ليبانون ديبايت - المحرر السياسي
قبل السقوط في الهاوية، استدرك الجميع ولو متأخرين ضرورة التوافق على نسخة عدوان (15 دائرة مع نسبيّة) تكفل عدم دخول هذا القطوع الذي كان سيقود حتماً إلى ما هو أخطر من عنوان تغيير قانون الانتخاب وصولاً لإجراء تغيير - ربّما - في طبيعة النظام السياسيّ. فكان الفيصل هنا. اختير شهر رمضان على أنّه شهر إنتاج القانون، وركن إلى ليلة القدر كي تُثمر إعلاناً مباركاً. لم تهدأ المحركات منذ بداية شهر الصوم أملاً في أن يحمل معه الخواتيم السعيدة.
إنّها "ولادة حياة سياسيّة جديدة للبنان"، هكذا وصفه الرئيس ميشال عون، بينما الرئيس الحريري لم يخفِ سعادته؛ بدا حزيناً لعدم نجاحه في تأمين "اتّفاقٍ على كوتا نسائيّة"، مقدّما اعتذاره "لأن موضوع الموضوع أخذ وقتاً طويلاً من النقاش".
حقيقةً إنّ الوصول إلى هذه الخاتمة تمّت على مستوياتٍ عدّة وشارك فيها الجميع تقريباً، كلّ من موقعه، ويسجل للرئيس عون أنّه رفع لاءاته ورفض التوقيع على دعوة الهيئات الناخبة على الرغم من كلّ المخاطر، ويُسجَّل لحزب الله ثباته على النسبيّة لسنواتٍ طويلة وعدم تفريطه بها، وللرئيس برّي يُسجَّل دفعه نحوها وإسقاطه كلّ القوانين الطائفيّة، كذلك يُسجَّل للوزير جبران باسيل تقديماته في المفاوضات، على الرغم من أنّها كانت كثيرة وبالغة، ومحلّ انتقاد، لكنّها أثمرت في النهاية، وأيضاً يُسجَّل للنائب جورج عدوان سعة صدره في تحمّل كلّ الضغوطات ووضع نفسه في خدمة الجميع، وللنائب وليد جنبلاط تنازله عن كثيرٍ من الأمور التي كان ينظر إليها على أنّها مسلّمات.
عقدت الرئاسات الثلاث العزم على الانتهاء من القانون. صبيحة الثلاثاء، فرّغ الرئيس ميشال عون نفسه حتّى الظهر لمتابعة الاتّصالات الانتخابيّة، مقدّماً النصح في مكان، وتسييل الطروحات في مكان. واكبه الرئيس سعد الحريري الذي ألغى كلّ مواعيده وتفرّغ إلى "المناورة الكبرى" فيما كان الرئيس نبيه برّي يُصلّي ويدعو ويزيد من التوجيهات للوزير علي حسن خليل، متوافقاً مع "صفاء حزب الله". الإشارة التي حتّمت الدفع، هي السلبية التي طغت على اجتماع السحور نهار الاثنين واستشعار الجميع خطورة الانزلاق في الرهان على الوقت، ما يعني السقوط في المحظور ما سيؤدي إلى تطيير كلّ ما اتُّفِقَ عليه.
وأبلغت مصادر مواكبة للاتّصالات الانتخابية "ليبانون ديبايت"، أنّ مرحلة عضّ الأصابع بلغت أوجها ليل الاثنين، مع المتاريس التي رُفِعَت والتي كادت تؤدي إلى العودة أمتار إلى الخلف، وكان هناك شعور بأنّ البعض يريد الدفع أكثر فأكثر نحو الحائط كي يؤمّن تمديداً تقنيّاً مريحاً يمكّنه من تأمين الحشد اللّازم لاحقاً، لكنّ اتّصالاتٍ ليليةٍ عاجلة دخلت على الخطّ مع تعليماتٍ واضحة بضرورةِ الالتزامِ بعدم نسف أي مجهودٍ أثمر للوصول إلى هذا المكان، فكان ذلك، وعاد الجميع إلى بيت الوسط بروحية أخرى".
بُعَيْدَ انتصاف نهار الثلاثاء، جمع الرئيس الحريري على طاولة السراي لجنة صياغة القانون (الخماسية) التي تضمّ الوزيران جبران باسيل وعلي حسن خليل، والمعاون السياسي للأمين العام لحزب الله حسين الخليل، والنائب جورج عدوان، والسيد نادر الحريري؛ لتتحوّل سداسيّة مع طلب الرئيس نبيه برّي إبلاغ الوزير وائل أبو فاعور الحضور، بناءً على اقتراح النائب وليد جنبلاط الذي طلب منه الرئيس بري إيفاد مندوبٍ عنه كي يكون مُطّلعاً على تفاصيل الحلِّ الذي بدأ يُنسَج وتتضح معالمه.
سادت نقاشات عميقة في هذا الاجتماع، وتبادل الجميع وجهاتِ النظر. ما إنْ اتّضحت الصورة تقريباً نحو تأمينِ توافقٍ على 11 نقطةً عالقةً، حتّى أعطى الحريري الإيعاز باستدعاء أعضاء اللّجنة الوزارية للالتئام، وهم الوزراء غطاس خوري ويوسف فنيانوس وحسين الحاج حسن، والنوّاب آلان عون، أحمد فتفت ووائل أبو فاعور، ولمساعدتهم في إنتاج ورقة تفاهمٍ تقرّر تطعيم اللّجنة بخدماتٍ قانونيةٍ؛ فجرى استدعاء ممثلين لوزارة الداخلية، هما العميد إلياس خوري والدكتور خليل جبارة، للمشاركة في الجوانب التقنية للقانون. تكشف أوساط "ليبانون ديبايت" أنّ النقاشات لم تكن تخلو من "الأكشن"، فكانت تهدأ وتعنّف أحياناً، خاصّةً بين الوزيرين فنيانوس وباسيل، وباسيل وأبو فاعور، وكان الرئيس الحريري يعمل كموظف "سحب فتائل التفجير"، بينما كان النائب عدوان والحاج خليل يشتغلان كـ"الحكم" بين الأفرقاء، مقرِّبين وُجُهات النظر دوماً.
عند الساعة السادسة تقريباً، بدأ الدخان الأبيض يخرج من مِدخنة بيت الوسط إيذاناً بحصول اتّفاقٍ على النقاط العالقة، فخرج الجميع والبسمةُ ترتسمُ على وجوههم، متّفقين على اجتماعٍ سيكون الأخير قبل جلسة الحكومة ويُعقد في بيت الوسط أيضاً لتقطير ما تمّ التفاهم عليه. لم تخلُ الجلسة من تسجيل الأهداف، فآثر مثلاً الوزير فنيانوس تقديم بعض الاعتراضات على ما طُرِح خاصّةً فيما يتعلّق بالصوت التفضيليّ، مسجّلاً إياها في دفتر الرئيس الحريري، الذي وعلى قول الجميع، نجح في تجميد مفاعيل الاعتراضات كي لا تصل إلى مستوى التأثير سلباً على إبصار القانون، واعداً بنقلها إلى طاولة مجلس الوزراء.
نام الجميع مسرورين ليل الثلاثاء ليستيقظوا على بركة اتّفاقِ "ليلة القدر" ويتوجهوا إلى قصر بعبدا حيث "المُنازلة الكبرى". هناك، كان الجو العامّ يميل إلى الاتّفاق كون التفاهم السياسي تأمّن، وبقيت بعض المواضيع وألمح إلى نيّة في تعديل بعض البنود. حرص الرؤساء الثلاثة على إبقاء سقف الاعتراض محدود داخل الجلسة، وأن لا يصل حدّ الاشتباك؛ ما قد يوثّر على القانون، وبحسب معلومات "ليبانون ديبايت" جرى مناقشة البندين الأول والثاني باسهاب، أي المتعلّقة مثلاً بتقسيم دوائر القانون وشكل النظام، ومن ثمّ جرى المرور على ما يقارب الـ235 بنداً حملها المشروع.
وفي هذه الجلسة المكوكية التي استمرت حتّى الساعة الثالثة بعد الظهر، وبعد أن هنّأ الرئيسين عون الحريري على إنجاز القانون الانتخابيّ، وصفه الأول أنّه "إنجاز كبير، فمنذ الاستقلال كان يُعتَمد قانون لا يحدد عدالة التمثيل"، مؤكّداً أنها "خطوة للإمام"، وذكر الثاني أنّ "الحكومة التزمت ببيانها بالتزام إقرار قانونٍ جديدٍ، وقد توصّلنا إلى ذلك بجهد كلّ القِوى السياسيّة وجنّبنا البلاد الفراغ ومشروع القانون خطوة متقدّمة نحو نظامٍ انتخابيٍّ يعزّز شروط الاستقرار الأمنيّ" أدلى كلّ وزير بدلوه وسجّل اعتراضه ولكن تحت سقف الموافقة على المشروع، ما أعطى اتّفاقاً سياسيّاً على المشروع.
وفي خُلاصة المناقشات، تقرّر التوافق على أن يكون التمديد لمجلس النواب 11 شهراً على أن تحصل الانتخابات يوم الأحد 6 أيّار 2018. ومع اختتام أعمال النقاشات الانتخابيّة، نشطت دوائر الحكومة في طباعة بنود القانون الـ240 وإرسالها إلى مجلس النوّاب بعد إبلاغه بالموافقة، إذ وُضِع القانون على جدول أعمال جلسة يوم الجمعة التي ستُعقد في تمام الثانية ظهراً، على جدولها قانون الـ15 دائرة كبندٍ أوّلٍ مقرون بالتمديد، على أن يُبحث في تلك الجلسة ويُغلق الكتاب على قانونٍ غاب عن التوافق 12 عاماً، ليفتح على الشروع ببدء الحملات الانتخابية وإعداد اللوائح وتنظيم التحالفات.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News