هذه الحملة، التي انتشرت بشكل واسع عبر مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأيام الماضية، تهدف إلى تسليط الضوء على صعوبة الزواج في ظلّ الظروف المعيشية القاسية، وكسر الصورة النمطية التي تربط الفتاة اللبنانية بالمطالب المبالغ فيها والرفاهية والاستعراض.
ورغم أنّ هذه الدعوة ليست الأولى من نوعها، إلا أنّ توقيتها اليوم أثار اهتمامًا أكبر، في وقت تضاعفت فيه أسعار الذهب وتحول الزواج بالنسبة لكثيرين إلى حلم بعيد المنال. وقد رأت فتيات مشاركات في الحملة أنّ الحب والشراكة يجب أن يتقدّما على المظاهر والشروط المادية، وأنّ الفتاة الراغبة في بناء بيت وأسرة عليها أن تكون سندًا لشريكها لا عبئًا إضافيًا عليه.
وكما هو متوقّع، قسمت الحملة الرأي العام بين مؤيّدٍ ومعارض. فالبعض اعتبر الزواج بلا مهر "تفريطًا بحقّ المرأة" و"أمرًا لا يصح شرعًا"، فيما رأى آخرون أنّ المهر بات مجرّد شكليّة اجتماعية، خصوصًا أنّ معظم المهور تُكتب على الورق ولا تُدفع فعليًا، معتبرين أنّ العبرة في بناء أسرة قائمة على الاحترام والتفاهم لا على الأرقام.
وفي هذا السياق، يؤكّد أحد رجال الدين في حديثٍ إلى "ليبانون ديبايت" أنّ المهر في الشريعة الإسلامية ركن أساسي من عقد الزواج، وهو حقّ للمرأة أوجبه الله، لقوله تعالى:
﴿وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً﴾ (النساء: 4).
ويضيف: "الزواج من دون مهر لا يصح شرعًا إذا لم يُذكر المهر أثناء العقد، سواء كان معجّلًا أو مؤجّلًا، لأنّ المهر جزء لا يتجزّأ من العقد ولا يمكن إلغاؤه بالكامل. لكن يمكن للفتاة أن تتنازل عنه لاحقًا برضاها الكامل ومن دون أي ضغط".
وحول رأيه بالحملة، اعتبر رجل الدين أنّها "تعبّر عن نضجٍ ووعيٍ لدى بعض الفتيات"، مضيفًا: "ربما من الأفضل بدل شعار تزوّجني بدون مهر، إطلاق شعار إيدِي ع إيدَك، أي أن تكون العلاقة مبنية على المشاركة في مواجهة التحديات المعيشية، وأن تتفهّم الزوجة ضيق شريكها في ظلّ الظروف الراهنة، سواء بالمساعدة المادية إن كانت عاملة أو بالتخفيف من المتطلبات إن لم تكن تعمل".
أما على مواقع التواصل الاجتماعي، فجاءت ردود الفعل متنوّعة، ومن أبرز التعليقات التي لاقت انتشارًا:
"اللي بدها الستر والاستقرار ما بتدور عالمهر."
"أنا مع زواج بدون مهر تماشيًا مع الظروف… العادات والتقاليد مش قرآن."
"هيدي الحملة بتشجّع على تعدّد الزوجات"، كتب أحد المعلّقين بسخرية.
"برافو… شو بدنا نعمل غير نوقف حدّ بعض؟"
وبين مؤيّدٍ ومعارض، تبقى الحقيقة أنّ الأزمة تضغط على الشباب من الجنسين، وأنّ الزواج بات عبئًا ماديًا يفوق القدرة، ما يفتح الباب أمام أسئلةٍ اجتماعية ودينية وثقافية أعمق تتعلّق بطبيعة العلاقة بين الرجل والمرأة ودور كلٍّ منهما في ظلّ الانهيار الاقتصادي.
في النهاية، يبقى المهر حقًا شرعيًا ثابتًا يمكن أن يتحوّل إلى قيمة رمزية لا أكثر، ما دام هناك تراضٍ وحبّ صادق بين الطرفين. ومع ذلك، فإنّ هذه الحملة تبقى مرآةً تعكس حجم الضائقة التي يعيشها الشباب اللبناني، وتكشف رغبة شريحةٍ واسعة في إعادة تعريف مفهوم الزواج بعيدًا عن المظاهر والتكلفة الباهظة.
فهل يكون الحلّ بالتنازل عن المهر؟ أم بإعادة بناء منظومة اجتماعية واقتصادية تؤمّن للإنسان كرامته قبل التفكير بتأسيس عائلة؟
الجواب… بيد المجتمع أوّلًا، وبيد الدولة التي غابت طويلًا عن أبسط واجباتها.