المحلية

عبدالله قمح

عبدالله قمح

ليبانون ديبايت
الأحد 17 تموز 2016 - 12:43 ليبانون ديبايت
عبدالله قمح

عبدالله قمح

ليبانون ديبايت

الـ "مـا" السرية بإنقلاب تركيا..

الـ "مـا" السرية بإنقلاب تركيا..

"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح

لعل أبرز مشهد في نهار تركيا الطويل، ذلك الذي حصل على جسر البوسفور الذي يطلق عليه أيضاً جسر "السلطان محمد الفاتح" الذي يربط أنقرة بإسطنبول. لمصادفة التاريخ أن السلطان العثماني الذي فتح المناطق بحد السيف قاطفاً الرقاب من بين الأكتاف، كان ملهماً لقطع رقاب عسكريين أتراك بإيعازٍ وهابي. إستبدلت الأدوار هنا لكنها تقاطعت في المكان نفسه، بين جنود يقطعون الرؤوس بإيعاز من السلطان، ومدنيون قطعوا الرؤوس بفتاوى دعاة وهابيين ساروا وظهروا خلفهم، ما يظهر التناغم التاريخي بين أزلام ذاك العصر، ورجالات عصر اليوم، الأردوغانيين البلورتاريين التنمويين العادلين!.

على كل حال سقط الإنقلاب الفاشل منذ لحظة بداياته مقدماً رؤوس قادة الجيش العسكريين على طبق أردوغان الفضي الذي أعلنها صراحةً "بالذبح جيناكم"، لكن ما يفتح الشهية على قراءة مسار الأحداث هو أسلوب الإنقلاب عينه الذي قاده ضباط أعلى رتبة فيهم "عقيد"، بحسب تقاطع معلومات الإستخبارات، إلى جانب فرق محدودة من قوات المشاة والمدرّعات والبحرية، فيما كان الدور الأبرز لسلاح الجو.

مكمن الخلل هنا، في إدارة الإنقلاب المخطط له، الأكيد أننا لسنا عارفين بشؤون الإنقلابات، لكن الوقائع الموجودة على الطاولة تؤكد حصول خطب ما وإستغلال ما وفهم مسبق ما للـ "ما" التي كانت تعد، أقله من أسلوب التصدي للإنقلاب نفسه. الأكيد، بحسب واقع العسكر، أن فرقة قليلة لن تهزم فرقة كبيرة، أي أن الفرق التي حُرّكت من أجل تنفيذ الإنقلاب لن تستطيع أن تفرض السيطرة على البلاد والجزء الأكبر من الجيش، لعدة عوامل أبرزها أن القيادة العليا ليست مؤيدة لما جرى إن لم نقل عارفة.

وعلى ما يبدو، فإن الإنقلابيون سعوا للإستحواذ على المقاليد الأساسية في الدولة، ومن ثم إستدراج قادة الجيش من أجل الإنضمام للإنقلاب بعد إدراكهم أن الأمور تسير لمصلحة العسكر، وهذا ما لم يحصل أمس، حيث بدى الجيش متخبطاً أولاً وضائع في البيانات الإعلامية ثانياً التي لم تشفِ غليل المتابع الذي دخل في حيرة أكثر من الحيرة نفسها، وحده الرئيس رجب طيب أردوغان ظهر على شاشة الهاتف المحمول وكأنه ممسك بزمام الأمور على الرغم من الإرباك الذي بدى على تقاسيم وجهه التي إنعكست إنقساماً في ساحة تقسيم وسط أسطنبول.

سرعة سقوط إنقلاب الـ6 ساعات كما سرعة الإنقضاض على الجيش التركي تطرح تساؤلات عديدة عن أسلوب أعد من أجل الإطاحة بنظام أردوغان فكرّسه حاكماً فوق العادة!. هنا تذهب القراءة حد المؤامرة على المؤامرة، أي أن أسلوب الرد يُظهر وكأن السلطة القائمة كانت - ربما - على علمٍ بما يُخطّط وتركت الذي كان يجب أن يحصل لكي يحصل، وحضرت نفسها جيداً للرد، لعدة إعتبارات أهمها فرض الهيمنة الكاملة وسحب مكامن قوة الجيش من الدولة وهو هدف عمل عليه أردوغان منذ عام 2002.

النظرية هذه تبني تكهناتها على سياق رد السلطات التركية، التي أعلنت أولاً أن فرقة قليلة من الجيش هي من قامت بالإنقلاب، لتعدل عن ذلك بعد ساعات لتكشف البلاد على إنفلاش وإنقضاض كبيرين على مؤسسة الجيش نفسها، حيث بات كل من فيها موضوع تحت سقف الإتهام، وهذا يتضح من خلال إعتقال أكثر من 2000 عسكري وضابط، وتفريغ مؤسسة القضاء من رجالات القانون، وكأن هناك مخططاً "ما" لتفريغ الدولة من كل من هو مشكوك بأمره أنه معارض، وهذا ما لم يخجل ساساة الحكم من إعلانه وهو "تطهير البلاد".

ولعل أبرز من شملهم هذا التطهير حتى الآن، مستشار رئيس الأركان، الكولونيل محرم كوسي، الذي وجه إليه الإتهام بأنه "مهندس الإنقلاب" وقائد سلاح الجو التركي السابق آكين أوزتورك، الذي سُرّب بأنه "زعيم الإنقلابيين" فضلاً عن رؤساء أركان وقادة الجيش الأساسيين أبرزهم القائد العام الثاني للجيش ، اللواء آدم حدوتي، تبعه إعتقال القائد الثالث، الجنرال أردال أوزتورك، فيما بقيَ من القادة، رئيس الأركان اللواء خلوصي أكار، الذي يسمى "رجل أردوغان" في الجيش، حيث قيل أنه كان محتجزاً من قبل الإنقلابيين وحُرّرَ لاحقاً بعملية أمنية خاصة في أنقرة، ورئيس الأركان الحالي الذي عين بالوكالة، أوميت دوندار، فيما تتمدد الأيادي نحو ما تبقى من أعضاء المجلس العسكري.

وعلى ما يبدو، فإن الإنقلاب الفاشل قد فتح الباب أمام سلطة أردوغان لأكل الجيش "الكارهة له والعاملة على تقليص صلاحياته في الدولة"، من أجل تصفية الحسابات القديمة معه ولصق كل قادته على شماعة "الضلوع في محاولة الإنقلاب" لكسر شوكته وشوكتهم وإنهاء الحالة التي بدأت مع كمال أتاتورك، منشئ دولة تركيا الحديثة، الذي كان جنرالاً في جيش أعطيَ كل تلك الصلاحيات كونه هو الذي بنى الدولة وليست الدولة التي بنته!.

على كل حال، كل تلك المؤشرات تعطي إنطباعاً أن الذي حصل إن لم نقل أنه كان معلوم به، لكنه يُستغل حالياً على أكمل وجه من أجل تشويه صورة العسكر سياسياً وشعبياً، وهنا، نطرح صور إحتجاز الجنود الأتراك، كدليل نوايا الإقتصاص، مشاهد تعرّضهم للإهانة وهم يرتدون اللباس العسكري، وكأن هناك من يريد إسقاط هيبة الجيش التركي وإظهاره بمظهر الضعيف الفاشل الذي سقط في لعبة ربما اُسقط فيها تسهيلاً لفرض سيطرة ما على دولة يتهمها خصوهما بأنها تسقط قواعد العلمنة مستبدلةً إياها بـ "الأسلمة" التي برزت معالمها على جسر "البوسفور".

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة