دخلتْ بيروت مرحلةً سياسيةً حساسةً تشكّل اختباراً فعلياً لمناخ الانفراج الذي يسود البلاد منذ انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية وتشكيل الرئيس سعد الحريري الحكومة من ضمن التسوية التي لم يكن الخارج بعيداً عنها ويتم التعاطي معها على انها يمكن ان تشكّل «بروفة» لحلول في أكثر من ساحة اشتباك بين الرياض وطهران في المنطقة.
ومع انطلاق العدّ التنازلي لفبراير الحاسم على صعيد مسار الانتخابات النيابية والقانون الذي سيحكمها ومصير إجرائها في مايو المقبل، بدا واضحاً ان غالبية القوى السياسية «لعبتْ أوراق» تَفاوُض السقف الأعلى لتبدأ على وقعها عملية «غرْبلة» الخيارات الممكنة «على حافة» المهل الزمنية التي تتآكل سواء المتعلّقة بوجوب دعوة الهيئات الناخبة في 21 الشهر المقبل او إنجاز الآليات القانونية تحضيراً للانتخابات، وسط رفْع القوى التي لا تمانع إجراء الاستحقاق النيابي وفق القانون النافذ المعروف بـ «الستين» شعار: لا تمديد للحظة واحدة، و«الستين» أهون شراً من اي تمديد ثالث للبرلمان، مقابل طرْح الأطراف «المستشرسة» في رفض القانون الذي جرت على أساسه انتخابات 2009 شعار: لا للستين ولو اقتضى الأمر «قلب الطاولة» ولا لأي تمديد إلا من ضمن القانون الجديد اي لأشهر قليلة لزوم تهيئة الظروف التقنية والإدارية للتكيف مع مقتضياته وتحديداً نظام الاقتراع النسبي.
واذا كانت «مرونة» رئيس البرلمان نبيه بري و«حزب الله» والرئيس سعد الحريري حيال عدم إقرار قانون جديد - باعتبار ان إجراء الانتخابات في موعدها أولوية - تلاقي تمسُّك الزعيم الدرزي النائب وليد جنبلاط بقانون الستين (على ان يتم جعل قضاءي الشوف وعاليه دائرة واحدة) ورفْضه النسبية تحت عنوان حفظ الشراكة الوطنية ومراعاة الميثاقية من بوابة المكوّن الدرزي، فإن الـ «لا» المسيحية المدوّية ولا سيما من رئيس الجمهورية و«التيار الوطني الحر» (حزب عون ) و«القوات اللبنانية» لـ «الستين» شكّلت معطى بدا من الصعب القفز فوقه ولا سيما مع رسْم مصادر القوى المسيحية الوازنة معادلة جديدة قوامها: إما قانون جديد او تفريغ السلطة التشريعية، بالتوازي مع التلويح بأن يستخدم رئيس الجمهورية صلاحياته لضمان إقرار مثل هذا القانون والحؤول دون اي تمديدٍ من خارجه.
وكان بارزاً في هذا السياق ان ملف تشكيل هيئة الإشراف على الانتخابات وطلب الاعتمادات المالية لإجرائها لم يُبتّ امس في جلسة مجلس الوزراء التي ترأسها عون، الامر الذي اعتُبر في إطار تفادي القوى المسيحية إعطاء أي إشارة الى امكان تسهيل إجراء الاستحقاق النيابي وفق القانون النافذ حالياً، فيما توقّفت الأوساط السياسية عند الكلام الواضح والعالي السقف لرئيس الجمهورية الذي اكد على طاولة مجلس الوزراء: رئيس عون: «لا أحد يهدّدنا لا بالفراغ (في السلطة التشريعية) ولا بالتمديد، وخطاب القسم واضح بضرورة الوصول الى قانون للانتخاب وعلينا العمل على ذلك».
وانطلاقاً من هذه الوقائع، ومع إطلاق النائب جنبلاط الذي التقى وفد من نوابه كتلة «حزب الله»، إشاراتٍ الى استعدادٍ للنقاش هو الذي «غرّد» ان قانون الانتخاب «عملية جراحية دقيقة، ونجاحها يتطلب الدقة والصبر والتشاور والحوار»، مع ربْط الحوار الايجابي بعدم التمديد وهو ما اعتُبر محاولة اضافية لإبعاد «كأس» النسبية، فإن أوساطاً سياسية ترى ان الأيام المقبلة ستشهد استكمالاً لاتصالاتٍ بدأتْ أمس في اجتماعٍ بين ممثلي القوى السياسية بعد جلسة مجلس الوزراء في قصر بعبدا حول صيغة لقانونِ انتخابٍ تشكّل «نقطة وسط» بين طرح الرئيس بري الذي يقوم على انتخاب 64 نائباً بالاقتراع الأكثري و64 بالنسبي وبين الاقتراح الذي كان تَقدّم به نواب «تيار المستقبل» و«القوات اللبنانية» والنائب جنبلاط ويقضي بانتخاب 68 نائباً أكثرياً و 60 نسبياً، وذلك بما يراعي هواجس أكثر من طرف يمكن ان يتضرّر من النسبية.
وكان قانون الانتخاب محور زيارة قام بها الحريري ليل اول من امس للرئيس بري الذي استبقى ضيفه الى مائدة العشاء، وذلك بعد موقف لرئيس الحكومة أطلقه أمام وفد سفراء الاتحاد الأوروبي في السراي الكبير جزم فيه ان حكومته «ستسعى لإنجاز قانون عادل للانتخابات واجراء هذه الانتخابات في موعدها، وإذا تمكنا من التوصّل إلى قانون جديد سيكون هناك تأجيل تقني، وإذا لم نفعل فستحصل الانتخابات في موعدها».
واستبق الحريري بهذا الموقف وصول منسقة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيريديكا موغريني لبيروت حيث ستجري محادثات مع كبير المسؤولين تتناول الأوضاع في لبنان وملف النازحين السوريين مع تشديد على وجوب إجراء الانتخابات في موعدها الدستوري.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب
Follow: Lebanon Debate News