"ليبانون ديبايت" - ريتا الجمّال:
عام 2015، بعد أشهر من المُباحثات، واللقاءات والاجتماعات، أُنجز إعلان النيّات بين "القوّات اللبنانيّة" و"التيّار الوطنيّ الحرّ" لطي صفحة الماضي السوداء بأحداثها ومعاركها ومآسيها، والاحتقان الطويل الذي بقيَ مُشتعلاً بين مناصري الحزبين على الرغم من مرور سنين طويلة على انتهاء الحرب الاهليّة.
"اتّفاق معراب"، كان يهدف الى "تنقية الذاكرة من مناخات الخصومة السياسيّة التي طبعت العلاقة بين الحزبين، والتطلّع نحو مُستقبل يسوده التعاون او التنافس السياسيّ الشريف، بالإضافة الى صياغة رؤية مشتركة حول القضايا والمواضيع ذات الاهتمام المُتبادل على جميع الصعد السياسيّة والاقتصاديّة والاداريّة والاجتماعيّة.
في تلك المرحلة، لعبَ عرّابا المُصالحة التّاريخيّة امين سرّ "تكتل التغيير والاصلاح" النائب ابراهيم كنعان، ووزير الاعلام ملحم الرياشي (يومَ كان رئيس جهاز الاعلام والتواصل في "القوات")، دوراً كبيراً في كتابة أسطر البيان بعد تقريب المسافات ومراجعة العلاقة التي سادت بينهما خلال أكثر من ربع قرن، وتوحيد المواقف حول بنود التزم الطرفان ضرورة احترامها. فكان أن حصل اللقاء الأهمّ بين رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون ورئيس "القوّات" سمير جعجع في معراب، لتكرّ بعدها سُبحة التفاهمات بين "الاشقّاء"، مروراً بتأييد الدعم الرئاسي لعون والتمسّك بترشيحه حتّى اللحظة الاخيرة، وصولاً الى "التشكيلات الحكوميّة" التي أعادت "القوّات" بقوّة الى مجلس الوزراء، والتي هي نفسها ساهمت لاحقاً في اعادة أجواء التوتّر الى صفوفهما.
التباعد "القوّاتي - العونيّ" بدأ على الصعيد الوزاري، وحول أداء الحكومة، مع تصويب وزراء "القوّات" على وزراء "الوطنيّ الحرّ" ووزير الطاقة سيزار ابي خليل بشكل خاصّ في ما خصّ ملفّ الكهرباء، ما ادّى الى تكهرب الأجواء بشكل دفع المُراقبين الى التلميح بوجود حرب صامتة تُهدّد "تفاهم معراب"، خصوصاً عندما لوّح وزراء "القوّات" بالاستقالة، قبل أن يُسارع المعنيّون ليُؤكّدوا على ثبات العلاقة واستمراريّتها. ووضع هؤلاء ما حصل في إطار المواضيع الخلافيّة الطبيعيّة التي دائماً ما تحصل حول الملفّات السياسيّة، وحرصهم على تفعيل التنسيق لمُعالجة هذه التباينات، بيد أنّ الصمت المُحدق تحوّل الى صوت مُرتفع، صريح وعلنيّ طاول ملفّات اخرى وصولاً الى "الضربة القاضية" التي تمثّلت باستقالة رئيس الحكومة سعد الحريري.
اليوم، يعيش الثنائي المسيحيّ مرحلة التفكير والتأمّل التي تسبق اتّخاذ القرار بالطلاق أو الصّلح، وخلال هذه الفترة برزت تباينات داخل كلّ تكتّل، إذ إن الآراء داخل "القوّات" مُنقسمة ومُختلفة. فهناك من ينعى التفاهم والبعض الاخر يصرّ على تماسكه، والامر نفسه يظهر عند "التيّار" في الوقت الذي تتراوح فيه المواقف بين التصاعديّة التشاؤميّة وتلك التفاؤليّة. ولعلّ أقوى ردود الفعل صدرت عن رئيس التيّار وزير الخارجيّة جبران باسيل الذي أعلن في حديث سابق أنّ "القوّات انقلبوا على التفاهم وهم مدعوّون للمراجعة". فيما كان لافتاً بالمُقابل ما قاله النّائب ابراهيم كنعان، عرّاب المُصالحة، عن أنّ الاتفاق بين "التيّار والقوّات" أبديّ، داعياً الى "مُصارحة مُشتركة لتفسيره ومعرفة ما طُبّق، وما لم يُطبّق منه لاستكمال المسار".
أوساط "الوطنيّ الحرّ" اعتبرت أنّ "التيّار" و"القوّات " كانا واضحين في اعلان النوايا، بالتمسّك بالمبادئ والثوابت، واقرار قانون جديد للانتخابات، وتعزيز مؤسسات الدولة، ودعم الجيش معنويا وماديّاً، والالتزام بمُرتكزات وثيقة الوفاق الوطني التي اقرّت في الطائف والتعهّد باحترام أحكام الدستور، وغيرها من البنود التي أتى على ذكرها الاعلان، الذي شدّد في الوقت نفسه على أنّ الاختلاف السياسيّ هو أمرٌ مشروعُ، لا بل صحيّ على الصعيد الديمقراطي، ومن الطبيعي ان تحصل تباينات حتى انها تطاول بعض الاحيان الفريق ذاته، لكنّ الاهمّ يبقى في طريقة مُقاربتها ومُعالجتها".
ورأت الأوساط في تصريح النائب كنعان خطوة عمليّة، جديّة ومُبادرة مُهمّة تبقى أفضل من الصراع الاعلامي بين الطرفين، فكما حصلت المُصالحة ضمن أطر الحوار، وتبادل الآراء، يجب أن تحصل المُصارحة على طاولة واحدة تُفتح فيها الاوراق، وتُصفّى النيّات، والقلوب وتعود العلاقة الى السّكة الصحيحة، ومنع أيّ طابور ثالث ورابع وخامس راهن سابقاً على فشل العلاقة سريعاً، من تحقيق مُبتغاه، لأنّ المُستفيدين من سقوط الشريكين كُثر". وأشارت الى أنّ "عرّابي المُصالحة قد يلعبا دوراً في هذا الإطار لإعادة ترميم وحدة الصفّ، خصوصاً أنّ الوزير الرياشي يتسّم هو الاخر بالهدوء والرويّة وبدراسة كلّ خطوة بتأنيّ، تماماً كما يحرص كنعان الذي يؤكّد في كلّ مناسبة بأنّ العلاقة مع "القوّات" لن تعود الى الوراء، محذّراً من "ما يُمكن ان يحصل في حال حصول أيّ انتكاسة، على اعتبار ان الرأي العام المسيحي بتسعين بالمئة كان مع المصالحة".
مصادر "القوّات"، أكّدت لـ"ليبانون ديبايت" أنّ "تفاهم معراب يجب أن يستمرّ، وعلى الافرقاء العمل اليوم على منع اشعال السّاحة المسيحيّة من جديد خصوصاً وأنّ أجواء الاحتقان بدأت تدخل الى صفوف مناصري الحزبين، وهذا ما يجب ايقافه بسرعة، لأنّ الهدف الاساسيّ للمُصالحة كان تبريد السّاحة وطيّ صفحة الماضي والتوتّرات التي كانت قائمة خصوصاً في صفوف الشباب والجامعات، من هنا التعويل على وعي المعنيين وحسّهم الوطنيّ".
وردّاً على الكلام بأنّ "الانتخابات والنفط" من شأنهما أن يعيدا العلاقة الى سابق عهدها، شدّدت المصادر على أنّ "التحالفات الانتخابيّة لطالما كان لديها حساباتها الخاصّة، ليس فقط على الصعيد النيابيّ بل حتّى النقابي، والطلّابي - الجامعيّ، وغيرها من الاستحقاقات التي تخلط فيها الاوراق احياناً بحسب ظروف كلّ استحقاق ووضع كلّ منطقة، فهناك مناطق مثلاً تحتّم التحالف العوني القوّاتي، فيما لا تفيد هذه الخطوة في مناطق أخرى، وهذه الطريق تسلكها كلّ الاحزاب لضمان المقاعد النيابيّة. علماً أنّ هذا القانون بالذات يحتّم على كلّ مُرشّح السعي جاهداً للفوز ولكسب الصوت التفضيلي ولو وقف في وجه حليفه أو رفيقه في الحزب نفسه".
وعلى صعيد النفط، أكّدت المصادر أنّ "القوّات أثبتت عن تمسكّها بثوابتها، وحريّة مواقفها كما حصل مع ملفّ الكهرباء، وأيّ تحالف لن يمنعنا من اعطاء رأينا الصريح والجريء في ما خصّ ملفّ النفط عند رؤية اي شائبة فيه وسنرفع القبعة لاي انجاز، سواء بعلاقة قويّة مع التيّار او ضعيفة".
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News