نشر أحد المواطنين على صفحته على "الفايس بوك" رسالة من خطيبته، وبعد ساعات قليلة من جريمة الأشرفية التي أودت بحياة الشاب مارسلينيو ظماطا طعناً بالسكين ليل أول من أمس، إثر مشادة كلامية مع شابين نتجت عن تعرضهما بالكلام لخطيبته التي كانت برفقته. تقول الصبية في الرسالة المنشورة على مواقع التواصل الإجتماعي "قلبي إذا حدا لطشني، بلعها". واردفت "عم قولها عنجد، يلطشوني مية مرة ولا إخسرك".
ليست جريمة الأشرفية، التي ذهب ضحيتها مارسلينيو ظماطا (28 عاماً) وحدها التي أقلقت هواجس اللبنانيين. أعادت جريمة ساحة ساسين تسليط الضوء على الأمن الإجتماعي المفقود بين المواطنين، وعلى استسهال القتل لأسباب تافهة. ذكرت بالجرائم التي تحصل بشكل فوري وإثر إشكالات بين مواطنين ولأسباب تكون في معظم الأحيان تافهة.
جرائم تصنفها قوى الأمن الداخلي بـ «الفورية»، لتؤكد، وفق إحصاءاتها، أنها بلغت نسبة أربعين في المئة من مجمل جرائم العام 2013. يومها (2013) وصل عدد الجرائم الفورية، الناتجة عن خلافات بين مواطنين، إلى 62 جريمة في عام واحد. أما في العام 2014 وبالرغم من تدني نسبة الجرائم الفورية إلى 32 في المئة من مجمل الجرائم البالغة 171 جريمة، إلا أن القتل الفوري سجل أيضاً رقماً مرتفعاً وصل إلى 55 جريمة فورية على شاكلة جريمة ساحة ساسين. وبالرغم من تدني معدل الجرائم في العام 2015 بنسبة 9.9 في المئة، إلا أن الإحصاءات توثق وقوع 154 جريمة. ولم تحتسب قوى الأمن بعد نسبة الجرائم الفورية من بين جرائم العام 2015.
وإلى جانب الجرائم الفورية التي تهز الأمن الإجتماعي للمواطنين مع حوادث أمنية أخرى، يقفز الأمن في بعض المناطق إلى واجهة هواجس اللبنانيين. وقل ما تجد على سبيل المثال وليس الحصر شخصاً متوجهاً من بيروت إلى البقاع في رحلة عمل أو سياحة من دون أن يسأل أحد معارفه هناك إن كان باستطاعته الذهاب بمفرده، وما إذا كان معرضاً للخطف أو لسرقة سيارته. وكما في البقاع، كذلك يفعل قاصدو المناطق الحدودية في الشمال كوادي خالد أو غيرها، فيما أدى التوتر الأمني في جولات العنف المتكررة في طرابلس إلى اعتبار أحياء كثيرة في عاصمة الشمال غير آمنة ومنها باب التبانة على سبيل المثال وليس الحصر.
ويسري الأمر نفسه على بعض أحياء الضاحية الجنوبية حيث تستعر من وقت إلى آخر المواجهات بين عائلات وعشائر تسكن في تلك الأحياء وتخوض جولات من تبادل إطلاق النار. وهناك يسود انطباع عام أن هذه العائلة/العشيرة أو تلك تملك السيطرة على هذا الحي أو ذاك وتفرض خواتها ومزاج أفرادها حتى على المقيمين فيه. ويروي أحد المواطنين أنه فقد هاتفه في إحدى المرات وأن أحد عناصر القوى الأمنية وبعدما تم تحديد مكان الهاتف في أحد أحياء الضاحية المعروفة بسطوة بعض العائلات عليها، قال له "هاتفك في الحي الفلاني، إذهب وأحصل عليه بنفسك".
وذكّرت جريمة الأشرفية، ووفق ما تشي المقاربات التي سرت ليس في الشارع فقط بل على مواقع التواصل الإجتماعي، بجرائم فورية كثيرة في مناطق لبنانية عدة وأبرزها جريمة طارق يتيم الذي طعن، وإثر خلاف على المرور، الضحية جورج الريف حتى الموت وسط العاصمة بيروت، على مرأى كل من كان في الشارع.
يومها، واليوم، يعود إلى الأذهان ما حذر منه أحد القضاة، وتحديداً المدعي العام الاستئنافي في بيروت القاضي سامر يونس، خلال استئنافه بالقرار الصادر بتاريخ 4-7-2012 عن قاضي التحقيق بإخلاء سبيل طارق يتيم نفسه ومن معه إثر إقدامه على قطع أذن أستاذ الرياضة في مدرسة زهرة الإحسان في الأشرفية. يومها قرّر قاضي التحقيق تخلية سبيل يتيم لقاء كفالة مالية قدرها أربعة ملايين ليرة لبنانية.
ورأى القاضي يونس في استئنافه، ما تتوضح صحته يوماً بعد يوم ، إذ اعتبر أن جرائم يتيم "إن دلّت على شيء، فإنما على روح استعلاء واستكبار واستقواء واحتقار لكل شرعة وشريعة وشرعية". وقال يونس يومها "إن التهاون في غير موقعه والتراخي في غير محلّه من شأنه تعزيز روح الإستعلاء والإستقواء، وذلك في قضية تتجاوز في أبعادها ومراميها ودلالاتها أشخاص فرقائها". ويومها توقف يونس طويلاً أمام دلالات التراخي في غير محلّه مع روح مشابهة، ليقول إن أبعاد القضية ودلالاتها «تطال مجتمعاً تُضرب قيمه وتُنتهك سيادته وتُداس كرامته، ويُستباح أمنه وأمانه.. مجتمعاً ينتظر من القضاء وحده أن يكون هو الحامي والرادع".
واثبتت دراسات اجتماعية عدة أن غياب سلطة الدولة واهتزاز هيبتها وإمساكها بأمن جميع المناطق يشكل عاملاً أساسياً في الفلتان الأمني الذي يستشعره اللبنانيون حالياً. يضاف إلى ذلك غياب منطق المحاسبة بالمطلق والزبائنية التي برزت أكثر من مرة لدى وقوع جرائم مماثلة تمكن مرتكبوها من الإفلات من العقاب. فلتان يضرب قيم المجتمع وأمنه وإحساس الناس بالأمان الإجتماعي بعدما فقدوا الإقتصادي والسياسي والحياتي.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب
Follow: Lebanon Debate News