"ليبانون ديبايت" - ريتا الجمّال:
أهي صدفة، ان يُعدّ البلد الذي هاجر منه اكثر من نصف سكّانه الى دول الاغتراب، الاكثر استقبالاً للاجئين والنازحين؟! أهي سخريّة القدر، أن اللّبناني الذي يُقال عنه "ارهابيّ" كلّما كشف عن جنسيّته أمام أجنبيّ في "البلد المضيف"، ان يصف بدوره السورييّن اللاجئين الى لبنان بالـ"المتطرّفين والتكفيرييّن"؟! أليست كل عائلة لبنانيّة مشتّتة بين البرازيل، والسّويد، واستراليا، والمانيا، واميركا، وافريقيا، عدا عن اللّبنانيين "الباحثين" عن عمل في دول الخليج وغيرها من دول العالم؟!... "اسئلة - تعجّب"، يطرحها قسم من الرأي العام اللّبناني الذي يقف الى جانب المظلوم واللاجئ سواء كان سوري او عراقي، او فلسطيني او باحث عن الامان ولقمة العيش، مستذكراً احداث لبنان التي الزمت لبنانيين كثر الى ترك وطنهم الام هرباً من الاوضاع الامنيّة، او الاقتصادية...
وفي الجهة المقابلة، يبرّر القسم الاخر، غضبه من تزايد عدد اللاجئين في لبنان، الى ضرورة وضع مصلحة البلد العليا فوق كل شيء، خصوصاً بعدما دقّ الخطر باب اللّبنانيين، سواء الامني او الاقتصادي او الاجتماعي، وحتى الصحّي والبيئي، معتبرين ان الفرق بين اللبناني المغترب واللاجئ هو ان الاول استطاع ان يوقّع انجازات باسمه في الخارج، وتولّي مناصب مهمّة وصلت الى سدّة الرئاسة الاولى، بمعنى انه لا يشكّل اي خطر امني على الدول المضيفة، بعكس اللّاجئين في لبنان، وهذا ما يراه صاحب "النظريّة" الاولى تمييز عنصري غير مقبول.
وسط هذه التساؤلات والاختلافات، ما هو موقف "الامم المتحدة" من أزمة اللّجوء؟! و"رهاب الاجانب"؟!
نائب الممثل الإقليمي لحقوق الإنسان نضال الجردي، تحدّث لوسائل الاعلام عن حملة "معاً.. كفالة الإحترام والسلام والكرامة للجميع"، التي أطلقها الامين العام للامم المتحدة بان كي مون وتم تبنّيها في مؤتمر نيويورك في 19 ايلول 2016، قائلاً:" العالم شهد تحوّلات عميقة لناحية المخاطر والانتهاكات التي تواجه الشعوب والمجموعات، فالحروب والطغيان والتطرف والارهاب استمرّ وزاد ونتج عنه دمار وضحايا وانعدام الامن في الدول التي تعاني من النزاعات، ما ادى الى تهديد الافراد والجماعات المتضرّرة، ودفعهم الى النزوح قصراً او اللجوء الى اماكن اكثر استقراراً وامناً في العالم، لقد هرب هؤلاء من ويلات الحروب والاضطهاد الى دول تؤمّن لهم الحد الادنى من الحياة الكريمة الى حين زوال الخطر والعودة الى وطنهم الام".
ورأى ان "هذا الواقع الاليم شهده لبنان اثناء الحرب الاهليّة، كلنا نذكر السفر ورحلات الهروب الى اوروبا والعالم، حيث استقبلتنا الدول، ولم تقصّر معنا، على اعتبار ما يحصل، بمثابة اللجوء غير الطوعي، هرباً من الموت المحتّم، بيد ان تزايد اعداد اللاجئين سواء في لبنان او غيره من الدول المضيفة، خلق نزعة عنصرية تجاه اللاجئين والاجانب، ووصفهم بالارهابيين والمتخلّفين... وهنا يكمن الظلم، لأن اسوأ ما يمكن ان يحصل هو التعميم، فهناك اغلبية صامتة هشّة اجبرت على مغادرة بلدها، بينما كانت تعيش بكرامة وراحة".
وأضاف:"من هنا اتت "معاً"، التي لا تخلق التزامات جديدة، بل تؤكد على التزامات دوليّة قائمة تعود الى عقود، وافق عليها المجتمع الدولي والعالم ولبنان والدول العربية، تهدف الى ازالة الصور النمطية السلبية غير المحقة، تجاه هذه الفئات المهمشة، وعديمي الجنسية والمهاجرين، واعتبار الحملة مشروع شراكة مع الدول ومع المجتمع المدني والاعلام الذي يلعب دوراً اساسياً لايضاح الحقائق وتصويب المفاهيم، اضافة الى اعتبارها تشجيع على حوار يوضح الصورة ويسقط المفاهيم المغلوطة والوقائع المزيفة".
وأكد انه "من ابرز نقاط الحملة، ان حالات التنقل البشري قديمة جداً، وتعود الى عقود من الزمن، سواء تلك الارادية كالهجرة بحثاً عن عمل، او القصريّة هرباً من الحرب او مجازر الابادة، كما حصل مع الشعب الارمني على سبيل المثال.. وبالتالي، فإن حماية ومساعدة اللاجئين هي التزام دولي مكرّس بالاتفاقيات الدولية للجوء ولحقوق الانسان، ولا تقتصر على الالتزام الاخلاقي والانساني، وهو التزام لم ينشأ مع الحملة، بل يعود الى عقود خلت ويعتبر من القواعد الامرة في القانون الدولي".
وكشف عن وجود "65 مليون من النازحين قصراً، 21 مليون منهم يدخل في خانة اللاجئين، و3 ملايين من طالبي اللجوء، أما البقية فتعتبر بالمفهوم الدولي "مشرّدة داخلياً"، وعلى الرغم من النصوص والمعاهدات، والالتزامات، التي وقّعت، الاّ ان غياب الحماية لهذه الفئة الهشة خلق المزيد من الماسي والانتهاكات من تعديات عنصرية ادت الى عقوبات جماعية ( مثل حظر تجول اللاجئين لكونهم ينتمون الى جنسية معينة)، وقد نفهم ذلك اذا كان هناك خطر على الامن لكن ما لا يمكن القبول به هو التعميم. فليس كل لبناني خطير او سوري او عراقي، وكذلك الهجمات العنصرية على اللاجئين حتى في اوروبا ادت الى سوء معاملتهم، ورأينا تسجيل حالات واسعة من الغرق نتيجة غياب المعابر الامنة للجوء".
واذ اعتبر الجردي ان "اللاجئ هو ضحيّة، بينما المسؤولية هي مشتركة، وتتحمّلها الدول المنشئة لسبب اللجوء، الدول المضيفة، المجتمع الدولي، وكذلك المجتمع المحلي". لم ينكر الوضع الصعب الذي يعيشه لبنان وغيره من البلدان المضيفة، حيث ان اللجوء يجب الا يكون على حساب الامن، لكن من قال انه كذلك؟! فهو حالة قصرية لضحايا لا يشكّلوا خطرا على الاستقرار الامني، ومن يفعل ذلك فمكانه السجن والمساءلة. وللبنان حقّ اتخاذ كافة إلاجراءات الامنيّة لحماية استقراره، لكن ينبغي معاملة الإنسان على أنه بريء حتى تثبت إدانته، لا مُداناً حتى تثبت براءته". ورداً على سؤال حول التجربة الفلسطينية في لبنان التي تزيد المخاوف من تكرارها مع السوريين والخشية من التوطين، أكد ان "المسألة مختلفة، نظراً للقضية الفلسطينية، والتعقيدات الموجودة، وصعوبة المقارنة، ولكن اللجوء يبقى مؤقتاً ومصير كل لاجئ العودة الى وطنه".
وختم بالقول:"بناء على كل ذلك، تعهّدت الدول بمكافحة العنصريّة، وكراهيّة او رهاب الاجانب، والتمييز ضد اللاجئين، والمهاجرين. لان المعاملة الانسانية اللائقة لهم تستطيع ان تحول النظرة الى اللاجئ باعتباره عبء، الى اخرى تفاؤلية بأن هؤلاء قادرون على الاسهام، في انعاش الاقتصاد المحلي والتنمية. حيث ان تأمين التعليم والحق بالصحة بدعم دولي مع تنظيم اسهامات هذه الفئة في الاقتصاد المحلي هو عملية ايفاء لالتزامات الدولة، واعلان نيويورك، ويؤمن الاستقرار للمجتمع المضيف". مشددا على انه "ان لم نعترف بحقوق الانسان الكونيّة، وهذا خطأ فادح، فعلينا على الاقلّ الاعتراف بالتبادلية، وبالتضحية من اجل نصرة الضعيف كما هربنا نحن من اتون حروبنا".
وتوجّه الجردي الى وسائل الاعلام بالقول: "حملة معاً هي حملتكم تبنّوها، لان الخير لهذا البلد، بمساره الحضاري، ولفلسفة وجوده كوطن لحقوق الانسان، من هنا ندعوكم ان لا تكونوا المرآة فقط، وحمل هذه الرسالة لايضاح الصورة، خصوصاً انكم المدماك الاساسي في تكوين الرأي العام".
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News