"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح:
"تنذكر وما تنعاد" هي كلمة نسمعها على الألسنة منذ إنتهاء الحرب الأهلية اللبنانية وإقرار إتفاق الطائف الذي قضى بإنهاء "الحالة العسكرية" للحرب دون أن يكترث أبداً لإنهاء إفرازاتها التي لا تزال ماثلة حتى يومنا هذا.
قرّر الساسة في الطائف تقسيم المغانم وفق المعروف وتوجهوا بعد تعميد الإتفاق نحو إزالة الدمار الناتج عن إقتتال 15 عاماً لـ "لا شيء"، مبتعدين عن شرعية إزالة تشوّهات الحرب التي حٌفرت عميقاً في وجدان اللبنانيين وغيّرت وعدّلت الكثير من الديمغرافيّة، وشرّدت عائلات عن مساقط رؤوسهم وهجّرتهم في وطنهم ولازالت!.
تطهير عرقي مورس زمن الحرب من الجميع، لن نعود إليه، بل إلى اللامسؤولية في تطهير ترسٌّبات الحرب التي لا يمكن العبور إلى ما بعد تلك الفترة السوداء دونها. وعلى الرغم من تآكل البوسطة نفسها من الصدء الذي إجتاحها، إلا أن النفوس اللبنانية بقيت متينة ويبدو أنها لم تتعلم من تجارب الماضي ولا زالت عصية على الصدء نفسه وتعيش إنتعاشاً تلو إنتعاش بعد إدمانها الأكل من مائدة الطائفية المسبب الأول في مأساة الـ 75!.
"تنذكر وما تنعاد" كلمة تُطلق على الألسنة علنيةً، لكنها تخفي المستور وما في ذات الصدور الذي يتحرك ويتجلى بأبشع صوره عند كلّ مفترق طائفي ينتج عن أزمة سياسية ما. كيف يمكن أن "تنذكر وما تنعاد" طالما أن الحرب لم تنتهي أصلاً بل سكتت المدافع فقط؟ ماذا عن المدافع الكلامية التي نسمعها كل يوم والإتهامات "بالجملة" بين الفرقاء؟ ماذا عن الشرخ الطائفي العميق بين أبناء شرق بيروت وغربها، وبين أبناء ضاحيتها الشرقية والجنوبية؟ ماذا عن الخلخل الحياتي بين سكان الشيّاح وعين الرمانة مثلاً؟ وكيف يمكن لحرب أن نتنهي طالماً أن الطرفان هنا، لا زالا يعيشان أسباب الحرب نفسها ونتائجها نفسها دون أن نكون في حرب و "عسكرة" حقاً؟ كيف يمكن أن ننسى الحرب ونسمع أبواقاً من هناك وهناك تنضح طائفيةً وتستدعي النعرات عند كلّ أزمة أو خطاب أو تحشيد إنتخابي أو سياسي؟؟!.. هنا نستذكر كلمة للكاتب الأميركي، سيمور هيرش، الذي قال يوماً أن "الحرب في لبنان ليست إلا هدنة!".
الحقيقة أن لبنان وإن مرّ بفترات سلام بعد الـ 1990، لكنه لم يمر يوماً في عهد نسّيان الحرب، بل أن التجارب تؤكد إستمرارها بأشكال متعددة خاصة في الفترة التي تلت الـ 2005 وحتى اليوم، وأن الإدارة الشعبية عند حشد غفير من اللبنانيين لا زالت متوفرة ومُأدلجة ومُعدّة ومُبرّمجة ومستعدة لتكرار مشهد الحرب عند أي مفترق.. والشواهد كثيرة من "كنيسة مار مخايل" إلى 7 أيار وأحداث الجامعة العربية وما تلاها من مشهديات "قطيع الطرق" في أزمنة مختلفة حتى الحرب السورية اليوم!.
الحقيقة أن الحرب في لبنان ليست بحاجة للكثير من العناء، يكفينا إشارة إقليمية ونعود إلى زمن المتاريس والقنص، ولا نتأخر أبداً، ليس لأن الأرضية غير متوفرة، بل لأن الأقليم يرمي إهتمامه على أماكن أخرى!. لن نكون بعيدين عن الحرب، طالما أننا لا زلنا نركب في بوسطة عين الرمانة بكل سلبياتها، ولن نكون بعيدين أبداً، طالما أن الذي ركب البوسطة وركب نتائجها، لا زال يركب على ظهورنا وعلى كاهلنا!. لا نريد الحرب ليس لأنها "تنذكر وما تنعاد".. بل لأنها أصلاً موجودة، ولن يذخر الساسة جهداً في تكرارها في حال إستشعروا الخطر على مواقعهم ومصالحهم ومغانهم التي حازوا عليها بفضل الدماء التي سالت بحجج وأسباب مختلفة كان سبيلاً لهؤلاء لكي يمروا في نهر من دم لا زال يعكس صورتهم الحقيقة رغم كل "المكيجة"!.
عيشوا في ظل "تنذكر وما تنعاد" على أمل "تنذكر وما تنعاد"، ولو أن النفوس لا تشي بالخير.. ولكن!.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News