محادثات جنيف.. فن إدارة المفاوضات

المتعمق في محادثات جنيف المتعلقة بالأزمة السورية يلمس ما يمكن وصفه بالمبارزة أو المباراة الحامية بين وفدي الحكومة والمعارضة، وفي كثير من الأحيان بينهما وبين المبعوث الدولي سواء الحالي ستيفان دي ميستورا أو سلفه الأخضر الإبراهيمي.

ففي جولة "جنيف 2" قبل عامين بدا واضحا التكنيك الذي يتبعه وفد الحكومة، وهو التركيز على محاربة الإرهاب باعتباره الهدف الأساسي الذي جاء من أجله إلى المدينة السويسرية. أما وفد المعارضة فكان يصر، دونما كلل، على الحديث عن هيئة الحكم الانتقالي التي ستتولى هي، كما يرى، كل القضايا، ويعهد إليها بحل المشكلات كافة.

وفي محادثات "جنيف 3" لم يتغير تكنيك وفد الحكومة، وأمضى بشار الجعفري رئيس الوفد أياما كثيرة يتحدث عن الشكل الإجرائي والإطار الذي ستجري فيه المفاوضات وضرورة استكمال "وفود المعارضات" كما سماها، ثم بعد ذلك ومع بداية الأسبوع الثاني تحدث عن ضرورة مكافحة الإرهاب باعتباره يهدد العالم كله.

من ناحيته، أصر وفد المعارضة منذ البداية على وقف الأعمال العدائية ودخول المساعدات الإنسانية قبل الخوض الفعلي في المحادثات، كما أصر على الحديث بشأن الانتقال السياسي، ولكنه هذه المرة قدم ورقة وصفها المبعوث الدولي بالعميقة والشاملة لرؤيته حيال هذا الانتقال السياسي وكيفية تحقيقه.

حتى في مؤتمراته الصحفية بدا وفد المعارضة أكثر انضباطا وأكثر هدوءا، بل وحتى أقل حدة في الحديث عن الانتقال السياسي ودور الجيش والأمن وكيفية الحفاظ على وحدة سوريا.
واستعان وفد المعارضة بمجموعة من الخبراء للإجابة على أسئلة دي ميستورا بشأن الانتقال السياسي وشكل مؤسسات الدولة وتمثيل النساء فيها.

وبدوره، بدا المبعوث الدولي أكثر حزما فلم يستنفد وقت مناقشاته مع الوفدين بالشؤون الإنسانية، بل أحالها إلى مجموعتي عمل قرر اجتماع ميونيخ تشكيلهما لمتابعة وقف إطلاق النار، ودخول المساعدات الإنسانية، لكي يتفرغ دي مستورا للحديث عن الترتيبات السياسية.

وأظهر دي ميستورا حزمه في حديثه إلى وفد الحكومة بشأن الانتقال السياسي، فبينما قال الجعفري إن هذا أمر سابق لأوانه، أكد المبعوث الدولي أن هذا هو الهدف الرئيسي من هذه المفاوضات.