"ليبانون ديبايت" - كريستل خليل:
لم تعد مشكلة انقطاع المياه أو تلوّثها او اختفاء مصادرها تنحصر بمنطقة من دون سواها اذ بدأت الأزمة تمتد الى جميع المناطق اللبنانية الساحلية منها والجبلية. تشتد هذه الأزمة كل صيف، وتختلف الأسباب التي تدفع اهالي المنطقة رفع الصرخة عاليا ومطالبة المعنيين بحل لانقطاع مياه الشفة، او ارتفاع نسبة الملوحة في المياه، او تلوّث المياه وتسممها او غيرها من المشاكل التي لم يعد من المسموح السكوت عنها في بلد اشتهر في منطقة الشرق الأوسط باغتنائه بالذهب الأزرق.
لا تنحصر معاناة المواطنين مع مياه الشفة بشح المياه وتراجع نسبة المتساقطات السنوية فحسب، بل جاء تقنين ساعات التغذية بالتيار الكهربائي صيفا "ليزيد على الطين بلّة" اذ يؤثر في ضخ المياه المتوفرة. وبعد كشف أكثر من ملف عما يسبب انقطاع وتلوث المياه في بعض القرى والمناطق ومحاولة ايجاد حلول لها، حذّرت شخصية سياسية بارزة مما قد يؤول اليه الوضع على مشارف شهر ايلول لافتا الى ان لبنان كلّ الناس ستعاني!
المشكلة ليست وليدة الأمس، والاهمال بحق الثروة المائية الوطنية بدأ يحط رحاله منذ عام 2010, بحسب ما لفت اليه الاستاذ الجامعي والخبير الهيدروجيولوجي سمير زعتيتي في حديثه لـ "ليبانون ديبايت". وأكد ان القضية ليست كما يحاول البعض اظهارها بأن لا حلول لها، واسبابها تراجع نسب المتساقطات وارتفاع نسبة الجفاف واستنزاف كمية المياه الجوفية المخزنة في الآبار. لأنه أضف الى هذه العوامل، هناك هدر في المياه، وسرقة اموال الدولة من خلال ايهام الناس بإقامة مشاريع ضخمة تكلّف ملايين الدولارات، وبدلا من ان تخف الأزمة تتفاقم عاما بعد عام الى ان بلغت الذروة والآتي أعظم.
كفى بيع الناس اوهاما، وتحذيرات وحلول ومشاريع غير مبنية على دراسات علمية دقيقة والاستمرار بإهمال الأزمة وتركها حتى تشتد أكثر، قبل ان يطلع بعض من يُطلق عليهم لقب خبير الرأي العام على ان الحل الوحيد لأزمة المياه هي اقامة سدود تنفيذا لخطة انشاء السدود المائية والترويج لها. وفي السياق سأل زعتيتي "5 سدود اقيمت لم تقدم اي نقطة مياه اضافية، ويخططون للمزيد من السدود لنهب المزيد من الأموال؟ سنوات من العمل ومليارات الدولارات صُرفت ولا مياه، فهل من يحاسب؟".
المشكلة الأساس هي عدم وجود سياسة مائية واضحة في لبنان في الوقت الذي يملك فيه هذا البلد اهم ثروة مائية. والحل البديل لأزمة المياه التي تجتاح لبنان هي اعتماد العلم وليس السرقة بالخطوات المتبعة، وفق الخبير الهيدروجيولوجي. ودعا هذا الأخير الى مراجعة التوصيات التي وردت في تقرير الأمم المتحدة لإيجاد طرق تسرع الحلول لأزمة المياه الملحة. والمساعدة في حماية الموارد المائية وجعل الوصول إلى مياه الشرب المأمونة وتحسين الصرف الصحي. وأسف لتحول قضية المياه الى سياسية بدلا من علمية واهمال الآبار كون الاستثمار فيها غير مربح عي جيوب بعض المستفيدين.
ولفت زعتيتي الى ان بعض السدود والمشاريع التي سُجلت على أساس انها انجازات لبعض السياسيين ما هي الا وسائل لسحب اموال الخزينة بمليارات الدولارات واظهار محاولة انقاذ لازمة المياه امام الرأي العام. والمعنيون في السرقة ليس فقط جهة سياسية واحدة بل أكثر من حزب سياسي وبعض العاملين في الوزارة وفي مصالح المياه وحتى بعض الخبراء ومراكز الأبحاث متورطون في السكوت عن كل ما يحصل. وحتى اليوم لا دراسة كاملة تشكل خطط ذات سياسية مائية مضمونة، بسبب هيمنة المافيا المائية التي تمنع الوصول الى حل فعلي.
المدارس والجامعات انشأت لصنع المعرفة، وكذلك مراكز الأبحاث والخبراء والتقارير ولكن بعضا منها لا تلعب دورها بشكل صحيح فيما يخص كارثة المياه. لا بل تعمل على تزوير الحقائق واخفاء الأرقام، والاكتفاء بما يكسب المستفيدين من الأزمة وبعض الجامعات الخاصة تبحث في كل المواضيع الّا في ما يخص المياه الجوفية. وأعطى الخبير مثلا عن احدى محاولاته في ايجاد حل لمدينة بأكملها وانقاذها من ازمة انقطاع المياه، اذ قوبلت المحاولة بعرض صفقة تشارك للتمكن من ربح مليارات الدولارات، الأمر الذي رفضه الخبير بشكل قاطع ولا تزال المنطقة من دون مياه صالحة حتى الساعة.
استشهد الخبير بجملة قالها أحد العلماء الأردنيين عن لبنان لإظهار نتيجة الاهمال الذي يعمد المعنيون على الاستمرار به، اذ قال "لو كنا نملك نصف نسبة المتساقطات التي يتغنى بها لبنان، لحللنا مشاكل الأردن المائية بأكملها، رغم ان مساحة البلد تساوي تقريبا 10 أضعاف مساحة لبنان". أضف الى ان المعدل الوسطي للمياه في لبنان 10 مليار متر مكعب و3 مليار جوفي وحوالي 1,3 سطحي، ولا يستفد الا من النسبة الأخيرة غافلا عن الثلاثة مليار التي تصب في البحر او تذهب للبلدان المجاورة.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News