مختارات

صلاح الدين الجورشي

صلاح الدين الجورشي

العربي الجديد
الثلاثاء 03 أيار 2016 - 08:04 العربي الجديد
صلاح الدين الجورشي

صلاح الدين الجورشي

العربي الجديد

هل يعود بن علي إلى تونس؟

placeholder

تبدو الديمقراطية التونسية الهشّة قد أصبحت مثقلة بالمطالب المتعددة والمتناقضة للتونسيين، بمختلف فئاتهم وتياراتهم، وذلك بعد سنوات قليلة من انطلاقتها العسيرة. كلٌّ يريد أن يحقق ما ينادي إليه، وبأسرع وقت ممكن، وبدون مراعاة مدى قدرة الجسم الاجتماعي والثقافي، وحتى المالي للدولة والمجتمع. وما يحدث من تصاعد ملحوظ في نسق الدعوة إلى الاعتراف بحقوق المثليين، على الصعيدين الاجتماعي والتشريعي، مثالٌ. ويلقى ذلك دعماً قوياً وملحوظاً من مختلف المنظمات المناصرة للمثليين، سواء داخل تونس، وخصوصاً على الصعيد الدولي، إذ لا يخفى أن مؤسسات التمويل الدولية جعلت من بين أهم أولوياتها توفير الدعم للجمعيات التي تقبل أن تشترك بقوة في الدفاع عن المسألة المثلية، وستتمتع في حال قبلت بتنفيذ هذا الدور بتمويلات سخية. وهذا أمر آخر، قد نعود إليه في مناسبة لاحقة.

ما نريد أن نتوقف عنده الآن هو بداية الحديث عن عودة محتملة للرئيس السابق زين العابدين بن علي إلى البلاد، ليس من أجل محاسبته وفق ما تقتضيه العدالة الانتقالية، وإنما لوضع حد لما اعتبره بعضهم "إنهاء المظلمة التي يتعرّض لها، بسبب إبقائه لاجئاً خارج بلاده". وهنا، لسنا بصدد المقارنة بين المسألة المثلية وقضية بن علي، وهي قضية سياسية. وإنما نضرب مثالاً آخر للتدليل على سرعة العجلة التي أصبحت تخضع لها التجربة التونسية.

مضى على خلع بن علي ومغادرته البلاد قرابة خمس سنوات ونصف، لكن ما لوحظ أن جزءاً من الرأي العام التونسي بدأ اتجاه البوصلة عنده يتغير، بل ينقلب من موقف الرافض لبن علي، واتهامه بالدكتاتورية والفساد، إلى إبداء التعاطف معه، والبحث عن الأعذار التي من شأنها أن تخفف من شعور العداء له، والرغبة في محاسبته. ومما ساعد على تغيير اتجاه البوصلة استمرار تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وظهور حالة العجز لدى مختلف مكونات النخبة السياسية، ما فتح المجال للمقارنة بين ما كانت عليه أوضاع البلاد قبل الثورة وبعدها.

كما تزامن تحول وقف جزء من الرأي العام مع تحول آخر موازٍ، حصل في صلب التوجه السياسي لرئيس حركة النهضة، راشد الغنوشي. فالعداء السابق لمن كانوا يسمون التجمعيين، وهم الذين شكلوا عجينة الحزب الذي صاغه بن علي في فترة حكمه، والذين حاربوا الإسلاميين بدون هوادة مدة لا تقل عن عشرين عاماً، أصبحوا اليوم قوة سياسية محتملة لتصبح حليفاً استراتيجيا لحركة النهضة. وقد رسخت زيارة المجاملة التي أداها آخر أمين عام لحزب التجمع الدستوري الديمقراطي المنحل، محمد الغرياني، للغنوشي إثر تعرضه لحادث مرور، هذه الفرضية لدى الجميع. هناك رغبة قوية لدى الغنوشي لإقناع أعدائه السابقين بأنه يمكن طي صفحة الماضي، قبل حتى قبل استكمال مسار العدالة الانتقالية، وهو مسار متعثر، بعد أن فقد كثيراً من بريقه. فالغنوشي يطالب اليوم بإعلام ما وصفه بـ "العفو العام "، أي عفو بدون استثناء. وقد أصبحت هذه الرغبة القوية لدى الغنوشي تثير القلق، حتى داخل "النهضة"، كما أصبحت تشكل مصدر خوف حقيقي لدى اليسار، ولدى الرئيس السابق، المنصف المرزوقي، الذي لم يتردد، أخيراً، في القول، ومن دون مواربة، إن "النهضة" صارت "حركة من المنظومة القديمة الجديدة" ، وأن هدف حراك تونس الإرادة الذي أسسه هو "التموقع حزباً معارضاً رئيسياً في مواجهة حزبين، يقودان حاليا عودة النظام القديم، وتكريس الفساد تحت غطاء ديمقراطي، هما النهضة ونداء تونس".

في هذه الأجواء، يتنزل الحديث هنا وهناك، من سياسيين ورجال قانون، وبعض رجال الأعمال، وبالخصوص إعلاميين عن ضرورة عودة الرئيس بن علي. السؤال الكبير اليوم: إلى أين سيقود هذا المخاض الملغّم، وهل ستتمكن الديمقراطية الهشّة، ومنقوصة الشروط، من إدارة كل هذه التناقضات، من دون أن تنهار من داخلها وتبتلعها الحيتان الكبيرة؟

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة