مختارات

ثريا عاصي

ثريا عاصي

الديار
الثلاثاء 01 آذار 2016 - 07:02 الديار
ثريا عاصي

ثريا عاصي

الديار

كلام الأستاذ..

placeholder

الأستاذ محمد حسنين هيكل قال في آخر أحاديثه: إنّ مصر تنكّرت لسوريا أثناء الحرب في سنة 1973، التي بادرت بالتكافل معها إلى إعلانها ضدّ المستعمرين الإسرائيليين بقصد استرداد الأرض التي احتلّها الأخيرون في حرب حزيران 1967. وافقت مصر على وقف إطلاق النار، وتركت سورية وحدها في ميدان الحرب. ها هي مصر تتخلّى عن سورية مرة ثانية في الحرب التي تتعرّض لها هذه الأخيرة منذ 2011. إنّ عين المستعمرين الإسرائيليين هي على الهلال الخصيب. سورية هي قلبه! ترك الأستاذ وصيّته ومشى!

نستطيع القول، دون حرج، إنّ الحروب التي تجري في الراهن، في سورية وفي غيرها، وليس مستبعداً أن تتمدّد أكثر؛ إنّ هذه الحروب بدأت غداة حرب تشرين 1973، التي استهان السياسون العرب من خلالها بتضحيات الجنود، وبالقيم الوطنية والأخلاقية. لقد كانت محصلة هذه الحرب افتضاح العيوب التي أدّت إلى كارثة حزيران مرة ثانية. حاول جمال عبد الناصر إصلاحها ولكن الموت عاجله!

أظن أنّ لديمومة هذه العيوب وتفاقمها منذ ظهور الدولة الوطنية العربية في أربعينيات القرن الماضي، دوراً كبيراً في خلخلة ركائز هذه الأخيرة، ما شجّع على تجرّؤ المستعمرين الأميركيين والإسرائيليين على الادّعاء لأنفسهم بأحقيّة إعادة رسم «خرائط الشرق الأوسط».

ما أنا بصدده في هذه المقاربة ليس الرجوع إلى الماضي وأشجانه، وإنّما هي محاولة لتسليط الضوء على المتغيّرات التي طرأت على الأوضاع في سورية تحديداً، وهي بحسب رأيي متّصلة بما جرى في العراق وفي «الهلال الخصيب»، بوجهٍ عام، بحسب فكرة محمد حسنين هيكل. ما يحملني على ذلك في الواقع هو التناقضات التي بإمكاننا ملاحظتها على «خريطة» الميدان السوري، حيث نجد من جهة جزءاً من الشعب السوري ومعه القادة الوطنيون الذين ثبتوا في مواقعهم والجيش العربي السوري الملتزم بعقيدته، يسطّرون على مدى خمس سنوات ونيّف، أروع الصفحات في الوطنية والعروبة، دفاعاً عن سورية، ومن جهة ثانية نرى جزءاً آخر من السوريين، ومعهم الذين انشقوا من الجيش ومن المسؤولين السياسيين، يقدّمون نموذجاً صارخاً عن الرداءة في مفهومية الشراكة الوطنية والحرص على البلاد والسير في اتجاه التطور والتقدم .

لقد سقط جدار برلين سنة 1989، وانهار الاتحاد السوفياتي. صار العالم آنذاك تحت هيمنة القطب الأميركي الأوحد، إلى حدّ أنّ منظّري العصر الأميركي سارعوا إلى التبشير بالعولمة ونهاية التاريخ. كانت الحكومات العربية في طليعة المستسلمين المنضويين تحت راية الولايات المتحدة الأميركية. لا شكّ في أنّ مردّ ذلك إلى العيوب التي لمّحنا إليها أعلاه، ولكن حكومات وشعوباً في هذا العالم قاومت هذه الهيمنة وكذّبت نبوءات المبشرين!

بدأت الحرب على سورية في نهاية السبعينيات. أعلنها الإخوان المسلمون الذين تلقّوا الدعم المادي من الحكومات المجاورة، لم يكن ذلك آنذاك حبّاً بالإخوان، ولكن بقصد إضعاف الدولة السورية. كانت الظروف في تلك الفترة غير مؤاتية للتدخل الاميركي ـ الأوروبي المباشر. اقتصر الأمر في هذا المجال على الحملات الدعائية التهجّمية، وعلى الكيل بمكيالين، والنظر بعين واحدة!

أغلب الظن أنّ الحروب اللبنانية التي سبقت الغزو الإسرائيلي، بالإضافة إلى الإضطربات التي تسبّب بها الإخوان، كشفت عن وجود مراكز نفوذ في صلب السلطة السورية أو قل مكوّنات غير متجانسة، ليست بالضرورة منسجمة فيما بينها أو متوافقة على السير نحو نفس الأهداف، بل أكاد أن أقول إنّ بعضها كانت غايته من السلطة هي خدمة مصالحه الشخصية.
أكتفي بهذا الاستطراد، لأقتضب فأذكر بأنّ الأدلّة على ذلك تتمثّل بالانشقاقات الكثيرة التي تناهت إلى علمنا. حيث صار جنرالات ووزراء سابقون، ثواراً تحت راية آل سعود أو مقيمين في باريس يراودهم الوهم بمرافقة المندوب السامي إلى دمشق من جديد! مهما يكن، فإنّ الرأي عندي أنّ هذه الانشقاقات، والمواقع التي احتلّها المنشقّون في «الثورة» هو برهان قاطع على طبيعة هذه الثورة وعلى أهدافها الحقيقية. هذا ما أعطى القضية الوطنية السورية زخماً شديداً.

مجمل القول، إنّ القيادة السورية كانت تعرف، منذ انقلاب الرئيس المصري الأسبق أنور السادات على العلاقة الإستراتيجية والتاريخية التي تربط بين سورية وبين مصر، أنّ سورية في مرمى الأعداء والمستعمرين، ولا شكّ في أنّ هذه القيادة كانت تعرف أيضاً أنّ أجهزتها الأمنية والحكومية مخترَقة. يستتبع ذلك أنّه كان من الطبيعي أن تنجم عن عمل هذه الأجهزة أخطاء ونتائج سلبية في لبنان وفي سورية، لم تكن القيادة بالضرورة راضية عنها، ولكنها لم تكن قادرة على تفاديها.

ليس مستبعداً أيضاً في هذا السياق، أن تكون هذه الأجهزة الحكومية المخترَقة، هي التي فتحت ثغرات دخل منها الإرهابيون والأعتدة العسكرية إلى سورية منذ أن استهلّ عصر أحادية القطب الأميركي.

خلاصة القول، إنّ ما يُسمّى «الثورة» في سورية، لا تختلف في جوهرها عن «الثورة» في العراق، لولا أنّ الأخيرة وقعت في زمان «أحادية القطب الأميركي»، ضدّ حاكم ظنّ أنّ خدمة الولايات المتحدة الاميركية تجنّبه خطرها، بالضدّ «من الثورة» السورية حيث كانت القيادة على يقين من أنّ الحرب آتية آتية لا محالة، ولا سيّما أنّ الشروط العشرة التي قدّمها في سنة 2003، أي بعد غزو واحتلال العراق، كولن باول وزير الخارجية الأميركية، لهذه القيادة لمنع «الانفجار»، لم تكن في نظر هذه الأخيرة غير مقبولة فقط، وإنّما كان واضعوها أيضاً غير صادقين.

تأسيساً عليه، لم يكن أمام القيادة السورية إلا المناورة، ليس أملاً بأن يقتنع المستعمرون فيُقلعون عن قرار الحرب على سورية. هذا الهدف كان بعيد المنال. كان المطلوب هو الاستعداد للمقاومة بموازاة واستخدام الأساليب والوسائل المتاحة لإرسال إشارات إلى المستعمرين، تُفيدهم بأنّ أوان الحرب لم يحن بعد.
يكفي أن نتخيّل المسار الذي كانت ستأخذه التطوّرات لولا تدخّل روسيا مدعومة من الصين ومن دول البريكس؛ أي لو لم تتصدّ دول وشعوب في هذا العالم من أجل فرض تعدّدية الأقطاب، بالضدّ من حكومات العرب التي أسكرها نفط الخليج واستهواها دولار النفط، فتفسّخت وتشقّقت! وتسيّبت الأوطان وتشتّت الناس!

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة