إذن، جرت في سورية في 13 نيسان 2016 انتخابات تشريعيّة رغم أنّ البلاد تتعرّض منذ آذار 2011 لحرب رسمت خطتها الإمبريالية الأميركية ـ الأوروبية، وتوكلت بخوضها حكومة العثمانيين الجدد في تركية، وتعهّد أمراء الخليج وفي مقدّمهم آل سعود الجانب اللوجيستي (السَوقي)، تمويناً وتجهيزاً وعتاداً.
من البديهي القول إنّ دعوة المواطنين في زمن الحرب إلى انتخاب مجلس نيابي (مجلس الشعب)، أو بالأحرى إلى تجديده، تكتسب معانٍ تتجاوز في الواقع مسألة تمثيل الناس في مؤسسة دستورية، إلى قضية الوجود الوطنيّ نفسه وإلى التعبير عن التضامن مع السلطة، بما هي القيادة السياسيّة والعسكرية في الحرب الدفاعيّة ذوداً عن البلاد.
إنّ السلطة هي التي تبني الأمة، وليس العكس. لا أظنّ أنّي أبالغ في الكلام عندما أقول إنّ الجماعات الوطنيّة في جميع البلدان السورية، أي في سورية الكبرى، وفي العراق أيضاً، تقطّعت أو تكاد. مردّ ذلك كما هو معروف إلى عوامل داخليّة وخارجيّة لست بصدد البحث هنا في طبيعتها وفي القوى التي تحرّكها.
تأسيساً عليه، يبدو لي أنّ ما نشهده في المدى الجغرافي السوري ـ العراقي يشبه في الحقيقة تسابقاً بل تصارعاً بين قوّتين متناقضين، قوة عدوانية بادرت إلى الهجوم فتمادت في القتل والتخريب والتهجير من جهة، وقوة دفاعية من جهة ثانية باغتها المعتدون ولكن هذا لم يمنعها من التصدّي لمقاومتهم بما لديها من إمكانيات، بموازاة العمل على استكمال جهوزيّتها والتعويض عن الخسائر التي لحقت بها.
لا شكّ في أنّ الجماعة الوطنية السورية تضرّرت كثيراً جرّاء هذه الحرب، حيث ظهرت ثغرات كبيرة في بُنيتها وتصدّعت بعض ركائزها، فكان على القيادة، بالتلازم مع مشاغلة الأعداء والمناورة، رأب الصّدع في المجتمع الوطني السوري، حيث يمكن ذلك، بجميع الوسائل والأساليب ومن ضمنها إعادة تركيب ما تفكّك واستبدال ما تهتّك. بكلام صريح وواضح، يبدو أنّ القيادة السورية أدركت تماماً أنّ عليها في زمان الحرب أن تقوم بمهمّتين كبيرتين معاً، إصلاح ذاتها ولمّ شملِ السوريّين.
تبدو من هذه الزاوية دعوة السوريين إلى المشاركة في الانتخابات النيابيّة كمثل عملية إحصاء لأعضاء وأنصار حزب الدولة الوطنية السورية، إظهاراً لمنحى الخط البياني لعدد هؤلاء الأعضاء بين انتخابات وأخرى، كمعطى يوضّح تأثير النشاطات في الأوساط الشعبية في مجالات التوعية والإعلام والسياسة المرافقة لعمليات الجيش العربي السوري وحلفائه في ميادين القتال.
مجمل القول، إنّ الانتخابات يمكن أن تمثّل في الظروف التي تحيط بسورية وتطاول أمراء الخليج والعثمانيين الجدد على شرعية وجودها كدولة ذات سيادة على أرضها معياراً لقياس درجة استرجاع الجماعة الوطنية السورية لعافيتها.
ففي زمان الحرب يقترع الناس ليس من أجل انتخاب مرشّح، ولكن يقترعون انتماءً إلى وطن. الورقة التي وضعها كل سوريّ في صندوق الاقتراع هي رسالة تقول إنّ بلادنا تتعرّض لحرب، علينا أن نتوحّد خلف قيادة الدولة وأن نتضامن معها، علينا أن نعمل على إنجاح كل ما تقوم به في ميادين القتال والسياسة دفاعاً عن بلادنا. إنّ ظروف الحرب تفرض وحدة القيادة ووحدة الشعب كشرطين لازمين وضروريين من أجل تحقيق الانتصار.
لنترك الكلام إلى ما بعد المعركة.. نحيا معاً أو نموت معاً. الحرب لا تنتهي إلا عندما تتحرّر سورية وعندما يتحرر السوريون من الخداع، من الأوهام ومن الأشرار.
إنّ أمراء الخليج والعثمانيين الجدد ما كانوا ليتجرّأوا على مهاجمة سورية لو لم يتمكّنوا قبل ذلك من محو مفهوم العروبة، بما هي تضامن وتكامل، من خلال ارتهان جامعة الدول العربية وجعلها أداة في خدمة المصالح الأميركيّة والإسرائيليّة من أجل تدمير بلاد العروبة بالقوة. فإن سقطت سورية تلاشت العروبة، سورية هي في الراهن مرادفة للعروبة ! ألا يكفي هذا لكي نقترع جميعاً لسورية ؟
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News