إخترق وقف إطلاق النار الذي بدأ سريانه في سوريا ليل الجمعة – السبت المشهد السياسي في لبنان الذي بدا في الأيام الأخيرة وكأنه عالق "بين ناريْ" الإشتباك السعودي – الايراني المحتدم في المنطقة وأزمته الداخلية التي تشكّل في عمقها انعكاساً للصراع الاقليمي الكبير.
وفيما كان العالم يرصد الهدنة في سوريا باعتبارها اختباراً مفصلياً لمسار الأزمة السورية ومصير الحل السياسي لها، توقفت دوائر سياسية مطلعة في بيروت، عند قراءتيْن لهذا التطوّر من الزاوية اللبنانية:
القراءة الأولى بدت مشدودة الى المفارقة المتمثّلة في تَزامُن وقف النار بسوريا مع اشتداد "إطلاق النار" السياسي في لبنان على خلفية "الغضبة" الخليجية إزاء ما اعتبرته السعودية "مصادرة "حزب الله" إرادة الدولة"، والتي أفضت الى خروج لبنان الرسمي عن الإجماع العربي في التصويت على قراريْ الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي بإدانة الاعتداء على سفارتها وقنصليتها في إيران الشهر الماضي، وهو ما أفضى الى إجراءات خليجية متدحرجة في إطار "مراجعة شاملة" للعلاقات مع بيروت، أبرزها وقف الرياض هبتيْ تسليح الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي، ودعوتها (مع كل من الامارات والكويت والبحرين وقطر) مواطنيها إلى مغادرة لبنان وتحذيرهم من السفر إليه، وصولاً الى بدء ترحيل لبنانيين يعملون فيها وفرض عقوبات على 3 لبنانيين واربع شركات بتهمة الارتباط بـ "حزب الله" بعد تصنيفهم "إرهابيين".
وبحسب الدوائر السياسية المطلعة، فان المستغرب ان لبنان الذي شكّل في الأعوام الخمسة من عمر الأزمة السورية عنصر ربْط نزاع "على البارد" بين الأفرقاء الاقليميين المتصارعين في سوريا خصوصاً، تحوّل مع "الخطوة الاولى في رحلة الالف ميل" نحو محاولة إخماد الحريق السوري ساحة مواجهة مباشرة بين الرياض وطهران، بسبب ما تعتبره السعودية تمادياً من "حزب الله" في "خطْف" القرار اللبناني وتكريس "بلاد الأرز" جزءاً من نفوذها الحيوي وخط دفاع وهجوم اساسياً في مشروعها الإستراتيجي في المنطقة، لا سيما مع اتساع الأدوار العسكرية للحزب في كل من سوريا واليمن والعراق.
والقراءة الثانية دعت الى ترقُّب مآل الهدنة في سوريا، معتبرة انه بحال "صمود" التفاهمات الاقليمية والدولية حول هذه الأزمة، لا بدّ ان ينعكس ذلك ايجاباً على الواقع اللبناني، ولافتة الى ان "التدافع الخشن" بين السعودية وايران في لبنان يمكن ان يكون في سياق محاولة تعديل موازين القوى الداخلية لملاقاة عملية "ترسيم النفوذ" الجديدة التي ستفضي اليها اي تسوية في سوريا.
ومن هنا، تبدو الجلسة 36 للانتخابات الرئاسية الاربعاء المقبل محطة اختبار للمناخ الداخلي والاقليمي، من دون توقعات بأن تسفر هذه الجولة عن انفراج رئاسي، وإن كانت المعطيات المتوافرة تشير الى مشهدية غير مسبوقة في البرلمان منذ جلسة الانتخاب الوحيدة التي تَأمّن نصابها (في 23 نيسان 2014 ولم تفضِ الى انتخاب رئيس لعدم نيل اي مرشح الأكثرية المطلوبة)، اذ يفترض ان يرتفع عدد النواب الذين سينزلون الى “ساحة النجمة” وفي مقدّمهم الرئيس سعد الحريري (سيحضر للمرة الاولى جلسة انتخاب) الى رقم مرموق، وذلك في رسالة ضغط هي الأقوى بوجه معطّلي النصاب وهم العماد ميشال عون و”حزب الله”.
وبات شبه محسوم ان جلسة 2 آذار سيتكرر فيها مشهد حضور المرشِّحين وغياب المرشَّحيْن الجدييْن، اي كل من العماد عون المدعوم من "حزب الله" وحزب "القوات اللبنانية"والنائب سليمان فرنجية الذي يؤيّده الرئيس سعد الحريري، والذي تمسّك بموقفه الرافض النزول الى البرلمان بمعزل عن "حزب الله"، في حين بدا واضحاً ان "عاصفة" التوتر بين لبنان ودول الخليج تركت "آثاراً" على الملف الرئاسي وعلى المرشّحيْن الأبرز ولا سيما ان الاول، اي عون، اعتُبر "الضحية الاساسية" للأزمة مع السعودية بعدما جرى تحميل صهره وزير الخارجية جبران باسيل مسؤولية هذا التدهور غير المسبوق على خط بيروت – دول الخليج، فيما سيشكّل التزام الثاني – اي فرنجية – بموقف "حزب الله" من مقاطعة الجلسات إحراجاً كبيراً لداعمه الرئيسي اي الحريري.
وتبعاً لذلك، ثمة مَن يترقّب اذا كان ما بعد الأربعاء المقبل قد يحمل خلط أوراق جديد في الملف الرئاسي على صعيد كسْر حصْر الترشيحات بعون وفرنجية وإمكان الذهاب الى خيارات أخرى وإلا تمديد حال الشغور الذي بات مكلفاً وينذر بأن يترك تداعيات كارثية أكبر في ظلّ المخاوف من سقوط الحكومة تحت وطأة الأزمة المستجدّة مع دول الخليج والتي وضعت ايضاً الحوار الثنائي بين تيار "المستقبل" و"حزب الله" في مهبّ "التطيير" على ان يُبتّ مصير هذا الحوار في اللقاء الوشيك بين الحريري ورئيس البرلمان نبيه بري.
وفي غمرة هذا الترقُّب، بدت محاولات احتواء التوتر مع السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي عالقة عند عدم قدرة لبنان الرسمي على تقديم أكثر ما تتضمنه البيان الذي صدر عن الحكومة الاسبوع الماضي والذي اعتبرته الرياض غير كاف ٍ، في حين لم تُفتح الابواب بعد امام رئيس الحكومة للقيام بجولة خليجية تبدأ من السعودية التي زار سفيرها في بيروت علي عواض عسيري الرئيس الحريري امس غداة اعلانه ان المملكة لم تحدد موعداً بعد لسلام، موضحاً ان حكومته لا تزال تنتظر اجراءات مهمة من لبنان من غير ان يحدّد هذه الاجراءات.
وفيما كانت بيروت تترقّب ما يمكن ان تحمله الساعات المقبلة من تدابير سعودية وخليجية بحق "حزب الله"، وسط الخشية من ان سبحة الإجراءات قد تكرّ بحال التمادي في الحملات على الرياض وتتّسع رقعتها ليصبح من الصعب على لبنان احتواء أضرارها على كل المستويات، رفع "حزب الله" بلسان نائب امينه العام الشيخ نعيم قاسم سقف الهجوم على المملكة التي دعاها للاعتذار من لبنان "لأنهم أساؤوا إليه واعتدوا عليه".
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب
Follow: Lebanon Debate News