المحلية

الثلاثاء 01 آذار 2016 - 12:27 ليبانون ديبايت

البلديات 2016... من ذاكرة التاريخ

البلديات 2016... من ذاكرة التاريخ

ليبانون ديبايت - المحامية رانيا ايليا نصره:

قبل شهرين على انطلاق عملية انتخاب اعضاء المجالس البلدية والمختارين الجدد، ينفرد موقع "ليبانون ديبايت" بنشر مجموعة مقالات وتقارير حول البلديات في لبنان تتناول في أبعادها احاطة القارئ المواطن بدقائق العمل البلدي بدءاً من تاريخ نشأة البلديات والقوانين التي تحكم عملها وصولا الى طرق الرقابة المسبقة واللاحقة عليها، كما سيكون لنا وقفة مفصلة بموضوع عائدات البلدية على امتداد السنوات العشرة الاخيرة مع مقارنتها بالمشاريع المنفذة في نطاقها فضلا عن طرح موضوع مشروع قانون اللامركزية الموسعة وأبرز التعديلات التي سيدخلها على قانون البلديات الحالي. ويهم الناشر الاشارة الى ان المعلومات الواردة طي التقرير الحالي مرتكزة على مجموعة مقالات منشورة حول البلديات وأبحاث ودراسات عرضت خلال ندوات حول الادارة المحلية على امتداد سنوات ومأخوذة من مؤلفات عديدة أبرزها تلك المنشورة في مؤلفي البلديات في لبنان لخليل الهندي وأنطوان الناشف .

بين المد والجزر حول حصول أو عدم حصول الانتخابات البلدية في مواعيدها، وبعيدا عن الغوص في التحليلات السياسية لدعم فكرة حصولها من عدمه، يهمنا من خلال هذه الحلقة الاولى من سلسلة بلديات 2016 القاء الضوء على تاريخ نشأة البلديات والقوانين التي أقرت على امتداد السنوات لتنظيم عملها وصولا الى أوجه ارتباط السياسة بالعمل البلدي. وللبيان ان فكرة نشر مجموعة هذه التقارير لعرضها على القارئ تباعاً انما يلقى صداه فيما يمثل موضوع الانتخابات البلدية للبنانيين من أهمية تعلو على موضوع الانتخابات النيابية.

منذ العام 1947 وحتى اليوم أي على امتداد ما يقارب السبعون عاما صدرت عشرات المراسيم والقوانين لتنظيم العمل البلدي أي بمعدل مرسوم كل 5 سنوات تقريباً وهو بذاته يشكل أعلى نسبة تعديلات قوانين في العالم ! ورغم هذا الواقع القانوني المشجع غير أنه منذ الاستقلال في العام 1943 وحتى يومنا هذا شهد لبنان فقط على 5 دورات انتخابية للمجالس البلدية حصلت في كل من العام 1952، 1963 ، 1998، 2004 و 2010! علما أنه تم اجراء بعض الانتخابات الفرعية لبلديات مستحدثة من خارج الدورات المذكورة هذا وتجدر الاشارة الى أنه تم التمديد للمجالس البلدية من العام 1963 حتى انتخابات العام 1998.

في العام 1977 ظهر المرسوم رقم 118 وهو قانون البلديات المعمول به حالياً ، وكان ذلك خلال عهد الرئيس كميل شمعون الذي سارع الى اصدار قانون بلدي عصري اسوة بقوانين البلدان الديمقراطية المتقدمة خصوصاً بريطانيا التي كان يعتبرها الدولة الأكثر مراساً للديمقراطية ومن أهم سماتها الدور الكبير الذي تلعبه بلدياتها بحيث لقّب رئيس بلدية لندن باللورد وتتم معاملته حتى اليوم كرجل أول بعد رئيس الوزراء. ان نهج تفعيل العمل البلدي الذي خصص له الرئيس شمعون جهودا كبيرة، انتهجه من بعده كل من الرئيس فؤاد شهاب الذي أراد اعطاء البلديات زخما جديداً غير أنه لم يتمكن من تنفيذ طموحاته لعدم ترحيب المكتب الثاني بفكرة مشروعه. كذلك فعل الرئيس شارل حلو اذ شهد عهده على مؤتمر التطوير البلدي الذي واكبه معونة فنية وادارية قدمتها مؤسسة "فورد فاوندايشن" الامريكية الى الدولة غير ان نتائج المؤتمر جاءت بعكس أهدافه الاساسية ذلك أن التعديلات على عمل المجالس البلدية المقترحة انما أثارت الشكوك لدى البعض بخروج النفوذ من يدها لتصير في أيدي البلديات اي بتحويلها الى مصانع لتفريغ زعماء جدد ... ما أدى الى عودة الدولة الى التعامل مع البلديات على أنها مناصب فخرية لا أهمية لها سوى أنها ارضاء لهذا أو ذاك من التابعين للركب السياسي .

من الذاكرة القانونية
ان الظهور الاول لما يعرف بمجلس بلدي كان قد تشكل في مدينة بيروت باسم "ديوان المشورة " وذلك في العام 1832 برئاسة عبد الفتاح اغا حمادة (بالتعيين ). أما المجلس البلدي الاول فقد تشكل في دير القمر في العام 1864 برئاسة عبدالله بيهم وقد تمتع هذا المجلس لاول مرة بصلاحيات معينة. وزاد عدد البلديات تباعا الى أن وصل الى ما يفوق الالف بلدية حتى اليوم.

ظل الفرمان العثماني الصادر في العام 1877 يطبق في البلديات الى أن استبدل بقانون فرنسي للبلديات في العام 1922 الذي أصدره حاكم لبنان الكبير آنذاك محتفظا بيده على صلاحيات شاسعة لجهة الغاء المجلس البلدي أو كف يده مؤقتا او اعتبار كل عضو متخلف عن تلبية اجتماع ثلاث مرات متوالية دون عذر مشروع بحكم المستقيل. هذا فضلا عن الرقابة المباشرة التي مارسها الحاكم على اعمال المجلس البلدي اذ كان يتوجب على رئيس البلدية ان يرسل للحاكم نسختين من كل قرار متخذ، فيوافق عليه أو يلغيه لمخالفته القوانين والانظمة... ومع حلول العام 1924 أقر القانون البلدي الجديد الذي منح البلدية الحق بادارة شؤون المدينة ونص على انتخاب المجلس كل 4 سنوات على أن يتم انتخاب رئيس المجلس من قبل الحاكم غير أنه لم يطبق هذا القانون . أما المرسوم 79/L R الصادر في العام 1941 فأوجد التنظيم الاداري للبلدية مقسما اياها الى قسمين قسم تنفيذي واخر تقريري. وفي العام 1947 صدر قانون للبلديات اعترفت بموجبه الدولة للمرة الاولى، بنص صريح، بالشخصية المعنوية للبلدية. أخضع هذا القانون ايضا لاول مرة قرارات المجلس البلدي لسلطتين من الرقابة، سلطة المحافظ وسلطة وزير الداخلية هذا فضلا عن اخضاع حسابات الدوائر البلدية الى رقابة التفتيش التابع لوزارة المالية والتفتيش الاداري التابع لوزارة الداخلية. رغم صدور جميع القوانين المذكورة سابقا فقد استمر تأجيل الانتخابات حتى العام 1952 فيما كان الحاكم يعين اعضاء المجلس البلدي. وفي العام 1954 صدر مرسوم اشتراعي اضاف الى سلطات الرقابة على البلديات رقابة القائمقام وجعل قرارات القائمقام والمحافظ ووزير الداخلية بالموافقة على قرارات البلدية أوالغائها او رد الاعتراض عليها قابلة للطعن امام المحكمة الناظرة في القضايا الادارية.

اما قانون البلديات للعام 1963 فقد حدد للمرة الاولى صفة البلدية على انها: "ادارة ذات صفة عامة وشخصية معنوية تتمتع بالاستقلال المالي والاداري"، ايضا وصف للمرة الاولى سلطات الرقابة بـ"سلطات الوصاية"، مضيفا تنظيما جديدا وهو ان جميع القرارات البلدية وجميع الكتب الصادرة عنها والموجهة اليها يجب ان ترسل الى القائمقام أو بواسطته. كما اخضع المجالس البلدية واعمالها وموظفي البلدية واجرائها لرقابة التفتيش المركزي الذي حل محل التفتيش التابع للوزارات، واجاز حل المجلس البلدي واقالة الاعضاء وملاحقتهم تأديبيا وحدد العقوبات التي تراوحت بين التنبيه والاقالة، وأهم ما انشأه هذا القانون كان وظيفة المراقب العام الذي يراقب اعداد وانفاق وموازنة البلديات الخاضعة لاحكام قانون المحاسبة العامة. أما المرسوم الاشتراعي 118/77 المعدل فيما بعد بالقانون 665/97، وهو القانون الذي يحكم حاليا أوضاع البلدية، فقد اعطى البلديات دورا أوسع وأضاف تعديلات جوهرية محققا في نصوصه لامركزية ادارية وديمقراطية، وسيكون لنا وقفة مطولة عن ابرز التعديلات التي طرأت عليه.

أوجه ارتباط السياسة بالعمل البلدي
أشرنا أن البلديات بما تمثل من دور انمائي وتوجيهي وتنظيمي ما زالت اداة في معظم البلدات اللبنانية لصرف نفوذ الى بعض التبعيات السياسية وان ذلك لسوف يستتبع دون أدنى تحفظ لتبعية - متفاوتة في أوجهها – الى هذه القوى السياسية لتمتد الى التلزيمات والعقود والصفقات ومنح التراخيص وشق طرقات... وهي بمجملها قرارات لسوف يفيد منها من هو الاقرب الى التشكيلة السياسية الحاكمة وذلك بمنأى عن التقيد – في كثير من الاحيان – بمعايير الكفاءة والشفافية والجودة!

أن ارتباط السياسة بالعمل البلدي انما يعتري في أوجهه الخوف الدائم من عدم التوازن الطائفي لدى السياسيين ما يجعلهم يتورطون أكثر فأكثر في العملية الانتخابية البلدية مسيسون ما لا يجب أن يسيّس... وعلى سبيل المثال لمسألة ارتباط التوازن الطائفي بالانتخابات البلدية، فقد جرى أنه خلال انتخابات البلدية في بيروت لعام 1952 لم يعكس تقسيمها الانتخابي للتوازن الطائفي ما اضطر الحكومة لمعالجة ذلك من خلال التعيينات للتعويض على كل طائفة ما خسرته بسبب التقسيم لموضوع تمثيل النساء - اذ لم تفز أية امرأة في الانتخابات - فأقدمت الحكومة على تعيين ثلاثة نسوة فيما بعد يمثلن السنة والارثوذكس والبروتستانت...

ان ابرز وجوه تداخل السياسة في العمل البلدي انما يتمثل في اصرار السلطة على انتهاج سياسة منع فئة الموظفين من ولوج العمل البلدي، اذ يسود اعتقاد شائع لدى السلطة أن موظفيها هم حكما أولادها الامر الذي لا يسمح لهم في الانخراط في معارك انتخابية قد تعتبرها السلطة موجهة ضدها وهو بحد ذاته مفهوم سياسي خاطىء عن المجلس البلدي التي تعتبره السلطة امتداد للوظيفة الحكومية بشكل أو بأخر... هذا المنع من الجمع بين الوظيفة والعمل البلدي يرافقه خشية السلطة من تجيير الوظيفة لمصالح انتخابية واهواء شخصية. لذلك يبدو أنه من الضروري لدى مناقشة أي اقتراح قانون جديد للبلديات تعديل المواد التي تعرقل ترشيح الموظف الى عضوية المجلس البلدي وذلك افساحاُ في المجال أمام كافة المواطنين مما يعزز ممارسة حقهم في الانتخاب والترشيح يعزز المفهوم الديمقراطي ويكرسه.

ويبرز ايضا تدخل السلطة في العمل البلدي بدءا من العملية الانتخابية حيث أن كل تقصير في عدم محاسبة الجهاز المكلف من قبل السلطة السياسية بالاشراف على العملية البلدية ان لجهة مراقبة وضبط أداء الاقلام الانتخابية هو من مسؤولية السلطة الحاكمة. ان غياب المحاسبة او غض النظر عن اية انتهاكات قد تطال اي جانب من جوانب عملية انتخاب المجالس البلدية هو بحد ذاته تدخلا غير مباشر من السلطة الحاكمة في نتيجة العملية الانتخابية. وقد شكلت في هذا الصدد قرارات المجلس الدستوري حافزا لدفع المسؤولين الى العمل على ضبط العملية الانتخابية وذلك بدءا من تضمين القانون رقم 665 المتعلق بتعديل بعض النصوص في قانون انتخاب اعضاء مجلس النواب وقانون انتخاب اعضاء المجلس البلدي والمختارين نصوصا تَضمن صحة قوائم الناخبين وتحد من استخدام بعض وسائل الرشوة التي اعتمدت في انتخابات العام 1996 النيابية. اذ نص القانون المذكور على ضرورة توقيع رئيس القلم للظرف العائد للانتخاب قبل أن يسلمه الى الناخب ما من شأنه وضع حد نهائي في تسريب الظروف العائدة للانتخاب واستخدامها في الرشوة. كما نص القانون المذكور على معاقبة كل موظف يتخلف دون عذر مشروع عن الالتحاق بمركز قلم الاقتراع الذي عيّن فيه رئيسا أو كاتباً بالحبس وبغرامة مالية.

وفي مكان اخر، لا يملك الناخب في لبنان المناعة الكافية ضد تدخل السلطة وانحيازها في الانتخابات... ومرد ذلك، للأسف، هو أنه تبقى للخدمات الشخصية الدور الاساسي في تحديد خيارات الناخبين لاعتقادهم أن من في السلطة أقدر من غيره على خدمتهم ما ينعكس بشكل مباشر على النتيجة الانتخابية. وفي هذا السياق، فحدّث ولا حرج عن الاموال المصروفة على العملية الانتخابية بدءاً من شراء الأصوات ودفع تذاكر سفر لاستقدام الناخبين وتقديم كافة الخدمات الاجتماعية والوعود التوظيفية عدا توزيع قسائم البنزين والاعانات الغذائية وغيرها من الوسائل الغير مشروعة توسلا لجذب صوت الناخب واسترضائه. وقد تزامنت رشوة الناخبين في لبنان ابتداءا من أول دورة انتخابات بلدية في العام 1952حيث نشط السماسرة لشراء الاصوات لا سيما في بيروت وزحلة وصيدا وبرمانا بأسعار متفاوتة اذ بيع في الاشرفية الصوت بسبع ليرات أما في المنطقة الغربية فقد بيع الصوت بـ15 ليرة (صحيفة النهار – العدد 5205 الصادر في 9/12/1952).

نختم هذا السرد العام حول نشأة البلديات وقوانينها وهيكليتها للعبور الى خصائص العمل البلدي بتفاصيله من خلال عرض لأرقام ووقائع ودراسات تظهر مكامن الخلل في تطبيق قانون البلديات لعام 1977، كما سوف نعرض في تقاريرنا اللاحقة لاهم القرارات القضائية التي صدرت بمواضيع تتعلق بالبلديات، هذا فضلا عن سردنا لممارسات البلديات من خلال عملها اليومي وما يعتريها في بعض الاحيان من التفاف القيمين على ادارتها حول القانون الاساسي لها في ظل غياب قوانين تطبيقية تساهم وتساعد على الوصول الى اداء يتسم بالشفافية التامة لادارتها للمال العام والمقدرات المؤتمنة عليها بعيدا عن علة الفساد الاداري المستشري بكافة مرافقنا.

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة