين ولحزف الأنظار والمسؤولية في الإتجاه الخطأ ليس صحيحاً ولا يعكس الواقع ومعادلاته، فحتى لو اقدم الدكتور جعجع على ترشيح العماد عون للرئاسة الأولى وحظي هذا الترشيح بمباركة بكركي وتأييد «الكتائب والمردة» فإن ذلك لا يعني ابداً ان عون اصبح رئيساً للجمهورية وان انتخابه صار واقعاً ومن باب «تحصيل الحاصل» وذلك لاسباب داخلية واقليمية تتعلق في الصراع «السني -الشيعي».
لكن في المقابل وبالرغم من ان الإتفاق المسيحي على رئاسة الجمهورية سيبقى «اتفاقاً غير منفذ» فانه يرفع المسؤولية المعنوية عن المسيحيين ويضع الامور في نصابها الصحيح ويكونون قد فعلوا ما كان يجب ان يفعلوه منذ البداية وتأخروا في فعله.
وكذلك وهذا هو الاهم بنظرنا فان «الاتفاق الرئاسي» بين الرابية ومعراب يؤسس لمرحلة جديدة عند المسيحيين وفي العلاقة بين الرجلين اساسها الثقة والتقارب والتنسيق في كل ما يمتّ بصلة الى القضايا والملفات والمصالح المسيحية بدءاً من قانون الإنتخاب الجديد الذي يعوّل عليه لإستعادة التوازن الوطني والتمثيل الشعبي الصحيح والدور المسيحي الفاعل والمؤثر في الحكم والدولة.
لهذه الأسباب، فإن اتفاق عون وجعجع نقابله بالترحيب والإرتياح لأنه خطوة في الإتجاه الصحيح ولكن هذا لا يمنع من ان نسجّل «الملاحظات» التالية:
1- الإتفاق المسيحي يتسّع للجميع ويجب ان يشمل كل القيادات والقوى المسيحية ولا يجب ان يستثني اي فريق ولا ان يستهدف احدا.
2- المسيحيون يجب ان يغادروا نهائياً سياسة رد الفعل وان ينتقلوا الى سياسة الفعل والمبادرة فلا يكون حوار «التيار والقوات» ردة فعل على حوار «المستقبل وحزب الله», ولا يجب ان يكون ترشيح عون ردة فعل على ترشيح فرنجية.
3- المسلمون ( شيعة وسنة ودروز) لا يجب ان «ينقزوا» من اتفاق «عون - جعجع» وان يكون هذا الإتفاق مصدر قلق وإزعاج لهم. فالإتفاق المسيحي هو الأساس المتين لأي اتفاق وطني مسيحي- اسلامي. والإتفاق المسيحي يعطي قوة للمسيحيين وللبنان التعايش والتفاعل بين المسيحيين والمسلمين الذين لهم مصلحة في ان يكون المسيحيون اقوياء، وقادرين على أداء دورهم ورسالتهم وان يكونوا عامل توازن في الصراع( السني-الشيعي) وان لا يكونوا تابعين لهذا الفريق او ذاك .
فإذا كان الإتفاق بين عون وجعجع ضرورة وحاجة مسيحية فإنه ايضاً ضرورة وحاجة وطنية شرط الا يغرق ولا يضيع في متاهات وحسابات ضيقة وفي «الزواريب السياسة اللبنانية».
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News