"ليبانون ديبايت" - كريستل خليل:
في سابقة فريدة من نوعها، وبمناسبة اليوم العالمي لمكافحة اساءة استعمال المخدرات والاتجار غير المشروع بها، واليوم العالمي لأيقونة مكافحة التطرف والعنصرية الرئيس الراحل نيلسون مانديلا, تواجه رجال دين لبنانيون من مختلف الطوائف في مباراة كرة قدم ودّية. من أجواء نهائيات كأس العالم ابتكر المنتدى العالمي للأديان والانسانية هذه المبادرة تحت شعار "رجال دين للتغيير", متحدون معا ضد العنف والتطرف والمخدرات.
قدم رجال الدين والعلماء بزيهم الديني الرسمي الى المدينة الرياضية الجديدة في بلدة حمانا, وما هي الّا دقائق حتى أزيلت الحواجز وتبدلت الصورة النمطية مع بداية المباراة. انقسم رجال الدين الى فريقين مختلطي الأديان, وانتهت اللعبة بتعادل 3 أهداف لكل فريق.
انطلقت الفكرة, بحسب ما أوضح أحد أعضاء المنتدى العالمي غسان بو دياب في حديث لـ"ليبانون ديبايت" من مقولة للأديب غسان كنفاني "اذا فشلنا في الدفاع عن قضية, نغيّر الأسلوب والأشخاص ولا نغيّر القضية". من هنا، تم اعتماد اسلوب غير تقليدي لمحاربة التطرف والمخدرات. ساهمت هذه المباراة بكسر الصورة النمطية عن رجال الدين, مثبتة ان هؤلاء لا يعيشون على كوكبهم الخاص بل هم أكثر الناس اندماجا وتفاعلا مع الواقع والأحداث.
ورأى بو دياب ان موقع رجل الدين لم يعد المسجد أو الكنيسة, لأن التطورات الحاصلة تلزمه النزول الى الأرض والاختلاط مع الناس الذين هم بأمس الحاجة اليوم للصورة الحسنة التي يمكن لرجال الدين أن يعكسوها في ظل كل الآفات التي تواجه المجتمع. وكون الرياضة هي الوسيلة الأفضل لمحاربة الآفات وإلهاء المواطن عن همومه ومشاكله اليومية واحياء الروح الرياضية فيه، ما يبعده عن التطرّف والتعصب, رحب رجال الدين المدعوين بفكرة المباراة وأتوا ليتشاركوا بايصال هذه الرسالة.
مقامات دينية واجتماعية وفكرية لم تمنع شيوخا ومطارنة وكهنة وأسياداً من المشاركة في مشهدية أكثر من رائعة لمباراة ودية مختلطة. ولفت بو دياب الى انه لم يعلن عن تفاصيل المباراة ولم يحدد موقع اقامتها سوى قبل ساعات قليلة من موعدها, بسبب المخاطر الأمنية والتهديدات الناتجة عن محاربة ايديولوجية منع تلاقي الأديان. لكن المباراة حصلت, وحطمت حاجز الخوف المنصوب بين الدينين, فتخيّلوا عظمة مشهد الكاهن وهو يصرخ للشيخ "افتحلي طريق للـPass"!
شارك في المباراة رئيس المركز الكاثوليكي للاعلام الأب عبدو بو كسم, ونقل لـ"ليبانون ديبايت" ردة فعله عندما وجّهت الدعوة اليه, مرحبا بالفكرة والرسالة التي تحملها, متفاجئا بهذه المبادرة والمدعوين اليها. ولم يتردد بتلبية النداء, الذي وجد فيه فرصة لاظهار الصورة الحقيقية التي يعكسها رجال الدين بعيدا عن التزمّت المتهمين به. وأضاف "نحن مش غريبين, متلنا متل كل هالناس. مشاهدة المباراة التي حصلت كفيلة بتعزيز جو العيش المشترك مع بعضنا البعض".
تغيير الصورة النمطية كان هدف الأب الأساسي الذي دفعه إلى قبول المشاركة, لكنه عند وصوله الى المباراة والتعرف على باقي المشتركين الآتين الذين بدّلوا زيّهم الديني الرسمي برياضي, أحس باختفاء جميع الحواجز التي كانت تفصل المشاركين عن بعضهم البعض والفوارق. حتى الألقاب التي حملها رجال الدين لم يعد لها صدى على أرض المباراة فلا شيخ ولا بونا والأسماء وحدها كانت سيّدة اللعبة "يا حسن مرق الطابة, عبدو شوط"، وفقاً لوصف بو كسم.
في السياق ذاته، أشار الشيخ عباس الجوهري الذي شارك ايضا في المباراة لـ"ليبانون ديبايت" الى ان الهدف من المباراة يكمن في نقل رسالة واضحة من القييمين على هذا المنتدى. وهي الغاء التطرف والتعصب والعنف والدعوة الى محاربة آفة المخدرات التي باتت وباء منتشرا في لبنان, من خلال التمسك بالرياضة.
وحمل الجوهري بمشاركته أكثر من هدف, منها توضيح صورة رجال الدين أمام الناس, فهم بشر وليسوا مخلوقات فضائية ويجب التعامل معهم على هذا الأساس, وعليهم التعامل مع انفسهم على الأساس نفسه. اضف الى ذلك اظهار التعاون والترابط في الأهداف بين مختلف الطوائف والتلاقي في مكافحة الآفات لتعلُّم كيفية الانخراط بلعبة مشتركة. ومثلما تشكل الفريق من أكثر من طائفة اسلام ومسيحية ودروز متحدين لهدف واحد, هكذا يجب ان يحصل في الواقع. والمباراة كانت بمثابة تمريناً على الشراكة, والتعاون من أجل هدف واحد سامٍ.
وربط الشيخ المباراة بالوطن, لافتا الى ان "ما حصل خلال المباراة يجب ان ينعكس على أرض الواقع للاستمرار بالحوار القائم بين الديانات لأهداف مشتركة في ما بينها ويسوده تطلعات وآمال للمستقبل، لتقديم رؤية الى الجيل الجديد الذي يحملّنا الكثير من المسؤوليات للحفاظ على أمنه وأحلامه وطموحاته. والمرمى بعد هذه المباراة سيحمل هدفا واحدا وهو محاربة الحرمان والفساد والآفات بالشراكة وحدها".
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News