ليبانون ديبايت - شارل جبور
ترشيح الدكتور سمير جعجع للعماد ميشال عون أرّخ لمرحلة وطنية-سياسية جديدة، ويخطئ كل من يتعامل معه بانه مجرد خطوة سياسية-رئاسية تطوى مع انتخاب عون أو عدم انتخابه، ومن هنا لا بد من تسليط الضوء على الأسباب الموجبة لهذا الترشيح، والخيارات التي كانت متاحة أمام جعجع، والأبعاد الاستراتيجية لهذه الخطوة ونتائجها.
ثلاثة أسباب
فهذا الترشيح لم يولد من عدم، بل هو نتيجة حدث كبير ومفاجئ ومن خارج السياق، والمتمثل بترشيح الرئيس سعد الحريري للنائب سليمان فرنجية، وحيث يمكن التوقف أمام ثلاثة أسباب أساسية:
السبب الأول، لولا ترشيح الحريري لفرنجية لما كان رشح الحكيم الجنرال، وتكفي العودة إلى مواقف جعجع قبل هذا الترشيح والتي كانت تجزم باستبعاد خيار عون وأي خيار من ٨ آذار، وتشدد على ضرورة تراجع فريق ٨ آذار عن دوره المعطل للانتخابات الرئاسية، وترى بأن المخرج هو بانتخاب رئيس توافقي يعكس ميزان القوى القائم في لبنان والمنطقة.
وأي مساواة في هذا السياق بين الحريري وجعحع بان كلاهما أخطأ باختيار مرشح من ٨ آذار تشكل تهربا من تحميل الطرف الذي بادر الى ترشيح فرنجية المسؤولية. فهناك فعل ورد فعل، ولولا الفعل لما كان رد الفعل، وكل المسؤولية تقع على الطرف الذي بادر بترشيح فرنجية.
السبب الثاني، تمسك الحريري بفرنجية ورفضه التجاوب مع دعوات جعجع إلى التراجع عن مبادرته يحوِّل فرنجية إلى رئيس مع وقف التنفيذ، حيث ان أي تطور من طبيعة أمنية، اغتيال ربما، يدفع الجميع الى الدعوة لانتخابات رئاسية فورية لا خيار فيها سوى فرنجية، كما ان أي تطور من طبيعة ديبلوماسية على الخط السعودي-الإيراني او الفاتيكاني-الفرنسي-الإيراني يفتح أبواب بعبدا أمام فرنجية، وبالتالي إسقاط هذا الخيار غير ممكن إلا بخيار من الطبيعة نفسها، اي بترشيح عون لتحويله إلى رئيس مع وقف التنفيذ بدلا من فرنجية، لأن تجاوز جعحع-عون غير ممكن مبدئيا.
السبب الثالث، تفرُّد الرئيس الحريري بقرار المساكنة في الحكومة مع "حزب الله" والحوار تحت عنوان تلافي الفتنة السنية-الشيعية فكرة قابلة للنقاش من منطلق أن المسيحيين لا يشعرون، ربما، بالقلق الموجود في مناطق التماس او المختلطة بين السنة والشيعة، وذلك على رغم ان التفرد في الأطر الجبهوية يشكل مخالفة للشراكة والمساواة، ولكن التفرد بالقرار الرئاسي لا يمكن تبريره إطلاقا، بل التغاضي عنه يعطي انطباعا عن علاقة قاطرة ومقطورة داخل ١٤ آذار، وليس علاقة شراكة مسيحية-إسلامية، وهذا أبعد ما يكون عن سمير جعجع.
ثلاثة خيارات
وفي هذا السياق لا بد من الإشارة إلى الخيارات التي كانت أمام رئيس "القوات" والتي يمكن تلخيصها بثلاثة:
الخيار الأول، أن يسلِّم بخيار الحريري، وهذا التسليم يعني الرضوخ والاستسلام، سيما ان خيار الحريري غير سيادي.
الخيار الثاني، ان يعتصم في معراب ويقاطع العهد الجديد وحكوماته، وهذا انتحار، لأن "القوات" مطالبة بتعزيز حضورها في السلطة لا الانسحاب من هذه السلطة، فضلا عن انه لم يعد جائزا الاستمرار في مقولة ان هناك فريقا أولويته نضالية-سيادية، والآخر سلطوية، فيما بإمكان "القوات" ان توّفق بين مواصلتها المعركة السيادية، ومشاركتها في السلطة تعزيزا لهذا التوجه.
الخيار الثالث، ان يرشِّح عون ليقلب الطاولة على الجميع تحت عنوان إذا كان فرنجية انسب لكم، فعون انسب لنا، خصوصا ان ترشيحه حصل على قاعدة وثيقة ١٤ آذارية بامتياز، بمعزل عما إذا كان عون سينفذها ام عدمه، فأساسا كل وثائق ١٤ آذار لم تنفذ.
ثلاثة أبعاد
وهذا الترشيح ليس خطوة عادية، إنما له دلالاته الاستراتيجية التي يمكن وضعها في سياق ثلاثة أبعاد:
البعد الأول من طبيعة وجدانية، فصورة جعجع-عون في وعي المسيحيين ولاوعيهم ترمز إلى القوة والعنفوان والصلابة والاطمئنان، وتذكرهم بكميل شمعون وبيار الجميل، وتشكل مطلبا لدى السواد الأعظم من المسيحيين الذين يعتبرون ان تلاقي جعجع-عون يمهد لاستعادة الدور المسيحي المفقود منذ الاحتلال السوري، وانه إذا استحال عليهما استعادة هذا الدور نتيجة عوامل مختلفة فيعني أن مصير الجماعة المسيحية بعدهما، وطبعا بعد عمر طويل، سيكون بين الرحيل إلى كندا أو البقاء في لبنان كأهل ذمة. وفي هذا السياق لا يمكن للكتائب إلا ان تكون في صلب هذا التحالف، خصوصا ان رئيس الحزب سامي الجميل كان أول من بادر إلى الدعوة للتلاقي المسيحي-المسيحي.، كما ان هذه الثنائية هي انفتاحية لا انغلاقية.
البعد الثاني من طبيعة وطنية-مسيحية، فالحكيم والجنرال حاولا كلٌ ضمن تحالفاته ان يعيد الوزن للدور المسيحي داخل المؤسسات، نيابيا وحكوميا ورئاسيا، ولكنهما لم يفلحا، وبالتالي الشرذمة جُرِّبت ونتائجها كارثية على المسيحيين، ولذلك من الضروري تجريب الوحدة علها تعيد للمسيحيين دورهم وحضورهم وتألقهم.
البعد الثالث من طبيعة وطنية-ميثاقية، فالثنائية الجديدة سيف ذو حدين، حيث ان انفتاح الشركاء في الوطن عليها يؤدي إلى إحياء الطائف اللبناني والميثاق، فيما أي محاولة لكسر هذه الثنائية تعني كسرا لاتفاق الطائف والذهاب نحو نظام جديد، ومن هنا يجب التقاط هذه الفرصة التي تشكل فرصة الطائف الأخيرة. واعذر من أنذر...
وتبقى النتائج المباشرة والبعيدة المدى لهذا الترشيح والتي يمكن تلخيصها بثلاث:
النتيجة الأولى، وضع هذا الترشيح "حزب الله" أمام ساعة الحقيقة، فبعد أكثر من سنتين على وضعه العماد عون "تحت الله بشبر" لم يعد بإمكانه التهرب من انتخابه بحجج مختلفة، فإذا كان غير قادر على حث النائب جنبلاط للتصويت لعون، فإنه قادر بالتأكيد على حث فرنجية والرئيس بري على انتخاب عون، خصوصا ان الانتخابات الرئاسية مسألة استراتيجية لا تكتية، وتعني محور الممانعة مجتمعا، ولا يمكن التعاطي معها على قاعدة "التعدد والتنوع" داخل هذا المحور. وفي المحصلة لم يقدم الحزب أي شيء عملي لعون خارج المواقف التأيديية التي لا تصرف في الصناديق الانتخابية، ما يعني أن أولويته الفراغ، لانه ضد انتخاب عون، ولا يريد أيضاً خسارته في حال انتخاب غيره، إنما على عون ان يلوِّح للحزب بهذه الخسارة في حال عدم انتخابه.
النتيجة الثانية، فشل التحالفات الوطنية تحت مسمى ٨ و ١٤ آذار، بمعزل عن استمرارها شكلا، إنما في الواقع ما الفائدة من هذه الأطر التي تلتقي مكوناتها على عناوين يتطلب طبيقها سنوات سنوات، فيما تختلف على المساحات المؤسساتية التي يفترض ان تشكل الترجمة العملية لنضالاتها الوطنية، لأن الصراع هو بين بين تحرير الدولة من الدويلة، وبين وضع الدويلة يدها على الدولة.
النتيجة الثالثة، دخول لبنان في مرحلة سياسية جديدة شبيهة بتحولاتها بمحطات تأسيسية مفصلية، فما بعد ١٨ كانون الثاني ٢٠١٦ لن يكون كما قبله، ومن يعش يرى....
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News