... واخيرا، بشّر الشيوعيون اللبنانيون، بانجازالخطوة الاولى باتجاه اعادة بناء حزبهم، الحزب الشيوعي اللبناني، وبات تفاؤلهم المفرط الذي خرجوا به من قاعة المؤتمر، يدلل على حجم الازمة الحزبية، واخذوا على عاتقهم مهمة التخفيف من الازمات التي يتخبط بها الحزب وتنهكته منذ عقدين ماضيين، فالامر بالنسبة اليهم، يصل الى درجة «اعادة البناء»، بعد موجات من الانقسامات والتكتلات التي اتجهت نحو مرجعيات وجهات سياسية وطائفية، لكنها ذابت كلها عند عتبات قوى سياسية طوائفية.
في مجلس خاص قبل عامين من استشهاده، قال جورج حاوي الامين العام التاريخي للحزب الشيوعي اللبناني، امام جالسيه... ان الحزب الشيوعي كقطعة مغناطيس، فيها قطب شمالي وقطب جنوبي، اذا قُطعت من النصف، يأخذ كل منها نفس طبيعة قطعة المغناطيس الكاملة، والمعارضة الحزبية كالقيادة الحزبية، فيها نفس الايجابيات ونفس السلبيات، بفارق وحيد ان هذه المعارضة، ولأنها في المعارضة تطالب بالديموقراطية، وربما لو استلمت القيادة لكان بعضها اقل ديموقراطية ممن هم في القيادة الآن، ومقومات الحياة عند الشيوعيين اللبنانيين.. هي اكبر بكثير من مقومات الموت، ولا بأس بتفاعل عوامل الوفاة القديم مع عوامل ولادة الجديد.
في قراءة لشيوعيين شاركوا في المؤتمر الحادي عشر للحزب الشيوعي اللبناني، يمكن تلمس مسحات التفاؤل الخارجة من قاعة المؤتمر، من خلال تركيبة اعضاء اللجنة المركزية المنتخبة التي يعتبرونها مؤشرا لبداية اخراج الحزب من دائرة التأزم الداخلي، فالحزب الشيوعي اللبناني، الذي يكبر استقلال لبنان بتسع عشرة سنة ( تأسس في 24 تشرين الاول عام 1924 )، خرج من مؤتمره، يوم امس الاول، بصورة اكثر تفاؤلية لدى جمهور الشيوعيين، الذين شكك معظمهم بانعقاده، لتجنب انقسامات جديدة تضاف الى الواقع الحزبي المأزوم، او ارباكا امام التوقعات المتعلقة بنتائجه، يكاد يكون الحزب الماركسي - اللينيني الوحيد الذي لم يطلع من جلده، بعد ان كسر الشيوعيون كل المحاولات التي قام بها فريق من قيادته.. وقواعده في مؤتمره الثامن، تغيير اسم الحزب، انطلاقا من «الحرص على مواكبة العصر»، بعد تجربة «البيروستراكيا» السوفياتية التي دفعت الى انهيار كل المنظومة التي كانت تتبع لمرجعية الاتحاد السوفياتي، ولبنانيا، يعرف اللبنانيون ان الدور الرائد الذي لعبه الحزب في محطات اساسية في تاريخ لبنان، اسهم في تعزيز النضال الوطني في لبنان، ويكاد يكون الحزب الذي لا ينافسه اي من الاحزاب، في مقاومة الاحتلال الاسرائيلي من خلال تجربته الرائدة في جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ( 1982 - 1990 )، باستثناء «حزب الله» الذي ما زال يراكم تجربته في المقاومة، وهو مستمر بها وبفعالية.
انعقد المؤتمر، يضيف هؤلاء... وصفق الشيوعيون للنتائج، بعد ان اطلقت الالسن التي تتحدث عن «موالاة» و«معارضة» واكثرية واقلية، لم تكن تشبه تجربة المناشفة والبلاشفة عند الحزب الشيوعي الروسي، والحقيقة التي يُجمع عليها العارفون..ان الحزب الشيوعي اللبناني هو اكبر الاحزاب العلمانية والاكثر تأثيرا على المستوى الشعبي، واصغر الاحزاب اللبنانية... بوجود «جلالة» الاحزاب الطائفية والمذهبية، لكن وجود اطار سياسي عابر للطوائف كان وسيبقى حاجة... للبنانيين الهاربين او المنفيين او المطاردين من طوائفهم... ليكون الحزب الشيوعي... الطائفة غير المرغوب بها في لبنان.
واذا كان معظم الشيوعيين يرون في القيادي النقابي حنا غريب... الامل المرتجى الذي يمكن المراهنة عليه في الخروج من الازمة، اطلقوا الاسئلة الصعبة... هل المشكلة في الحزب الشيوعي اللبناني؟، ام في وجود حزب عابر للطوائف في بلد قائم على تركيبة طائفية؟، وبالتالي فلا فسحة له في ساحات الطوائف وغاباتها ودهاليزها، ام ان الازمة في الطبقة السياسية ذاتها التي تتوارث الحياة السياسية، في ظل معايير ومقاييس صنعت تركيبة للبلد يصعُب تجاوزها، لانها قائمة على نظرية التوازنات الطائفية والمذهبية، ام ان المطلوب من الحزب، ولكي تتوفر له المساحة الرحبة، ان يكون مطواعا، عله يدخل الى المجلس النيابي بعد 92 عاما على تأسيسه، وفي هذه الحالة، سيُسقط كل مبررات وجوده، وستنتفي الحاجة الى دوره ووظيفته التي جمعت في صفوفه طوعا، الالاف من الشيوعيين.
لن يُكبّر الشيوعيون الحجر، وهم خارجون للتو من مؤتمر اعتبروه محطة اساسية للانطلاق بروحية تختلف عن تلك التي سادت المرحلة السابقة، ولن ينتظروا حلولا سحرية وسريعة لتراكم الازمات التنظيمية لحزبهم، وهي ازمات تركت انعكاسات اثرت سلبا على اداء الحزب وعمل قواعده المنتشرين على امتداد البلد، حتى غدا الحزب عاجزا عن فعل شيء، سوى زيادة الانقسام في صفوفه والشعور بالضياع، وسط غابات من الطوائف تحتل المشهد السياسي.
ـ الصدمة الايجابية المنتظرة اليوم ـ
والشيوعيون الخارجون من قاعة المؤتمر، وهم اكثر ايمانا بحزبهم الذي تناهشته قوى وجهات ومشاريع واجندات فكرية وسياسية، من دون ان تلتهمه، جددوا انتسابهم وعقدوا العزم على المضي في صفوفه، كما لو انه تعافى بالكامل، وهذا بعيد عن الحقيقة التي تؤكد ان حل تراكم التأزمات داخل «الشيوعي» يحتاج الى جهود استثنائية لن تظهر على المدى المنظور، واليوم، واذا اصّر الشيوعيون الذين انتخبهم المؤتمر اعضاء في اللجنة المركزية الجديدة للحزب، على احداث صدمة يحتاجها الحزب، فسيكونون امام امين عام جديد بشخص حنا غريب، وهي حتمية لدى فريق واسع من الشيوعيين الذين يعتبرون ان الحلقة الاهم لاطلاق ورشة تنظيمية تعيد للحزب بعضا مما خسره بفعل الازمات التي انهكته طوال العقدين الماضيين، هو اختيار امين عام جديد للحزب... والا فان المؤتمر الحادي عشر، وان كان شكل انعقاده وتشكيلة قيادته الجديدة قفزة الى الامام، لكنه لن يحمل المفتاح الذي يُدخل الشيوعيين في مرحلة اعادة البناء والتجديد، وهذه الحقيقة ليست استهدافا لدور خالد حدادة، لان وجوده في الامانة العامة لثلاث دورات متتالية، كان سينظر اليه على انه تعبير حقيقي لوجود ازمة قيادة وقياديين داخل الحزب.
والشيوعيون الذين صفقوا لنتائج مؤتمرهم، لن يكونوا على موعد قريب مع التعافي الحزبي الكامل للانخراط مجددا في معركة بناء الدولة، وان كانوا يشعرون انهم لم يغادروها، لكنهم اليوم امام اولوية اعادة بناء الحزب وتمتين عوده ولملمة صفوفه الشاردة عن تشكيلاته التنظيمية، وهي مهمة تبدأ بدعوة «جيوش» الشيوعيين التي هجرت حزبها... بعد ان شعروا انهم يفقدون هويته ووظيفته، ولعل هذه الدعوة تشكل المفتاح الحقيقي للانطلاقة الجديدة للشيوعيين اللبنانيين، فهل سيجيد الشيوعيون فتح باب الانطلاقة الجديدة.. بانتخاب حنا غريب امينا عاما للحزب.. اليوم؟.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News