"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح
في كواليس بعض المجالس يدور سؤال غريب في توقيته فحوه: "لماذا تندفع المؤسّسة العسكريّة صوب واشنطن بقوّة"؟ اللافت أن السؤال يُطرح ملفوف بعلامة استفهام مضمونها يستبطن نيّة واضحة بتوجيه سؤال أكثر تحديداً: "هل الجيش اللبناني يتأمرك"؟ يفهم إذاً أن السؤال حمّال أوجه ولا يقصد حالة ظرفيّة بعينها بلّ سؤال مصنوع ليخدم قضيّة أبعد من ذلك، تصل إلى حدود التشكيك بعقيدة الجيش العسكريّة!
موضع الاستهجان، أن ايقاظ أو استخراج هذا السؤال يأتي دائماً قُبيل أو بُعيد اجراء قائد الجيش (أيّاً كان اسمه) زيارة ذات طابع عسكري إلى واشنطن، أو قيام الاخيرة عبر سفرتها في بيروت بتسليم الوحدات العسكريّة أسلحة ما، بصرف النظر عن قيمتها أو قدرتها، ما يعني أنه يأتي كرد فعل على فعل.
لم يعد سرّاً أن الجانب الاكبر من القدرات التسليحيّة للجيش اللبناني مصادرها أميركيّة. في آخر دراسة، تبيّن أن نحو 80% من العتاد الحربي الذي يشغله الجيش أميركي الصنع، وهذا الرقم مرشّح للتصاعد في ظل برنامج الدعم الأميركي المخصّص للجيش اللبناني والذي جرى تحييده عن مشروع قانون قُدِمَ إلى الكونغرس يدعو لخفض ميزانيات الدعم العسكري الذي تقدمها واشنطن لبعض الدول.
ليس سرّاً أيضاً أن اتكال الجيش اللبناني على السلاح الأميركي بنسبة كبيرة يعود سببه الأصلي إلى غياب القدرة الشرائيّة الموفّرة من قبل الدولة اللبنانيّة لابتياع سلاح جديد من مصادر مختلفة. يصبح في هذه الحالة لزاماً على الجيش اللبناني حتّى يُحافظ على تسليحه أن يلجأ لقبول أي هبة ترده من أي دولة لا تصنف في خانة العدو.
أمر آخر مهم، أن الجيش اللبناني يتحرّك تحت المظلّة السياسيّة، ما معناه أن الهبات والمساعدات العسكريّة التي تأتيه، بخاصة من الولايات المتحدة الاميركية، مُصرّح بها وتأتي عن طريق هذه المظلّة، والجيش يقبلها بعد أن يقوم من هم فوق هذه المظلّة بتدبير مصالحه، أي أن صلاحيّة التحرّك صوب السلاح ليست من تلقاء نفس المؤسّسة العسكريّة بل من المؤسّسة السياسيّة الراعية.
البعض من وراء طرح هذا السؤال ضمن هذا الإطار يستنتج أن ما وراء حجم هذا الدعم نيّة أميركيّة في الاستثمار بالجيش اللبناني في مشاريع أخرى، وبعض آخر يعطي لُبوساً للجيش أنه ينساق في مجرى سياسي، ما يحتم عليه لاحقاً الرضوخ لشروط مُعيّنة يفرضها هذا الدعم، لذا قد يوّفر الاتهام أسباباً يريدها البعض لتبرير هجومه اللاحق على المؤسّسة العسكريّة، والايحاء أن لديها خططاً تتجاوز الابعاد العسكريّة.
يفهم أن اعتماد الجيش اللبناني على السلاح الأميركي كذلك السخاء الذي تقدمه واشنطن لصالح جيش في بلد يصنف عدو للحليف الاستراتيجي الأول لإسرائيل، يستجلب اسئلة عدة حول الطبيعية الوظيفيّة الموضوعة لهذا السخاء، ويستجلب أيضاً اعتراضات تبقى في العادة محصورة ضمن المجالس الضيّقة، نسبة للإدراك السائد أن لا حل آخر، لكن أن يستجلب علامات استفهام تؤسّس لحملة مبرمجة على الجيش، يصبح عملاً مشبوهاً يستدعي البحث خلفه عن الاسباب الكامنة وتلك التي تدفع لترويج هذه الاتهامات.
الغريب أكثر، أن اصحاب نظريّة "الجيش يتأمرك" هم أنفسهم اصحاب نظريّة الاقتناع بعدم القدرة على تسليح الجيش من مصادر أخرى غير أميركية! وهم كانوا قد أفصحوا عن ذلك للمعنيين في أكثر من مناسبة، لسبب وجيه جداً، أن الدولة اللبنانيّة لا تملك أثمان السلاح الذي عرض سابقاً على الجيش أو اثمان شراء اسلحة من مصادر مختلفة، سيما السلاح النوعي الحديث.
تأخذنا مصادر معنيّة للاطلاع على ورشة قام بها الجيش في وقتٍ سابق موضوعها كان البحث عن مصادر مقبولة يجري اعتمادها كسبيل لرفد المؤسّسة بسلاح جيد. وظهر أن الجيش بحث ولا زال عن موارد تسليحيّة غير تلك الأميركية، وتوفّقَ في بعضها لكن العثرة كانت في قلّة الموارد الماليّة المرصودة.
وبالاستناد إلى ذلك، تمّ العثور على أكثر من مصدر أجبني، بينها فرنسي وروسي وغير ذلك، وقد جرى استدراج عروض بالاستناد إلى "داتا" اُعدت كقوائم بحاجيات الجيش، ليتبيّن بعد التدقيق أن الاسعار التي قُدمت تتجاوز بأشواط تلك التي جرى توقّعها، حتى أن نوعيّات بعض الاعتدة التي رفعت طلبات باستحضارها، ينالها الجيش كهبات وبنفس الجودة.
مثال آخر، أن الروس طرحوا أن يكونوا احدى الجهات المزوّدة للجيش بالعتاد، وقد جرى وضع آلية هي "معاهدة تعاون عسكري بين لبنان وروسيا"، وكان يؤمل أن يتزوّد الجيش عبرها بما يحتاجه.
ويتبين وفق جدول اطلع عليه "ليبانون ديبايت"، أن الروس كانوا قد وعدوا بتقديم هبات ميّسرة لصالح الجيش عبارة عن اعتدة حربيّة كانت موضّبة لصالح الجيش الروسي، من ضمنها آلات وتجهيزات يقوم هذا الجيش بتصريفها كل فترة، في حال جرى توقيع المعاهدة التي وافق عليها رئيس (وقتذاك) سعد الحريري في موسكو ووعد بطرحها على مجلس الوزراء والموافقة عليها، لكن ذلك لم يحدث بسبب تراجع المعني عن وعوده.
ورغم ذلك، بقي الروس يتعاونون مع الجانب العسكري اللبناني. وعلم "ليبانون ديبايت" ان الجيش تسلّم من موسكو قبل أيّام هبة ذخائر واعتدة خفيفة ومتوسّطة، لكن يبقى أن يُفعل إطار المعاهدة ليصبح التعاون بشكل أوسع، رغم ان بعض المصادر المعنيّة تقول إن الروس يقدّمون معظم السلاح للجانب اللبناني على سبيل البيع بأسعار مدروسة، لكن حتى المدروس لا قدرة للميزانية على تحمله.
يصبع عندئذٍ الجيش أمام واقعيّة محكوم بها ومحتّمة عليه، أن يستفيد من الهبات والقروض التسليحيّة التي تأتيه من الولايات المتّحدة، ولن يغير الله ما بقوم حتى يغيّروا ما في أنفسهم.
ما يدعو للحيرة، أن الحراك الاعتراضي الذي يسمع صداه في بيروت والصادر عن جهات تجاهر بتأييدها الواضح للمؤسّسة العسكرية، يتزامن مع حراك آخر لا يقل أهميةً ينشط في واشنطن، ويدور حول احتمال ادراج مشروع قانون في الكونغرس الأميركي يقوّض من الدعم العسكري الأميركي الذي يناله الجيش، والذريعة أن حزب الله يستفيد من هذا السلاح.
لكن ورغم كل القيل والقال تنأى مصادر المؤسسة العسكرية بنفسها وتتجنب الدخول في ردود تستدعي ردوداً، لكن تسمح لنفسها بنزع القفازات قليلاً للرد على حملات التشكيك من بوابة العقيدة العسكرية لترد انطلاقاً من البيان الاخير للجيش اللبناني الذي شدد فيه على عقيدة الجيش الواضحة القائمة على العداء لاسرائيل "الغير خاضعة للتبديل او التغيير او التعديل"، وبحسب المصدر: "فالجيش هو خلاصة انتاج الشعب، وهذا الشعب معروف عنه انه مقاوم مضحي، لذا لن يكون الجيش الا نسخة طبق الاصل عن هذا الشعب".
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب
Follow: Lebanon Debate News