اقليمي ودولي

placeholder

العربية
الأحد 25 أيلول 2016 - 18:28 العربية
placeholder

العربية

صورة إرهابي مانهاتن في مسبح مع الفتيات

صورة إرهابي مانهاتن في مسبح مع الفتيات

إذا كان هناك من طفل يمكن أن يتسبب في خيبة الأمل لعائلته فلا شك أن أحمد رحيمي سيكون أولهم، ففي سن الـ5 اشتكى أحد المعلمين لوالد رحيمي أن ابنه يتصرف في الصف كما لو أنه ملك. وفي المدرسة الابتدائية قام بكسر أنف أحد زملائه، وجاءت المرحلة العليا لتحمل الأسوأ عندما قام والده بالتحضير لتزويجه من فتاة أفغانية حسنة التربية من كابول، في حين أقدم أحمد على مواعدة فتاة أخرى من جمهورية الدومينيكان، وانتهى بها إلى أن تصبح حاملاً وذلك في سنتها الأخيرة من الدراسة، بحسب تقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز".

ما الذي غيّر اتجاه أحمد؟
والسؤال ما هو الذي غيّر اتجاه أحمد من كونه مهرج الصف في المدرسة والرجل الذي كان حلمه ذات يوم أن يصبح ضابط شرطة أو مترجما مع الجيش الأميركي إلى أن يصير متهما بتدبير واحدة من أخطر الهجمات في نيويورك مؤخرا منذ هجوم 11 سبتمبر. وهذا ليس إلا سؤالا ضمن أسئلة أخرى معلقة. لكن الأمر الوحيد الذي يمكن أن يتجلى بوضوح من خلال اللقاءات مع والده وأصدقائه أنه وجد الطريق إلى عالم الإرهاب من خلال الإنترنت، في وقت لم يكن فيه من سوء في حياته، ويبدو أن الصورة كانت غير ذلك.

كانت حياة أحمد تمضي عصية، في مقابل شقيقه علي الذي تخرج من الكلية، وعمل في شركة "أوبر" للتقنية وهي شركة مهمة في أميركا. وقد فشل أحمد في كل شيء تقريبا، بعد أن حاول العمل في عدد من الوظائف ولم يحقق نجاحا، إلى أن عثر على هدف واحد يمكن أن يجعله سعيدا وهو الهروب من أسرته، بعيدا عن العمل في قلي الدجاج بمطعم العائلة الذي كان متخما بالإهانات وتراكم القضايا أمام المحاكم الصغرى، كتلك القضية التي اشتكى فيها أحد الجيران أنه تعرض لاحتيال مالي من أحمد، في خدعة تحويل أموال عبر البنك.

ومن الجلي أن هناك خطين في حياة أحمد، قبل مشاهدة الأفلام الجهادية وبعدها، حيث حصل التغيير الجذري في حياته. قبلها في سنوات المراهقة كان صبيا مجنونا، يرتدي الجينز الفضفاض، ومهووسا بالظهور وكان يعشق إحدى الفتيات دبج لها قصائد الحب. وفي مقابل ذلك فقد أرهق الوالد المحافظ، الذي كان يفكر في إرسال ابنه إلى أفغانستان لكي يؤدبه ويعيده إلى جادة الطريق وليس بفكرة أن يقوده ذلك إلى التطرف. وبالفعل في أبريل 2013 ترك أحمد لقرابة السنة في باكستان، وخلال وجوده هناك سافر إلى تركيا وأفغانستان وفقا لمسؤولي الهجرة في باكستان والولايات المتحدة.

وأثناء وجود أحمد في منطقة كويتا بباكستان مع أحد الأقارب، فقد بدا ذلك القريب في التضايق من تصرفات الشاب الذي سقط تحت سيطرة رجل دين متشدد في كويتا يدعى الملا قادري، وبعدها عاد إلى أميركا لكن ثمة تغيرا خطيرا يحدث معه، فقد دخل ذات يوم المنزل غاضبا بعد بضعة أشهر من عودته وقام بطعن والدته وأخيه وأخته، وانزعج والده لذلك الأمر، حيث قام بإبلاغ الشرطة الفيدرالية الأميركية، ومن ثم أغلق التحقيق، حيث حاول التصالح مع ابنه، ونسيان الكثير من الأمور السيئة التي تحدث بسبب الابن، وهذا أمر عادي في العائلات الأفغانية، فعلى الأب أن يغفر دائما.

وبعدها بدا كما لو أن الأمور سوف تتحسن، حيث إن أحمد وافق على تولي أمر مطعم العائلة، وانتقل للعيش في غرفة بشقة العائلة في الطابق العلوي من المطعم مباشرة، ولكن خلال فصل الصيف كان قد وضع قفلا على باب غرفته وهو ما يشير إلى تحول جديد ومهم.

مطعم الدجاج المقلي
وصل رحيمي منطقة نيويورك ليبدأ عمله في إنشاء مطعم الدجاج المقلي مقلدا لمواطنيه من الأفغان الذين كانوا يعملون بهذه المهنة، منذ أن افتتح أول مطعم في السبعينات وأنتج ما يعرف بـ"كينيدي فرايد تشيكن" وأصبح مشهورا. وفي العادة فإن أي أفعاني جديد يصل أميركا فهو يعمل مع أناس سابقين لهلهم خبرتهم، ومن ثم يؤسسون أعمالهم الخاصة، وبالطريقة هذه برزت العديد من أسماء مطاعم الدجاج المقلي الشهيرة في الولايات المتحدة، ويبدو أن رحيمي كان يتمثل الطريق نفسه.

وفي التسعينات عمل رحيمي على المساعدة في تحضير البيتزا والدجاج المقلي، قبل أن يفتح محله الشخصي الذي كان عبارة عن باب صغير في جدار، وقد أسماه على البلد الذي احتضنه كلاجئ، "أميركا الأول فرايد شيكن"، حيث كلمة أميركا تبدو جلية.. وخلال عامين كان قد انضم إلى سلسلة "كينيدي فرايد تشيكن" الشهيرة في اسبوري بارك. وقلده أقارب له بأن فتحوا مطاعم صغيرة كذلك للدجاج المقلي، وكان أبناء رحيمي يعملون ساعات طويلة في الليل في هذه المطاعم جميعها.

العلاقة مع ماريا
في هذا الوقت كان أحمد قد أصبح مصدر قلق للأسرة، في حين أصبح له وهو مراهق، مجموعة من الأصدقاء من الفتيات اللائي يحطن به وكان الذكر الوحيد بينهن، وكن ينفخن في دماغه، وسط قلق والده الذي كان عاجزا عن استيعاب الكثير من جوانب الثقافة الأميركية. ومن ثم كانت رحلته الأولى إلى كويتا وهو في السنة قبل الأخيرة من نهاية المدرسة، وكانت أول رحلة له خارج أميركا خلال خمس سنوات، ومكث هناك حتى يناير 2006 ثم عاد إلى مدرسة أديسون العليا، ويقول أحد مجاوريه بالفصل إن أحمد كان ينفق الوقت في إنشاء العلاقات الاجتماعية أكثر من حرصه على حل مسائل الرياضيات.

وفي تلك الفترة تعرف على ماريا مينا، الشابة من جمهورية الدومينيكان لتصبح حبيبته، وكان يقضي معها وقتا في بركة السباحة مع آخرين، وهي تعانقه وتبتسم له بحب يبدو حقيقيا، لكن أحمد خان ذلك بأن جعلها تحمل، وكان السيد رحيمي غاضبا أشد الغضب من هذه العلاقة، لأنه كان يرتب لزواج تقليدي لابنه من موطنه، معترضا أنه لا يمكن أن تكون له صديقة، بينما له خطيبة.

ولم يستجب أحمد لنداءات والده فقد مضى مع ماريا وبحلول العام النهائي من المدرسة كانت قد حملت، وكان المراهقان سعيدين وكل منهما يلمس الآخر ويتحمسان للحب في ممرات المدرسة، وهما كذلك يذهبان للحفلات الموسيقية وفي صورة من أرشيف تلك الفترة تبدو مارينا وهي حامل بابتسامة خجولة وثوب أبيض، في حين يبدو أحمد سعيدا مرتديا سترة وردية لامعة وربطة عنق مع قميص أبيض.

إلى كويتا ومن ثم العودة لماريا
ذات يوم جاء أحمد إلى المدرسة مغاضبا ليخبر زملاءه أن والده سيجبره على العودة إلى أفعانستان بعد التخرج. وبالفعل في يوليو 2007 وبعد إنهاء الدراسة وضع في طائرة إلى باكستان، مخلفا صديقته التي سوف تواجه الحياة وحدها مع طفلهما. وبعد عودته في مارس 2008 حاول أن يعيد العلاقة مع ماريا مرة أخرى وانتقل للعيش مع عائلة ماريا وعمل في وظيفة بشركة كمارت براتب حوالي 485 دولارا في الأسبوع، وكان يرغب في بناء بيته الصغير وأن يكون أبا ناجحا، وبدا فعلا وفق إمكانياته البسيطة، وفي يوليو 2008 وهو في سن الـ 20 أنفق عشرة دولارات لشراء لعبة لطفله، وكان رصيده البنكي 406 دولارات.

بموازاة ذلك استمرت المشاكل القانونية مع عائلة رحيمي الأب، ويبدو كما لو أن التعايش مع المجتمع الخارجي بات صعبا لهم، حيث كانت لقاءاتهم مع الناس تتم في قاعة المحكمة، بفعل الفواتير غير المسددة، وتم اعتقال ابنهم قاسم وهو صغير السن، كذلك تم اعتقال نجيبة الأم، بتهمة إساءة معاملة أحد أولادها وأرسلت إلى فصول تعلم الأمومة. وتعقد الوضع بسجن الابن الأكبر محمد خان وقاسم كذلك في يونيو 2009 نتجية تراكم القضايا والمشاكسات مع المجتمع المحيط.

ظل أحمد غائبا إلى أن عاد للأسرة ليواجه مزيدا من مشاكل العائلة وتوفير الأكل للأطفال وغيرها من القضايا، ثم انفصل عن ماريا في ظل ظروف غامضة، ورغم أنه حاول أن يوجد له موطئ قدم في الحياة مجددا عبر الالتحاق ببرنامج العدالة الجنائية في كلية مقاطعة ميدلسكس، لكنه لم يستمر سوى عامين وفشل في المواصلة. ثم ذهب إلى واشنطن أملا في الحصول على وظيفة مترجم في أفغانستان مع الجيش الأميركي. ولكنه كان لا يعرف إلا لغة البشتو فقط ضمن لغتين رئيسيتين في البلاد. وقال صديق له إنهم رفضوه وقالوا له إن أردت فتعلم اللغة الدارية وهي الأوسع انتشارا من البشتو في أفغانستان.

كانت الأوضاع تتعقد معه وظل يعمل بالليل من الساعة السادسة مساء إلى الثالثة في الصباح التالي، في كتابة السجلات وذلك برويال فرايد تشيكن في إليزابيث، وفي إحدى الليالي كان قد أحضر مع ابنته ماريا التي يسمح له بأخذها حسب القانون في زيارة مبرمجة، لكنه رفض أن يعيدها لأمها وأحدث مشكلة.
وكأن الزمن لم يتقدم إذ عاد أحمد للعيش مع عائلته في شقة بنيوجرسي حيث مطعم الدجاج، وحدثت نزاعات في الأسرة اضطرته لكي يذهب ليعمل في مطعم آخر بالمنطقة نفسها، لكنه بقي يسكن في شقة والده، وفي تلك الفترة وبعدها كان قد بدا يغلق الغرفة عليه حيث قام بتغيير قفل الباب.

الخطة..
في يونيو الماضي بدأ في طلب المستلزمات عبر الإنترنت، من حامض الستريك ولوحات الدوائر الإلكترونية، وقد عثر على مفكرة سجل بها أفكاره، مع أفكار أخرى للعولقي وبن لادن والبغدادي، وكتب مثلا: "إن شاء الله سوف تُسمع أصوات القنابل في الشارع"، و"طلقات البندقية سوف تقتل الشرطة وتنهي الاضطهاد".

وفي الأسبوع الماضي حدث أن انفجرت القنابل، وكان الأب رحيمي مشغولا داخل مطعم الدجاج المقلي، يحاول إخماد جوع زبائنه، إلى الساعات الأولى من الصباح الجديد، وحيث تكون تلك الساعات هي الأفضل لجمع المال، بعد أن يخرج السكارى من البارات وبطونهم توغوغ.

في صباح الاثنين أغلق رحيمي محله قبل الثالثة، وذهب للصلاة ثم النوم، إلى أن سمع جلبة صاخبة في الخارج، حيث اقتحم ضابطا شرطة الشقة، وطلبا منه أن يرفع يديه واقتاداه ثم وضعاه على الأرض قبل أن يسيرا به خارج غرفة النوم، هناك رأى ثلاثة من أبنائه محمد خان وقاسم ونسيم مكبلي الأيدي أيضا، لم يكن يدري ما الذي حدث وكانت الفكرة الوحيدة بذهنه قد عبّر عنها في شكل سؤال وهو يتطلع لأبنائه واحدا تلو الآخر قائلاً: "أين هو أحمد؟".

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة