عبدالله قمح - ليبانون ديبايت
ببذلة رسمية مزيّنة، قميصٍ أبيض، و "بلايزر" سوداء، خطت قناة "الجزيرة" القطرية خطوةً إلى الأمام في مشروع "تلميع صورة الجهاديين" في سوريـا بعد أن باتت حركة "أحرار الشام" الإسلامية على رأس أولوياتها مع إستنفاذ مخزون دعم "جبهة النصرة" الذراع الرسمية لتنظيم القاعدة في سوريا.
لا تختلف "أحرار الشام" كثيراً عن " النصرة" فهي أختٌ "جهادية" شقيقة لها، قادتها من الجهاديون الأوائل الذين خطّوا الأحرف الأولى من تاريخ تنظيم "القاعدة"، ومن الذين تفاخروا بقتال الروس في أفغانستان. الحركة صاحبت خطاب إسلامي بحت في سوريا، تسعى لركوب موجة التغيّرات الطارئة على الساحة وهي حالياً في طور التحوّل من خطاب إسلامي علني، إلى خطاب سياسي "شمولي معتدل" ينسجم مع دورها الجديد المعطى لها ومع توصيفها الذي تسعى "الجزيرة" لتعويمه وتسويقه من أجل الإستفادة من الحركة التي اُسسست ودُعمت قطرياً وهذا ليس خفياً بل هو محل إعتراف من وزير الخارجية القطري السابق، حمد بن جاسم، الذي أقرّ يوماً بـ "مساعدة أحرار الشام، سياساً وعسكرياً".
عموماً خرج القائد العام للحركة، مهنّد المصري، يرتدي بّزة "غربية" تبدو حديثة الشراء، مساء الأربعاء الماضي، كضيف في برنامج "بلا حدود" الذي يقدّمه الإعلامي المصري القريب من الفصائل الجهادية، أحمد منصور، حاول مقدم البرنامج الذي خاطب مراراً ضيفة صاحب الفكر السلفي بـ "المهندس" إعطاء شيء من الصبغة السياسية على الحلقة محاولاً إخراج "أبو يحيى الحموي" وهو الأسم الذي يُكنى "المصري"، به بمظهر المتقن للغة السياسة، البعيد عن النموذج الإسلامي السلفي، لكنه بدى ضائعاً، بعيد عن الحنكة، يضرب على غير هدى، يهتز عند كل سؤال، ولا يعرف ربط الأجوبة وتفسير أمور السياسة، وكان يغرّد خارج السرب متقناً فقط لغة "التلعثم" و "التأوّه" طيلة المقابلة ما يدل على الإرتباك الحاصل في أفكاره التي إنعكست شرذمةً في نظراته الضائعة.
كان لافتاً أيضاً ضياع المقدّم في تفسير "سورنة الثورة" التي إختزلها بـ "سورة". إنعكس هذا التخبّط على ضيفه، القيادي الجهادي، الذي حاول إجراء تغيير جذري "على الهواء" بفكر حركته محاولاً إظهارها على أنها "تيّار معتدل يطرح بناء دولة إسلامية شموليّة وليس خلافة إسلامية" يؤمن بـ "تعدّدية سوريا" ويرفض أن يكون له مرجعية، سلفية أو جهادية أو أخوانية، كاشفاً أن تيّاره "شمولي له مرجعية خاصة، وهي حركة مجاهدة وليست جهادية" مبعداً بالتالي وصف "جهادي" عن حركته، التوصيف الذي يمكن أن يكون تأشيرة عبور إلى "قائمة التنظيمات الإرهابيّة". تناقض مضافاً على التناقض الأساسي الذي لا يُمكن تغييره هكذا بشخطت قلم، فمن أسّس "أحرار الشام" أولاً كانوا عبارة عن رجالات أساسيون في تنظيم "القاعدة" أولهم "أبو خالد السوري" (قُتل بعملية إنتحارية إستهدفت مقره) وليس آخرهم مؤسس الحركة "حسّان عبّود"الذي قتل مع صف مؤلف من 40 قيادياً في الحركة بـ "عملية الأبادة الجماعيةّ" خريف عام 2014، ولا يُمكن أن يُسقط من الذهن أنّ الحركة كانت عبارة عن خليط جمع السلفيين – الوهابيين بالإسلاميين الأخوانيين ضمن تنظيم عسكري واحد تربع على دعم وتقاسم أدوار قطري – تركي تُرجم في الميدان. الضياع في إخراج الهويّة الجديدة إذاً ظهر من خلال تشديد "الحموي" على كلمة "الثورة السورية الطيّبة" و "المعارضة" بدلاً عن "الفريضة الجهادية" المصطلح الذي كانت الجماعة تُدغدغ من خلاله أفكار الإسلاميين وتستميلهم إليها. لعبَ "المصري" على عبارات "الثورة" التي كانت يُنظر إليها من قبل الحركات الإسلامية على أنها "علمانية كافرة" فأعلن بسياق حديثه رفضه لـ "تقسيم سوريا" مشدداً دوماً على "التعدّدية" محاولاً كما سلفه، (الفاتح) محمد الجولاني، رمي تطمينات للأقليات بأنهم "ليسوا أهدافاً".
ولعلّ أبرز ما يُمكن الإشارة إليه في سياق المقابلة، أن "الحموي" ضاع بين "سلفنة أحرار الشام" و "إعتدالها"، فتضارب مراراً في المصطلحات، فكان تارةً يتحدث عن "الثورة الطيّبة المباركة" و "إسلاميّتها" وتارةً أخرى عن "المعارضة وأدبياتتها" لكن أبرز تضارب كان إعتماده على مصطلح جهادي بات يُستخدم أخيراً في الإشارة إلى حزب الله بـ "حزب اللات".
بعيداً عن دوّامة "تلميع الجهاد" و "سورنته"، أدخل منصور ضيفه في مطبّات هوائية أثبتت عدم نضوجه السياسي البتة، فكان يدخله في عنق زجاجة تحليل السياسات الأمريكية – الروسية ليخرجه منها مثقلاً، متضارباً في المواقف من بطن قراءة الدور الخليجي – الإيراني. فمثلاً، يسأله المقدم عن "الثمن الذي قبضه الروس من جراء خروجهم من سوريا"، يناور "المصري" بحثاً عن إجابة، فيضيع بنظرات عينيه ليصل إلى خلاصة أن "الروس منهكون بسبب إنخفاض سعر النفط كون إقتصادهم يقوم عليه بـ 80%"!، لكن الإشارة البارزة في هذا المجال هي حديثه عن "إمكانيّة تأمين (المعارضة) لمصالح روسيا في سوريا لو أنها تحدثت إليهم سابقاً"، هنا يستوقفه المقدم طارحاً سؤال حول إمكانيّة الحوار أو التفاوض مع روسيا فيجيب "الحموي" كمن يُلقّن "نعم"!.
طوال فترة المقابلة بدى القائد العام لأحرار الشام كمن يتلقى أسئلة محضرة أجوبتها مسبقاً من أجل إخراج أفضل لـ "تلميع الصورة". غازل "الحموي" أمريكا مراراً بطريقة مباشرة وغير مباشرة وتحدث (بتضارب طبعاً) عن دورها في سوريا، إبتعد هُنا "الحموي" عن (تكفير أمريكا المعادية للمسلمين) – وفق النظرة الجهادية - على الرغم من إشارة مقدم البرنامج أن "أمريكا لم تكن يوماً مع قضية مسلمة"، يتحاشى الضيف الإجابة لينتقل إلى "حث أمريكا على أخذ دورها في القضية السورية" معتبراً أنها "دولة عظمى لكنها لم تأخذ دورها كما يجب في سوريا وروسيا إستغلّت ذلك" وكأنه يتسائل "أين أمريكا" ليخلصَ أنها "منشغلة في إنتخاباتها".
49 دقيقة من عمر المقابلة مرّت وكأنها "فترة إنتقالية" يُراد من خلالها تصدير الحركة إلى الخارج وفق نموذج "إسلامي – معتدل" بعد فشل تصدير نموذج "النصرة" التي ثبّتت الولاء للقاعدة طوعاً. الجماعة التي تُشكل مكوّن أساسي من "جيش الفتح" (سلفي الطابع) تعتبر أحد أبرز حلفاء "جبهة النصرة" على الرغم من حالة الإشتباك المستجدّة معها، حركة، لا يُخفي على أحد خطابات قادتها المنتشرة على "يوتيوب" كما مصطلحات عناصرها "السلفية، الجهادية" العلنيّة، على الرغم من محاولة طمس "الجزيرة" لها. هي دون أدنى شك نموذج سلفي، جهادي، إسلامي، على الرغم من كلّ الأفلام الهوليووديّة، خلاصة المقابلة والغاية منها أتت على لسان أصحابها عبر جواب "الحموي" السريع حول هويّة الحركة ومشروعها، قال دون بحث معمّق في الكلمات كونها معدة مسبقاً: "نريد تأسيس مجتمع إسلامي حضاري .. نريد أن نُقيم دولة عدل، قانون، ومؤسسات تكون فيها السيادة لشرع الله وفيها شورى"، يأتي الرد من المقدم: "هذا يعني أنكم تعدّون أنفسكم إلى ما بعد الجهاد وسقوط النظام أن تصبحوا جزء مشكّلاً في هوية سوريا".. هذه الخلاصة إذاً كل ما تقدّم كان تفصيل في مشروع "تلميع الصورة" وتثبيت قدم الحركة وإعدادها لدور جديد ما بعد "جنيف" مع إرتفاع منسوب تفضيل الحلّ السياسي على العسكري.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News