"ليبانون ديبايت" - المحرر الأمني
عباءات أفغانيّة "كاكية" وأخرى سوداء ورماديّة مفتوحة عند الجانبين (الصورة*)، تتدلّى حتّى تصل إلى مستوى الركبة تقريباً، يرتديها عشرات الأفراد الذين يتنقّلون داخل بلدة عرسال بِحريّة، نعم داخل البلدة، بأسلحتهم الرشّاشة ملثّمين وغير ملثمين. معروف أنّ هذا الزي يعود إلى المُنتمين إلى تنظيم "القاعدة"، وكان عناصر "النصرة" قد ظهروا به مرّاتٍ عديدةٍ، خاصّةً إبّان تطبيق صفقة تحرير العسكريين عام 2015.
بعضهم يقف إلى جانب الطريق واضعاً يديه على سلاحه الرشّاش من نوع "كلاشنكوف"، وآخرون يتحرّكون على متنِ درّاجاتٍ ناريّة مصحوبين براياتٍ سوداء وبيضاء شبيهة بتلك التي كانت "طالبان" ترفعها في أفغانستان. إنّها راية "فتح الشام" الاسم الملطّف الجديد لـ"جبهة النصرة".. أهلاً وسهلاً في "قندهار لبنان"!
عمّم الإعلام اللّبنانيّ مُؤخّراً صورة "لطيفة" عن بلدة عرسال، لكن بان صبيحة يوم الأحد الماضي أنّها منافية للواقع تماماً. التكبيرات كانت تصدح وتعلو من داخل البلدة في ظلِّ غيابٍ ملحوظٍ للقِوى الأمنيّة التي قِيلَ أنّها "تُمسك" الأمن داخل عرسال. كانت البلدة أشبه بإمارةٍ مُعلنة، لا ضوضاء فيها ولا سكّان أصليين اللّهم إلّا النازحين السوريين، كانت بصريحِ العبارة خارجةً عن سلطة الدولة بالمطلق.
صباح ذلك اليوم، قاد موظّف في الصليب الأحمر اللّبنانيّ سيّارةَ الإسعاف خاصّته بغية المشاركة في قافلة تسليم جُثث مسلّحي "النصرة" داخل عرسال. بعد ساعاتٍ من التفاوض اختير التوقيت، كان بعد الظهر. "ركبنا السيّارات وتوجّهنا مع سيارةٍ تابعةٍ للأمن العامّ إلى البلدة. عند وصولنا إلى أوّل مدخلٍ يقع ضمن سلطة المسلّحين، أُبلِغنَا من "عناصر الأمن" أنّنا باقون هنا لانتظاركم. ادخلوا وحدكم ثمّ عودوا. عند دخولنا، واكبتنا سيارة تابعة لـ"الشيخ أبو طاقية"، كنّا بحسب الاتّفاق علينا التوجّه بالجثثِ إلى مسجد "الشيخ".
يقول لـ"ليبانون ديبايت": سِرنا أمتاراً قليلةً حتّى ظهرت إلى جانبي القافلة أعداد لا باس بها من الدراجات الناريّة. على كلّ واحدةٍ عنصرين يرتديان لباساً أسوداً أو داكناً (حسب)، ملثّمين، يحمل الجالس في الخلف سلاحاً رشّاشاً. رافقونا حتّى الداخل. قُبيلَ وصولنا إلى الجامع، توقّفنا، فَعَلَتِ التكبيرات ونُعِيَ الشهداء بعباراتِ التشييع. كانت قلوبنا تخفقُ بسرعةٍ وكنّا نحسب الوقت دقيقةً دقيقة حتّى نخرج من هذا المشهد، كون الذي رأيناه لم نكن على علمٍ به أو أنّ الصورة التي نُقِلَت إلينا حول أحوال البلدة على الأقلّ كانت مُختلفة عن تلك التي أُعطيت لنا.
فجأة، علا الصراخ. وتغيّرت الخُطط، تقرّر التوجّه بالجثثِ إلى المقبرة لتسليمها هناك حتّى يُصَار إلى دفنها. وصلنا، سلّمنا الجثث، وعُدنا أدراجنا. في طريق العودة تبدّل المشهد سريعاً، تحوّلت عبارات التكبير والتشييع إلى عباراتِ "الجهاد" مصحوبةً بتهديداتٍ ودعواتٍ لإخراجنا من السيّارات ثمّ قتلنا وعدم تركنا نمرّ بسلام! كان الاحتشاد يزداد قرب وأمام موكبنا، وكان خفقان القلب يرتفع بسرعةٍ ويزيدُ من الارتباك دون أن نعرف ماذا نفعل.
سريعاً، تدارك "أزلام أبو طاقيه" الأمر. تواصلوا على الجهاز اللاسلكي معه -"ربّما معه لا أدري"-، فطُلبَ إخراجنا بسرعة.. لكنّنا لم نسلم من رصاصٍ اخترقَ أبدان سيّارات الإسعاف.. نجونا بأعجوبةٍ، وأدركنا عند وصولنا إلى المنطقة الآمنة أنّنا نجونا حقّاً.. "لقد كنّا في قندهار!".. هكذا يشبه السائق ما رآه.
لم يكن المشهد مختلفاً في اليوم التالي (الاثنين). عملت "النصرة" على محاولة عرقلة الاتّفاق تماماً كما فعلت في اليوم الذي سبقه. كانت تتذرّع في كلّ مرّةٍ بأمرٍ ما بغية الضغط لزيادة المطالب، ومع سدّ أبواب مطالبها، تقرّرَ دخول أوّل قافلةٍ لاصطحاب عددٍ من المسلّحين وذويهم في مؤشّرٍ لإطلاق المرحلة الثانية من الصفقة. كان قد خُصِّصَ لإتمام المهمّة نحو 150 باصاً كبيراً حضرت إلى جرود عرسال عن طريق "فليطة"، لكلِّ منها قدرة على استيعاب 50 فرداً تقريباً.
اشتكى السائقون من وعورةِ الطريق وعدم القدرة على المسير في ظلّ الحمولة الكبيرة، فاستعان حزب الله بنحو 40 جرافةً بدأت العمل في منطقة وادي حميد، من أجل تأمين مواقف للباصات واستصلاح إحدى الطرق التي تصل إلى فليطة كي تتلاءم مع طبيعة الرحلة وللحيلولة دون إعاقة مسيرها.
عند جلاء العراقيل، سُمِحَ بدخول نحو 50 باصاً إلى البلدة على أن تتوجّه إلى نقطة التجميع المُتّفق عليها. تكرّر مشهد يوم الأحد الذي واجهه الصليب الأحمر تماماً. عند وصولها إلى داخل البلدة، وفي إحدى نقاط التجميع داخل البلدة، التفّ مسلحو "النصرة" حول الباصات مُعرقلين تقدّمها. نشب خلاف بينهم وبين الموجودين. كان المسلّحون يطلبون من الناس عدم الصعود إلى الباصات "كي لا يأسرهم حزب الله" معلنين أنّ الاتّفاق لم ينته ِإقراره بعد، لكنّ الموجودون من العائلات كانوا يردّون بأنّهم "هم من أتى بهم إلى هذه النقطة للرحيل، فماذا تبدّل؟" وبين الأخذ والردّ، هدّد المسلّحون بإحراق الباصات في أرضها وعدم تركها تخرج محمّلةً حتّى يتمّ الفراغ من كلّ بنود الاتّفاق، فجرى التفاهم على تركها داخل البلدة بحماية "الوسطاء" حتّى "تنقشعَ الرؤية" ويتمّ تذليل العقبات كي تتمكّن من مواصلة طريقها إلى وادي حميد.
وكان الإعلام الحربي في حزب الله قد أعلن يوم الاثنين عن إرجاء مغادرة الحافلات التي ستقلّ مسلحي النصرة والمدنيين لصباح غدٍ بسبب إجراءاتٍ لوجستيّةٍ واكتمال وصول الباصات لوادي حميد في الساعات القادمة.
وأضاف إنّ التأخّر يكمن في الانتهاء من الإعدادات اللّوجستيّة في ظلّ ارتفاع عدد المسجّلين من طالبي الخروج، ما يحتاج إلى وقتٍ إضافيّ من أجل الانتهاء. فيما لم يُشر إلى ما حصل مع موكب الصليب الأحمر أو الحافلات التي دخلت البلدة.
ولاحظ موجودون، أنّ شخصاً مُحاطاً بعددٍ من المسلّحين، برز وجوده عند دخول قافلة الباصات والصليب الأحمر. وتواتر لـ"ليبانون ديبايت" أنّ هذا الشخص هو قياديّ بـ"فتح الشام" يُنادى باسم "أبو القعقاع".
*(الصورة أعلاه مُلتَقَطة يوم الأحد الماضي. مصدرها وكالة إباء التابعة للنصرة).
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News