"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح
الكلامُ الذي صدرَ عن القائدِ السّابق لفوجِ المغاوير في الجيش اللّبنانيّ العميد شامل روكز، يجب أن يتوقّف عندهُ ماليّاً وتبنّى على أساسِه قواعد مُحاسبةٍ شاملةٍ لكلِّ من أهملَ مصير الجنود، مُدركاً كان أم غير مُدرك أو قاصد أو واعٍ، خاصّة وإنّ الذي صدرَ منه يُعتبرُ بمثابةِ إخبارٍ فوريّ وعاجل وعلى القضاء مُتابعتِه ضمن ملفّ العسكريّين الشّهداء -المُخطوفين- لمُعاقبةِ من كان سبباً في أسرهم، من أهمل أو من ظهرَ غير مبالٍ.
ما صدرَ عن العميد روكز لا يُعَدُّ عادياً على اعتبار أنّه أتى عن لسانِ ضبّاطٍ في الجيش اللّبنانيّ سبق له أن استلم مهمّةً على تُخومِ عرسال وكان موجوداً في الميدان مُصوِّباً مدافِعهُ نحو الجرود. ممّا قاله روكز ويُعدّ لافتاً أن "حمّل القيادة العسكريّة لا السّياسيّة مسؤوليّة ما حصلَ في ذلك اليوم" مُشيراً إلى أنّ "الجهاز العسكريّ ارتكبَ بعض الأخطاءِ التي منعت حماية مراكز الجيش، وخصوصاً أنّ مهمّته كان يجب أن تكونَ هجوميّةً لا دفاعيّة".
وطرح روكز إشكاليّاتٍ عدّة؛ أبرزَ من خِلالها وجوه التّفلّت من المسؤوليّات مضاف إليها إشارات يجب درسها بعنايةٍ واستخلاصِ أسئلةٍ منها لتُطرَح على كلِّ من كان مسؤولاً في ذلك الزمان للحصول على إجاباتٍ وافية وتقديرِ الحالة، وإجراء محاسبةٍ إذا ما احتاجَ الأمر لذلك، وهو ما لم يُخفِهِ العميد، إذ ألمحَ في أكثرِ من مكانٍ إلى أنّهم مُنِعَوا من أداءِ واجبِهم، لا بل أُخرِجُوا من الجبهةِ عنوةً!
يقول قائل إنّ الوضع الإقليميّ لم يكن مُشجّعاً لأن يدخلَ الجيش في معركةٍ مع الإرهابيّين والموصل لم يكن قد انجلى غُبار السّيطرة عليها بعد، لكن آخر يردّ "منذ متى كانت الجيوش تنتظر الأجواء السّياسيّة كي تُحافظ على هيبتها في حالِ تعرّضت لاعتداء..؟"
كلامٌ آخرٌ مصدرهُ عميد آخر لفوجٍ نُخبويٍّ آخر، تقاطع مع كلامِ رُوكز، إذ أشار بمعلوماتٍ وصلت من معنيّين من ذوي الثقةِ إلى "ليبانون ديبايت"، مُتحدّثاً عن أنّ القِيادة العسكريّة آنذاك وقفت سدّاً منيعاً أمام تقدّم الجيش وإعادتِه للعسكريّين"، لكنّه ربط ذلك بـ"سوءِ تقديرٍ عسكريٍّ اختلف بين قراءةِ مسؤول الميدان ومسؤول العمليّات الذي كان في غُرفةٍ بينما كُنّا نبعُد 2 كلم نار عن نُقاطِ الإرهابيّين!".
الكلامُ هذا لا يمكن أن يمرّ مرورَ الكِرام خاصّةً مع بُروز علاماتٍ تدلّ على "سوءِ تقديرٍ" حولَ ظروفِ المعركة، إذ يظهرُ أن رأس هرمِ القيادةِ آنذاك، لم يكن لديه قراءةٌ واضحةٌ أو خُطّةٌ واضحةٌ للهجوم، وكانت حِساباتِه تختلفُ عن حِسابات الميدان على الرغم من أنّه لم يكن موجوداً فيه، بينما من كان حَاضراً في السّاحة كان جاهزاً للردّ وكانَ باستطاعته أن ينوبَ عن القيادةِ وأن يُعوّضها عن فُقدانِ خُططها، لكنّها شاءت أن تنقلَ إليه عدوى رُضوخِها للقرار السياسيّ!
وعلى الرغم من أنّ الاتّهامات توجّه اليوم إلى رئيس الحكومة السّابق تمّام سلام في الوقوفِ خلف إصدار قرارِ "وقف إطلاق النّار"، وعلى قدرِ أهمّيتها، لكنّها لا تضع اليد على الجرح أو تذهب نحو مُساءلةٍ شاملةٍ لِمَن لم يكن يمتلكُ خُطّةً للنار شكّلت ذريعةً لِمَن أراد إنهاء القصّة في أرضِها وترك المُسلّحين يخرجونَ بمن مَعهم بعد أن نالَ وعوداً من إحدى الهيئاتِ الدّينيّة لتدخلَ على خطِّ التّفاوض وتُرجعهم بعد 24 ساعة!، وقرّر أن يتركَ قرار الميدان للسلطةِ السّياسيّة بعد أن تجاهلَ القِراءة التي وصلته.
يقول معنيّون في تعليقِهِم على إعادة نبشِ هذا الملفّ، كلاماً لم يكن أحد ليتجرّأ على قوله يومذاك كون معنويات الجيش كانت على المِحكّ ولم يكن من مصلحةٍ لأحد بالحديثِ كي لا يُصوّر كلامه بغيرِ مقصدهِ الحقيقيّ. انتهت تلكَ الفترة وباتَ بالإمكان مُساءَلة قائد الجيش السّابق العماد جان قهوجي الذي كان باستطاعته عدم الاستجابة لقرار السّلطة السياسيّة والرضوخ إلى واقع الميدان الذي شاهده ضبّاطه بأمِ العين، ليس وحده بل معه الرئيس تمّام سلام والـ24 وزيراً كي نفهم على مَنْ تقع المسؤوليّة وعلى من نضع الحق بالضبط.
ثمّة اسئلة كثيرة تزدحم على الرصيف منتظرةً الاجابات علّها تشفي غليل منّ ذاقَ ألم الفرق، وكون الباب فُتِحَ وفتح سنتوحه بالاسئلة الى العماد جان قهوجي وليس في نفوسنا اية ضغائن او احقاد او خلفيات كيدية وما الى ذلك، بل نسأل حتى يصارحنا ويُبرّأ ساحته امام الراي العام او يتحمل المسؤولية اذا ما كان هناك تقصير:
- لماذا لا تضع نفسك بالتصرف وتتحدث وتسمي الامور باسمائها؟
- هل فعلا كنت تحت الضغط وفضلت عدم الاخذ بالخيار العسكري؟
- هل سايرت احد منهم كما يقال؟
- هل صحيح انه كان هناك تقصير بحماية العسكريين حتى تعرضوا للاسر؟
- هل صحيح انه لم تكن هناك خطط دفاع وهجوم؟
- لماذا لم تفرض رايك وتجبرهم على السير بقرارك؟
- لماذا تراجعت في وقت كان جنودك بحاجة اليك؟
وكون الملفّ طُرِحَ، فلا يجب أن تستقرّ المطالب عند هذا الحدّ وربطها بشخصِ رئيس حكومة كان مرآة تعكسُ قراراً سياسيّاً صادراً عن تيّارٍ واسعٍ ومؤثّرٍ شكّلَ مع حُلفاءٍ لهُ داخل الحكومة ما يُشبّه بـ"مجموعة ضغطٍ" فَرّغت كل ما تملك على السّاحة واعتبرت أن عرسال خطٌ أحمر لا الجنود الذين ضاعوا بفضلِ غيابِ الخُطط، ونغّصت على الجيش دوره!
كلام روكز لا يُعلى عليه، ولا يجب أن يذهبَ هباءً منثوراً، بل أن يستتبعَ بأطرٍ ومُتابعةٍ كي يصلَ إلى المرجوّ منه ومحاسبة كلّ من فرّطَ بدماءِ عسكريّي الجيش وحاول التّفريط بهيبةِ المؤسّسة العسكريّة التي نعتبرها خطّ أحمر تفوقُ بقدسيّتها كلّ المناطق التي تخضعُ لحِمى هؤلاء السّياسيّين ومصالحهم، لا بل إنّ قدسيّتها تعلو على قُدسيّاتِ الأشخاص مهما علا شأنهم.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب
Follow: Lebanon Debate News