"ليبانون ديبايت" - نهلا ناصر الدين
لم يستفِق الرأي العام اللبناني من صدمة جريمة زقاق البلاط بعد، والتي كان بطلها قاصراً لا يتجاوز عمره الـ14 عاماً، وأودت بحياة ثلاثة أشخاص من بينهم والد المراهق وجرح ثلاثة آخرين أحدهم بحال خطرة.
فجريمة جديدة تُضاف إلى سجلات الإجرام الذي بات قوتا يوميا مرّا للمجتمع اللبناني، أعادت إلى الواجهة ثقافة العنف التي تسيطر على مجتمعنا إلى الواجهة، صانعةً من أطفال اليوم مجرمين خطيرين يعرّضون حياتهم وحياة من حولهم للخطر.
فما هي الأسباب النفسية والاجتماعية التي يمكن أن تجعل من ابن الـ14 ربيعاً مجرماً يرتكب مجزرة جماعية بهذا الشكل المروّع؟
يؤكد الاختصاصي في علم النفس العيادي نبيل خوري لـ"ليبانون ديبايت" بأنه لا يمكن إعطاء صورة علمية كاملة المواصفات عن الموضوع قبل معرفة ما سيتوصل له التحقيق. لا سيما وأن كل ما يُثار حول القضية في وسائل الإعلام من معلومات، لا زال كله في إطار التكهنات التي لم يثبت حتى الساعة صحتها.
وفي الشق النفسي يفسّر خوري ما الذي حصل مع المراهق لحظة ارتكابه الجريمة، فـ"بلحظة غضب وتسرع لم تعرف أسبابها الحقيقية بعد، خرج المراهق من منزله حاملا سلاحه واضعاً برأسه فكرة أنه سيقتل كل من يقف بوجهه، التفت إلى والده وقتله ثم أطلق النار على الناطور وزوجة الناطور والجيران".
فكان المراهق في تلك اللحظة بـ"حالة من فقدان السيطرة على أعصابه وطاقاته الإدراكية، لدرجةٍ ما عاد متمكناً فيها من ضبط حوافز الغضب، ليصل لمرحلة ما يسمى بالانفجار الغاضب، وعندما رأى الدماء تسيل بكميات كبيرة من والده انفعل أكثر، وتفلّت من كل القيود، وبلحظة انفعال أطلق النار على كل من رآه حوله".
فما هي الأسباب العامة التي يمكن أن توقظ روح الإجرام في صدر المراهق؟
يرى خوري بأن أسبابا عديدة في مجتمعنا اللبناني تتعاضد لتكون جزءا من حوافز الغضب الذي يوصل الطفل للقيام بأعمال جرمية.
ومن هذه الأسباب: المشاهدات العنيفة التي باتت جزءاً لا يتجزأ من يومياتنا وحياتنا، سواء في نشرات الاخبار، أو المسلسلات والأفلام التي تتضمن مشاهد عنيفة، والبرامج التي لا تُعنى بشؤون حماية المراهقين من تداعيات الأعمال العنفية والمشاهد العنيفة، وبعض الألعاب الالكترونية العنيفة التي تشجع وتحفز على القيام بأعمال جرمية، فنرى الطفل يتحول إلى شخص عنيف وقاسٍ متأثرا بمحتوى هذه الألعاب العنيفة ساعياً للتشبه ببطل هذه الألعاب".
ويشير خوري إلى أن الدراسات العلمية اثبتت تأثير بعض الممارسات العنيفة التي يشهدها الطفل والمراهق في مواقع التواصل الاجتماعي وألعاب الفيديو الالكترونية على الأطفال والمراهقين، سواء في عملية تعذيب الحيوانات، الإساءة للأقارب، وممارسة العنف في المدارس... "فكل الأمور مرتبطة بعملية صقل المواهب، باتجاه إيجابي أو سلبي، وهذه الممارسات بالنسبة للطفل عملية موهبة".
يضاف إلى ذلك الثقافة الإجتماعية العنفية، فـ"يربي الأهل أطفالهم على ثقافة العنف، وإذا أراد الوالد مكافأة طفله يشتري له ألعاباً على شكل أسلحة، ثم يعلمه كيفية وضع الرصاص في المسدس الحقيقي، ثم يرافق والده إلى الصيد، علما أن اللبنانيين يربون أطفالهم على ثقافة كراهية الغير والحقد التي تترجم برغبةٍ بالانتقام أو بالأذية".
وما يزيد الأمر سوءاً "ظاهرة السلاح المتفلت في لبنان، في ظل محاكمات مطوّلة ومماطلة متعمدة بإصدار الأحكام وضغوط سياسية، وأحكام مخففة وتسويات خارج المحاكم، ما يرجّح دفة الحوافز نحو العمل الجرمي بكثير على دفة الروادع أمام العمل الجرمي".
وعن الحلول، في ظل تربص ثقافة العنف بمجتمعاتنا والإحاطة به إحاطة السوار بالمعصم، يؤكد خوري بأن "الحلول لا يمكن أن تكون إلا عبر التربية التي يقوم بها الأهل، كالحذر في انتقاء المسلسلات والأفلام التي يشاهدونها برفقة أطفالهم، وحمايتهم من رؤية مشاهدة العنف والقتل والموت الجماعي المنتشرة في العالم، وتعزيز دور الكتب في حياة أطفالهم، ومواكبة العصر الحديث والعولمة واجتياح الانترنت، والإشراف المباشر على تربية الطفل" وهي الحلول التي يضعها خوري في خانة تكييف الأهل مع احتياحات الطفل، وتأسيس ثقافة فعلية للتربية المدنية تساعد الناشئة على مجابهة الاجتياحات الالكترونية.
ويشدد وري على ضرورة صقل شخصية الأطفال عبر "تربيتهم على الأخلاق، المناقبية، والانضباط وتقبل الآخر" وضرورة أن تستعيد الدولة ثقة الناس بها وصدقيتها وأن يكون مفهومها للعدالة قائم وثابت.
إذاً، لا سبيل لإخراج العنف من بيوتنا ومنعه من أن يتجسد بفردٍ من أفراد العائلة، إلا تغيير الثقافة العنفية التي نعيشها بكل فصولها كي لا يصبح الموت لعبة مؤسسات اجتماعية واقعية أكثر منه قدراً غيبياً.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News