وقع نظري أكثر من مرة، في وسائل الإعلام، في سنوات الحرب الخمس الماضية على سورية على معلومات تفيد بأنّ ثلث «المقاتلين» الذين يشاركون في الحرب ضدّ الدولة السورية ومؤسساتها (الحرب على سورية)، هم من جنسيات أجنبية. كما أنّ الوسائل الإعلامية نفسها تداولت أخبارأ عن دول كمثل الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل وفرنسا وإنكلترا وتركيا والسعودية وقطر، اعترفت بأنّها تقف إلى جانب أعداء الدولة السورية وأنّها تمد الأخيرين بالسلاح والتموين والخبرات.
بكلام أكثر وضوحاً، ليس السوريون وحدهم في معمعة الحرب الدائرة في بلادهم. قد يقول قائل إنّ السوريين أو بعض الجهات السورية بادرت إلى الاستغاثة بدول الخليج وبالولايات المتحدة الأميركية وأعوانها الأوروبيين، فاستجيب لنداء هذه الجهات في مواجهة قمع السلطة السورية التي تستقوي بحلفائها، الدولة الإيرانية وحزب الله اللبناني!
السؤال الذي ينهض في هذا السياق يتعلّق بموضوع السيادة والاستقلال الوطنيين. بتعبير آخر، هل يجوز لحركة أو حزب سياسي وطني، معارض، أن يتلقّى الدعم، سلاحاً وأموالاً وخبرة عسكرية، من دولة أو دول أجنبية؟ هذا من ناحية، أما من ناحية ثانية، هل تتناقض الاتفاقيات التي تعقدها السلطة الوطنية مع دول أجنبية بدافع المصلحة المشتركة، وليس انصياعاً للضغوط، مع السيادة الوطنية والاستقلال؟
من البديهي أنّ سورية تتعرّض لحرب تشارك فيها دول أجنبية، ما يعني أنّ هذه الدول تنتهك سيادة سورية واستقلالها. تلزم الملاحظة هنا إلى أنّ هذا العدوان الأجنبي يتحقق بمعاونة جهات وتكتلات من السوريين أنفسهم. لا أعتقد بالمناسبة أنّنا بحاجة إلى أن نُطيل الكلام تدليلاً على أنّ ما يجري هو في جوهره عدوان. أقتضب فأقول أنّ الغاية من الحرب على سورية هي تدميرها وإفراغها من أهلها ومن ثرواتها، بما في ذلك الاستيلاء على مدّخراتها. ما هي كلفة رحلة النازح السوري من تركيا إلى أوروبا، أو إلى قاع البحر؟!
إنّ الدولة الوطنية هي تجسيد للقاسم المشترك الذي تـَوافـَقَ عليه أهل البلاد، بمعنى أنّه يحق للفرد أو لجماعة بعينها أن تتنكّر أو تشكّك في هذا التوافق، شرط أن لا تُجبر الآخرين على ذلك بالقوة أو بوساطة معاونة المستعمرين. ينبني عليه أن ّالمهمة الرئيسية للنضال الوطني تتلخّص في بلورة القاسم المشترك الوطني وفي توفير الظروف الملائمة التي تجعل الناس مقتنعة بفضائل العيش في بلادها وبناء وطن لها، بدل الهجرة والعمل في خدمة الآخرين!
اكتشف السيد أردوغان، زعيم العثمانيين الجدد، أنّ التركمان في سورية هم أشقاؤه، وبالتالي ادّعى أنّ من واجبه أن يتضامن معهم ويدافع عنهم. ما يهمّ هنا هو الرسالة الوطنية إلى الذين يحسبون أنفسهم «التركمان»، أي ليس بالضرورة جميع السوريين من أصل تركماني. الرسالة التي من المفروض أن تتضمّن شرحاً موثّقاً بالوقائع، عن نيات هذا السيد أردوغان الحقيقية. بالإضافة إلى ضرورة الوقوف على آراء المعنيّين أنفسهم في المسألة الوطنية السورية واقتراحاتهم من أجل معالجة ما يحتاج إلى إصلاح أو تقويم.
الرأي عندي أنّ الوطن هو ملكية جماعية لا تُورث ولا تُقسم. ينبني عليه أنّ من يريد الخروج منه هو حر في ذلك، شرط أن يتخلّى عن حقوقه فيه. بكلام أكثر وضوحاً، إذا كان من التركمان أشخاص أو جماعات غير مقتنعة بالوطن السوري أو أنّها تفضّل الوطن التركي، فمن حقها أن ترحل بملء إرادتها إلى تركيا، ولكن هذا لا يجيز لها أن تطلب من الحكومة التركية أن تتمدّد في سورية حتى تصل إليها.
يقتضي المنطق أن يحصل الناس في بلادهم، جميع الناس بصرف النظر عن أصولهم العرقية وعن معتقداتهم الفلسفية والدينية، على حقوقهم المدنية، على قدم المساواة في ما بينهم . ممّا لا شكّ فيه، أنّ جزءاً من الكرد كانوا محرومين، لأسباب أجهلها، من الجنسية السورية، بدليل أنّ الحكومة بادرت إلى استدراك هذا الأمر بتسويته في بداية الحرب. مهما يكن، لا أعتقد أنّ الحقوق المدنية للمواطن السوري كانت محترمة، ولا سيّما أنّ العدالة كانت مفقودة والفساد منتشر والمحسوبية متفشّية، والأخطار آتية من كل صوب !
إنّ اغتنام جماعة من الكرد لظروف البلاد الصعبة، ومعاونتها لدول أجنبية تشارك في الحرب الدائرة على سورية، مهما كانت الذرائع، هو أمر غير مقبول ومُناف للشرعية بالمفهوم الوطني. ناهيك بأنّه سيرتدّ بالضرر على الكرد، في جميع أنحاء سورية وفي خارج سورية. إذا كان الإجحاف بالحقوق يبرّر المطالبة بها والنضال من أجل الحصول عليها، فإنه لا يسمح لأصحاب هذه الحقوق بأن يسلّموا أمرهم للمستعمر الغاصب العنصري لكي ينتزع هذه الحقوق من الجار أو من الشريك، فإنّ مثل هذا السلوك هو كالوقوع في الفخ أو كالغرق في ماء البحر، يَبتلع حقوق الجميع ولا يُبقي لا من يُطالبُ بها ولا من تـُطلب منه!
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News