ليبانون ديبايت - عبدالله قمح
لم تكد طرابلس تنتهي من حالة تأزم حتى تنتقل إلى أخرى، ولا يبدو أن غيمة الحظ السيء ستنجلي عن مدينة عانت الأمرين في السنوات الأخيرة. هو إشتباك ما بعده إشتباك، ينتقل من دهاليز العسكرة والمحاور إلى زواريب السياسة والإنتخابات، تلك الأخيرة التي حلّت لعنةً على المدينة من كافة الجوانب.
جبل محسن نموذجاً لحال التصدع الإجتماعي في مدينة أكلت منها الحروب على مدى 20 جولة وشربت، تردُّدات زلزال طرابلس الإنتخابي يُترجم هنا، في أزقة هذا الجبل المهشّمة جدرانه بفعل جولات العنف السابقة، هنا، يعود حديث العسكرة إلى طاولة حرب الشائعات لتشرحه سكاكين أزمة جديدة أنتجتها إنتخابات أريد لها أن تعبر بهدوء لتُلملِمَ جراح مدينة جريحة.
اُقصيَ العلويون إذاً، هذا ما تفرضه وقائع ميزان القوة في المدينة، 50 ألف نسمة يقطنون في جبل محسن بينهم 21 ألف مسجلين على لوائح الشطب أضحوا دون عضو بلدي يهتم بشؤونهم، حيث فرضت اللوائح عبور مختار واحد لا يتنفس هواء الجبل، وفق ما يؤكد أحد قادة المحاور السابقين في حديث لـ "ليبانون ديبايت"، الذي يشير أن الإنتخابات "طعنتنا في القلب، غُدرنا، وبتنا في غزلة والدولة تتفرج!".
يرمي قائد محور "البقّار" السابق غضبه على الدولة من السيناريو الذي تمّ إخراجه، يرى نفسه وشباب وأهل منطقته بعد 20 جولة قتال وسنوات طويلة من الجوار مع أبناء طرابلس "السُنّة"، "أكثر من خسر في المدينة"، في كلام ينم عن عزلة أريدت لمنطقة كاملة، وسط خشية من دفعها نحو الإنفجار!.
هو إنفجار بالفعل، وفق ما يؤكد "أبو رامي (الجبّار)"، الذي يعدل التوصيف بـ "جمر عم يغلي" مع كلمة "الله يستر" تأخذك بعيداً في الإستنتاجات عن حال منطقة رُميت على كف عفريت. الوضع متوتر جداً، هناك تأجج، هناك شباب غاضب في الجبل يحاول التنفيس من خلال إعتصامات علّه يصل صوته إلى دولة، يراها أبو رامي أنها "تخلت عن جزء من أبنائها". يكشف لـ "ليبانون ديبايت" في سياق عرضه للوقائع، أن "نتيجة الإنتخابات وإقصاء العلويين أفرزت حالة تشنج واسعة في صفوف الشباب الذي يستشعر الخطر وشعور عدم الثقة"، يرمي بوضوح جزء من المشكلة على العلويين أنفسهم، ليقول أنهم "أخطأوا في مقاطعة الإنتخابات"، ليعيد ويعلّل بأن "اللوم يقع على الجهة الاخرى التي لم تأت إلينا".
لا تستشعر الخطر من تجدد جولات القتال في المدينة بين أبناء الجبل وباب التبانة من نبرات صوت "ابو رامي" الذي يؤكد أنهم كأبناء هذا الجيل "خسروا ولا يريدون توريث الخسارة والمصيبة للابناء"، يؤكد دوماً في سياق حديثك معه أن وبلسان أهل الجبل "منفتح على الجميع الذين هم أخوته بسائر طوائفهم"، لكنه يخفي في قلبه تمنياً أن "يعتبرهم كعلويين أخوةً لهم أيضاً".
يستبعد أبو رامي، وهو العارف بشؤون العسكرة والحرب والسلم، تجدّد حروب المحاور في طرابلس، لأن "لا أحد يريد أن يدفع الثمن في لعبة أكبر منه"، يجزم أن "الشارع مضبوط"، هم يعملون على ضبطه من أجل عدم تفلت الشباب الغاضب، على الرغم من قوله أنه "من الصعب ضبطهم، ولكننا نعمل ما بوسعنا مع الجميع ونعمل على خلق البيئة الملائمة". وعن أسباب ذلك الأحتقان، يرمي "ابو رامي" باللوم على "إشاعات" تُطلق من هنا وهناك من "خفافيش الليل" لعل أخطرها هو ما يصل إلى العرض. يتخوّف أهالي الجبل من إرسال النساء إلى التبانة أو طرابلس من أجل تقديم معاملات لدى المخاتير، ليس خوفاً عليهم من المخاتير، بل من عمليات إستفزاز قد يتعرضون لها، وما يؤجج هذا الموضوع تحديداً هو سياق الشائعات التي لا تنفك تدغدغ المشاعر والغرائز عبر كلام "لا يتحمله عقل ربما قد يحصل لهّن"، وفق أبو رامي، الذي يقول "إفترض حدث ذلك وإعتديَ على أحد تصور ماذا سيحصل؟!".
أبو رامي البعيد على ما يبدو عن "عسكرة الأزمة"، يحاول مع من معه تجنب التدحرج نحو المجهول وجرّ المنطقة إلى حرب جديدة وقائعها اليوم غير تلك التي كانت بالأمس كون الجبل فُرّغَ من قيادته التي فرّت إلى الخارج بجزء منها بعد تسطير بلاغات قضائية. جلّ ما يتخوّف منه القائد السابق لأحد المحاور هو "إستفزازات شبابية قد تجرنا إلى واقع مرير، أو تصرفات ربما يترتب عنها شيء خطير". وعلى الرغم من تأكيده الدائم في سياق الحديث، أنهم "مع الدولة وتحت حماية الجيش الذي يحمي منطقتهم"، يخشى من "بيعهم" كما حصل سابقاً وتخلي الدولة عن مسؤولياتها في حماية الجبل، يومها، وفق ما يؤكد، "لا تسألني لماذا سأحمل السلاح لأن هناك في منزلي أطفال ونساء أريد حمايتهم".
في الخلاصة، يُعمل على الحل في جبل محسن، السقف اليوم هو إعتصامات من أجل الضغط لإيجاد حل لمنع إرسال النساء والأهالي إلى طرابلس من أجل القيام بمعاملاتهم. لا يريدون عضواً بلدياً وفق ما يقول أبو رامي "ياخذوها"، لكنهم يريدون مختاراً، حيث يلمح في هذا الصدد أنهم يتواصلون مع المختار العلوي الوحيد الفائز في الإنتخابات، السيد علي عجاجة، من أجل الإنتقال مجدداً للسكن في الجبل والإهتمام بشؤون أهالي المنطقة، وأداً للفتنة.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News