حلب تعيش منذ مدة جحيم ثالوثية: روسية إيرانية أميركية (تواطؤ) حيث تجاوزت هذه الوصايات (بدعمها الأسد) كل حدود انسانية، وسياسية واخلاقية. حلب تدمر تدميراً منهجياً، منظماً كالعديد من المدن والبلدات السورية. حرب إبادة دولية شاملة كأنما يشترك في تغطيتها العالم كله، وحرب تهجير مستمرة ومسلسل لا ينقطع من القتل والقصف بالبراميل والطيران الحربي تحت شعار «محاربة الإرهاب». الإرهاب الأكبر يحارب «الإرهاب« الأصغر. العالم العربي مشغول بالدفاع عن نفسه من هذا المثلث الشيطاني. المجتمع الدولي يكتفي بإعلان «قلقه» والتعبير عن ادانته ومطالبته المجرمين بالتوقف عن إجرامهم! لكن الإبادة مستمرة وطبيعة القلق ونوع الإدانة اللفظية النمطية يغطيان بغبارهما دم الشعب السوري وبعجزها تشجع العدوان «الثلاثي» على الاستمرار في عملياته. جاء الروس بأسلحتهم وجيوشهم وطائراتهم وسفنهم الحربية للقضاء على «داعش» فحيّدوه واستهدفوا الجيش الحر. الإيرانيون سبقوا بوتين ومهدوا له الطريق ونسقوا معه لينسق بدوره جيداً مع اسرائيل. كل هذا يعني ان المعارك مستمرة (رغم الهدنة) وان الروس «يشجعون» عميلهم المدلل بشار بن حافظ الأسد و»الشبل من ذاك.... الأسد» على تعميق نهجه البربري، كسباً للوقت، ومحاولة شل كل مفاوضات يمكن ان تحدد موعداً للانتقال السياسي، والتمسك ببقاء المرؤوس الأسد في قصر المهاجرين.
فالمفاوضات تفاوض نفسها. والهُدن لا تهادن نفسها والاجتماعات مونولوغات منعزلة... وجني أبعد من عطارد وزُحل. وسوريا وشعبها وأرضها في مزاد لا أول له ولا آخر.
لكن أين داعش من كل هذه الحروب؟ إنه في أمان في رعاية روسيا وإيران... وأوباما. امان واطمئنان ودعَةٌ. وهذا ليس جديداً فحزب الله كما هو معروف، لم يقاتل داعش، ولم «يتورط» بالصدام به وكانت «جحافله« الإيمانية السموية تمر بالتنظيم الإرهابي مرور الكرام والمحترمين والمهذبين لتحارب الجيش الحر. تماماً كما كانت تمر بحدود الجولان متهيبة، عاقلة، حكيمة، مستورة، عارية من كل شارة من شارات المقاومة (المزعومة) ومن كل لهجة من لهجات «الممانعة» الهزلية. وقد سبق ان أشرنا وكتبنا (مع العديد من العارفين) ان داعش هو من فبركة «العدوان الثلاثي» ومن طينته ومن جبلته ومن هندسته... انكشف المستور من زمان. ذلك لأننا نعرف أساليب نظام آل الأسد في صناعة الإرهاب: أفضل من يصنع الإرهاب هو الإرهاب. عايشنا مسلسلات الوصاية أربعين عاماً وبتنا نعرف مهارتها في هذه المهنة وآخرها انجاب تنظيم شاكر العبسي في نهر البارد: مجرم اطلق من معتقلات سوريا واعطي سلاحاً وزُوّد مالاً واُرسل مشروعَ «أمير» سني على امارة تبدأ في المخيم الفلسطيني ولا تنتهي في طرابلس أو أبعد. والإمارة «المعهودة» يجب ان تكون «سنية « لكي تفعل فعلها في إثارة حرب أهلية أو فتنة مذهبية. وكان حزب سليماني من رعاة العبسي ومن داعميه، وهل ننسى صرخة السيد حسن نصرالله عندما قرر الجيش اللبناني الدفاع عن نفسه: «نهر البارد خط أحمر»، ويعني ضمناً، وتلميحاً وتصريحاً ان هؤلاء «السُّنة» مخلوقات أنابيب صُنعت في مختبراتنا ومختبرات حزب البعث السوري، ولديهم من تعليماتنا وارشاداتنا ودروسنا وخزائننا ما يجعلهم «ودائع« غالية من ودائعنا كالعديد من التيارات والأحزاب اللبنانية. فَحذار منعهم من تحقيق «حلمنا» الإسرائيلي بتمزيق لبنان على أيدي هؤلاء وتدمير مدنه وتخريب كل أمل لقيام الدولة وترميم الجيش وسيادة الجمهورية.
الإرهابان السوري والإيراني صنعا إرهاباً «سنياً» ينطق بالتقسيم والقتل والتقطيع والتخريب والوحشية. فحزب الله «بريء» من دم هذا الصديق. غسل يديه المضرّجتين بالدم والتزم الصمت المريب. هذان الإرهابان مضافاً اليهما بوتين استفادوا من تجربة شاكر العبسي (الفاشلة) وكرروا المحاولة لكن بشكل أوسع وأضخم وأرعب ليخيف العباد والعالم: انه تنظيم داعش فبرك بكل وسائل العولمة والعنف! فليكن البغدادي شاكر العبسي بطبعة جديدة وليعلن الخلافة وليسيطر بتواطؤ هؤلاء ودعمهم على المساحات الواسعة لتكون «مرتعاً» لخلافته وأرضاً لها. هذا «العبسي» المتجدد غزا المدن والدساكر السورية والعراقية بسرعة البرق فتحوا الطرقات كلها له. هكذا يريده «الإرهاب الثلاثي» لكي يكون «وديعة« وادعة بين أيديهم وحرباً على الجيش الحر... لتنسيق دقيق مع روسيا وإيران وبشار.. من دون أن تنسى وديعة إيران الأخرى حزب الله حامي حمى الأضرحة المقدسة ونابش قبور شباب الشيعة في سوريا! ولا بأس أحياناً فتمثيل معارك بين «العدوان الثلاثي»: روسيا، إيران، اميركا وداعش يشبه مناورات بلا ذخيرة... للصورة، والكاميرا والخبر والمتاجرة وأصول اللعبة «العبسية- البغدادية»! مسرح داخل المسرح، وحرب «سلمية» وسط حروب شرسة... ففرانكشتاين الداعشي لم يصل بعد إلى مرحلة قتل صانعه... لأن هذا الأخير هو الذي سيُوقت نهاية دوره... «الإرهابي» ويكسب اعجاب العالم الغربي العبقري الذي صدّق هذه الكذبة بعد الضربات التي تلقاها في باريس مؤخراً. أترى انطلت عليه اللعبة، أم سبق أن عرفها وأغفلها وأهملها ظناً أن نارها لن تصل لا إلى أصابعه ولا إلى قلب مدينته. إذاً، انه الارهاب الإسلامي! انه الإسلام. انهم السُنة. انهم العرب. تماماً كما سبق أن صدقوا ان إيران تحارب القاعدة، وهذه الأخيرة موجودة في عهدتها ورهن توجيهها. داعش+ القاعدة+ حزب الله: المثلث الإرهابي المرتبط ارتباطاً عضوياً واستراتيجياً ليحقق مخططات «اسرائيل» بتحويل العالم العربي دويلات متناحرة ومتصارعة مذهبياً واثنياً وجغرافياً وسياسياً.
الغرب
لكن على الرغم من كل ما كُشف من علاقة داعش بالأسد وبإيران وروسيا، اصّر الغرب على تصديق رواية هؤلاء بصورته النافرة ومكنونه القاتل. حتى أن بعض الأقلام والأصوات الاعلامية والسياسية الغربية وبرغم فضح العلاقة بقيت توجه سهامها إلى بعض الدول العربية وخصوصاً السعودية بتمويل داعش وتسليحه ودعمه. انه الغباء؟ انه العماء؟ انه التستر؟ الله اعلم. حتى عندما كشفت جهات غربية علاقة حزب الله وإيران والقاعدة في تفجير البرجين بقي هؤلاء على صممهم وتغافلهم! قبل أيام نشرت جريدة «المستقبل« تقريراً مفنداً من عمل استقصائي اعلامي داخل سوريا، توصلت فيه شبكة «نيوز» الاخبارية البريطانية إلى «كشف العلاقة الوطيدة والتعاون والتوثيق بين نظام الأسد وتنظيم داعش عبر وثائق سرية حصل عليها صحافيون بريطانيون من منشقين من داعش تؤكد أن مدينة تدمر سلمها التنظيم لقوات الأسد وتثبت التعاون الميداني في اعطاء النظام اشارات للإرهابيين لكي يخرجوا هم وأسلحتهم من أي موقع سيقوم الطيران بقصفه بالإضافة إلى مذكرات تأمر بتسهيل عملية النفط مقابل الأسمدة بين الطرفين. وأكدت الوثائق «ان هذين الطرفين ينسقان منذ سنوات وان «داعش» يدرب ارهابيين من أجل ضرب أوروبا منذ عدة سنوات..».
هذه الوثائق لم تكشف جديداً. فقد سبق ان اشارت مصادر اعلامية عدة عن هذه العلاقة وكتبنا مقالة عن الدخول المظفر لقوات الأسد إلى تدمر و»استعادتها» من داعش. هذه العملية كانت بمثابة «تسلم وتسليم». بين الطرفين الحليفين. هذه السيناريوات معروفة تنكرها «الممانعة» وتدعي محاربتها داعش بل وتتهم جهات عربية وأجنبية بانها وراء هذا التنظيم. الغريب ان كل هذه المعلومات والوثائق (كسابقاتها في فضح علاقة إيران بالقاعدة) لم تغير من نغمة أوروبا وأميركا العازفة على وتر ان السعودية وراء داعش: والأغرب ان تعلن حالة الطوارئ في فرنسا وتقوم السلطات هناك بمطاردة الأفراد المتهمين بجرائم باريس وشارلي ايبدو من دون أن تشير إلى رعاة ومفبركي هذه الظاهرة التي انتشرت في العراق وسوريا وليبيا وبلجيكا... بل على العكس تماماً راحت أصوات تنادي بالتنسيق مع الأسد وإيران وروسيا لمحاربة داعش!
المثلث الإرهابي
اليوم تحترق حلب بوحشية «المثلث الإرهابي» روسيا وايران وسوريا... تحت شعارات متنقلة وادعاءات صبيانية: الثالوث المذكور يدمر قواعد داعش! أو بث وسائل الثالوث الجهنمي ان المعارك في حلب هي بين الناس والارهاب! أي تنزيه الثالوث العدواني عن المشاركة بل ان بعض الأذناب الاعلاميين تجاوز كل مخيلة إجرامية عندما ادعوا أن لا معارك في حلب وان هذه الأخيرة هادئة مطمئنة أكثر من الجولان المحتل. بل وصل الأمر بهم إلى نكران كل قصف بالطيران للمدنيين، والمستشفيات والمدارس والمنازل. فالمستشفى الذي كان يديره «أطباء بلا حدود» ودمر على رؤوس أطبائه ومرضاه غير موجود أصلاً! ألغوه من الوجود... كما يحاولون الغاء وجود الشعب السوري والحدود السورية وظاهرة المهجرين والنازحين. وقد ينفون غداً حتى الوجود العسكري الروسي والاحتلال الإيراني في سوريا! بل قد يقول حزب الله الإرهابي غداً انه لم يشارك لا في القتال ولا ذهب أصلاً إلى سوريا بل هو الارهاب يحارب الارهاب والشعب يتصدى لهما! والمضحك ان هذه الأطراف الروسية والإيرانية والسورية تعلن انتصاراتها اليومية على الارهاب! وتنشر صور المعارك وعلامات النصر... والمجد. وان حزب الله عميل خامنئي «يشارك» (بدم الشباب اللبناني) ولا يخفي تسجيله فوزاً مبيناً على «داعش» لينحرف خطابه المسموم إلى اتهام السعودية بالمشاركة في المعارك! يعني أن الطيران السعودي هو الذي يلقي البراميل المتفجرة على المدنيين وانه ينسق مع داعش وان المملكة هي التي انتجت كل هذه الظواهر الداعشية العبسية. رائع! بل انهم يشيعون ان «الجيش» السعودي في طليعة المحاربين مع الارهابيين في سوريا. او لم يسبق ان اتهموا تيار «المستقبل« بأنه وراء ظاهرة شاكر العبسي، وانه يمول الارهاب ويشحن السفن المحملة بالسلاح إلى سوريا.
كأن كل ذلك فعل فعله وان مرحلياً، وان رذاذاً في العيون على بعض الصعد الدولية. السؤال: ألا يعرف اوباما المصاب بفوبيا الإسلام العربي دور روسيا والأسد وايران في فبركة داعش؟ وهل يمكن أن نصدق ان «مخابراته» غافلة عن كل هذه المعلومات. وانها لم تكتشف التنسيق بين القاعدة وايران في تفجير البرجين وكذلك في الهجوم الانتحاري على الجيش الأميركي في بيروت في الثمانينات؟ لا ندعي نحن ولا احد يدعي انه اعرف من اوباما بحقيقة الدور الإيراني الاسرائيلي الأسدي في صناعة الارهاب. ولا أحد أدرى منه بعلاقة داعش بالثالوث الجهنمي الروسي- الأسدي الفارسي! بمعنى آخر ان هذا الرئيس منذ اندلاع الثورة السورية اتخذ موقفه لدعم الأسد (تماماً كما اتخذ موقفه بدعم الاخوان المسلمين في مصر) عندما منع توفير كل دعم للثوار في مرحلة انتفاضتهم الشعبية السلمية وحال دون مساعدتهم عسكرياً ورفض توفير غطاء جوي يحمي المدنيين من قصف النظام بل أكثر: هدّد بالتدخل اذا كررت سوريا استخدام الكيماوي لكن عندما استخدمته تراجع عن تهديده... وتنكر لوعده.. واستمر في مماطلته وتشجيع الروس على دعم الأسد في ذبح شعبه! ولا نظن ان معزوفته اللفظية «لا مكان للأسد في سوريا المقبلة» التي كررها كيري على امتداد خمس سنوات كانت جدية. بل كأنه في رفضه قبول اي دور للأسد وكأنه ينفي فعلياً قبول أي دور للشعب السوري الذي هب بملايينه لاسقاط «دميته»!
سوريا تحترق. العالم يقلق ويستنكر. واوباما «أنا اعمى ما بشوف انا ضراب الخشب» واوروبا جعلت من الاسلام هو المسؤول عن مصائبها وبرزت فيها أقلام معادية للعرب والسعودية... والأسد يستفيد من كل ذلك، وبمعية اسياده بوتين وخامنئي ونتنياهو لاستكمال تدمير سوريا وتهجير ما تبقى من شعبها متشبثاً باحتمال انتصاره على المعارضة والتفرد بالسلطة! ذلك لأنه بات جزءاً من تقسيم المنطقة وتخريب دولها وتاريخها وتمزيق جغرافيتها لمصلحة اسرائيل والفرس. هذا هو دوره الآن. ولهذا يتمسك به اوباما وبوتين وخامنئي. يلعب الدور الاسرائيلي الذي تعهده والده في 1974 من خلال المعاهدة مع اسرائيل والتي كانت اولى ثمارها إغراق لبنان في حروب مذهبية وطائفية... وتقسيمه دويلات على شاكلة ما نراه حالياً: ولاية شيعية مرشدها المحلي حزب الله وخلافة داعشية يتصدرها عميلهم البغدادي.. كل ذلك على صورة امارة شاكر العبسي!
فالثالوث الشيطاني روسيا ايران وخلفهما اوباما واسرائيل ينتظمون في حلف... تاريخي لإلغاء التاريخ العربي.. وتشويه حضارة كبيرة وعصور تنوير ما زالت مضيئة.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News