"ليبانون ديبايت" - فيفيان الخولي
ثلاث عقد أثمرتها مفاوضات تشكيل الحكومة. في المقابل، أظهرت اصطفاف ثلاث قوى سياسية منعاً لتحجيمها، الأمر الذي رأى فيه مراقبون عودة للانقسام السابق الذي انحلّ خلال التسوية الشهيرة التي فرضت مساكنة بين أطراف متناقضة الاستراتيجية، حتى بات من الصعب معرفة هوية كل من أصحاب هذا الذوبان.
مشهد اليوم أعاد، إلى حدّ ما، قوى 14 و8 آذار إلى الواجهة، ولو أنّ البعض يضع هذا الانسجام في إطار توصيات خارجيّة، تحديداً في ما يخصّ تماهي رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري مع مطالب حزبي القوات اللبنانية والتقدمي الاشتراكي.
وفي العودة إلى ما قبل 31 تشرين الأول 2016، قامت هذه القوى الثلاث (تيار المستقبل، والقوات، والاشتراكي) والتي تواجه اليوم معركة اثبات وجود داخل الحكومة، بصناعة ذلك اليوم من التاريخ. "القوات" عمل على مصالحة مسيحية ــ مسيحية، مستبعداً رئيسه سمير جعجع نفسه عن قصر بعبدا، ممهّداً لرئيس التيار الوطني الحر، آنذاك، ميشال عون الجلوس على كرسي الرئاسة. "المستقبل" ممثلاً برئيسه الحريري رفض فرضخ للتسوية التي جاءت به رئيساً للحكومة مقابل رئاسة جمهورية عون. أما رئيس "الاشتراكي" وليد جنبلاط الذي صمت طويلاً، وفي هذا الأخير لا علامة للرضى، عاد وقام بدور عرّاب هذه التسوية.
وإنْ أجمعت الأطراف الثلاثة في العام 2016 على ألّا عودة إلى الوراء، وطي صفحة الماضي شعار "الاستراتيجية" الجديدة، باعتبار أنّ البلد يحتاج إلى التكاتف للنهوض به على جميع الأصعدة، وهذا ما لم يصدقه الشعب، لا شيء يوحي منذ ما قبل وخلال الانتخابات النيابية وصولاً إلى معركة تشكيل الحكومة أنّ هذه الدبلوماسية متّبعة.
والمفارقة، أنّ الثلاثية التي رفضت قبل الرضوخ تسمية عون تواجه اليوم الشخصية ذاتها من موقع الرئاسة لكن عبر المتحدث باسمه خلفه في رئاسة التيار جبران باسيل الذي يصّر على رسم حجمَي الاشتراكي والقوات، ويفرض المعارضة السنيّة، مدفوعاً من الثنائي الشيعي، على المستقبل.
يسلّم مقربون ومؤيدون للأفرقاء الثلاثة، جدلاً، ألا رجعة إلى تلك الحقبة المكدّسة بملفات تغزو صفحاتها أياماً سوداء، لكنهم يستذكرون عبارة قالها عون منذ 9 سنوات في هذا الشأن، "عمرها ما تتشكل حكومة بلا جبران". والأخير أصبح وزيراً فعلاً، وهو بشخصه أعلن استقالة فريق الثلث المعطل من حكومة الحريري الأولى من الرابية حين كان رئيسها في واشنطن. ويتساءل هؤلاء، "هل ما يحصل اليوم دفع الثلاثة إلى القول لو كنّا نعلم! أم كانوا يعلمون؟".
يجيب أحد المسؤولين العاملين على خط الثلاثي أنّ الأمور وصلت إلى حيث لا يجب أن تحط، لكن هذا لا يعني أن أياً من الأطراف الثلاثة نادم على الخطوة التي أقدم عليها، أو أنه يقوم بعملية مراجعة سياسية لهذا الوضع. الثلاثة كانوا يفضلون عدم وجود الاشتباك السياسي القائم، وهذا الأخير يضر أصحابه والبلد، وبالتالي لا مصلحة فيه.
بعيداً عن الرد الدبلوماسي، يعترف الرجل أن ما حصل لم يكن متوقعاً، لكن هم، أي الثلاثة، ليسوا بموقع الزوج المخدوع، بل يُصادف حوادث سياسية على الطريق، وهذا أحدها، مطالباً بفترة زمنية إضافية، "لنرى ما إذا كانت ستتوقف الأمور عند هذا الحد أم ستذهب إلى أبعد من ذلك، إذ لا يمكن إقامة عملية تقييم شاملة، لا زلنا وسط أزمة التأليف".
ويرى أنّ الجميع عمل على التسوية من زاوية حسن نيّة بلا أبعاد، أضف إلى الظروف السياسية التي كانت قائمة ودفعت الأمور باتجاه ما هي عليه اليوم، كما أن المسار السياسي أوصل الأفرقاء إلى هذه النقطة.
ويخصص في حديثه الفريقين المسيحيين، مشيراً إلى أن القوات تعاطى ببعد استراتيجي انطلاقاً من أهمية تعاون من هذا النوع يؤدي إلى إقفال صفحة من الماضي وتأسيس وضعية للمستقبل قوامها التحالف والتقاطع والتفاهم لإعادة الاعتبار للدور المسيحي الذي فُقد منذ التسعينات.
أضف إلى أن الظروف التي أخرجت النظام السوري من لبنان لم تظهر قدرة أحدهما على استعادة الدور منفرداً. وبالتالي، كان هناك حاجة لتقاطعهما ليعيدا الاعتبار لهذا الدور، ومنه إلى بقية القوى السياسية. لكن لغاية اليوم لا يزال لبنان يعيش أزمات سياسية متواصلة من قبل جميع الطوائف، من دون التمكُّن من تحقيق السلام السياسي، للأسف.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News