المحلية

السبت 19 كانون الثاني 2019 - 02:00 LD

"فرمان" أميركي: "الحكومة بشروطنا"

"فرمان" أميركي: "الحكومة بشروطنا"

"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح

بلغَ الإهتمام في القمّة التنموية الاقتصادية أدناه عربياً؛ وفي سكرة العرب، ذهبت عقول السّاسة اللبنانيين فجرفت المسألة الحكومية إلى القاع، وكلٌ ذهب إلى عواصف أزماته يتلو مزاميره على حاشيته، فحل الصقيع الحكومي وافترشَ الفراغ الطريق، وعمّ الركود البلاد، وضرب الجنون العباد، وحضر الأجانب وفي أيديهم أجندات.

على هذا الموال لا يبدو أن أمور الحكومة "ماشية"، وعند هذا الإيقاع حضر المبعوث الأميركي إلى بيروت، دايفيد هيل، يوزع الفرمانات على الحلفاء. ولما كانت شؤون الحكومة متوقفة، وبلغت التعقيدات مستوى الذهول، أخرج الضيف الأميركي من جلبابه حلول، إلى جانبِ إدراك بات الظنُ به يتعاظم، مفاده أن رحلة التعطيل طويلة، طويلة قاسية وعنيدة، ولا مستكشف فيها.

وعلى مسمعِ الجميع، لم يجد الضيف الأميركي حرجاً في قول مشيئته، قدم مفاضلة تقوم على قاعدة النصح بـ"إحياءِ حكومة تصريف الأعمال" في استنساخٍ واضح للمصطلحات اللّبنانية مع مفارقة تحويلها إلى موجة نطق وفق اللّهجة الأميركية، التي لا تؤخذ من وجهةِ نظر بل كفعل أمر. مفاضلة "تصريف الأعمال" لا تأتي من دواعي المحافظة على الإستثمارات الأميركية أو تعود إلى الصعوبات الكامنة خلف تشكيل الحُكومة الجديدة، بل لأن الأميركي يريدُ حكومة "على منهجه" لا تأخذ بعين الإعتبار التغيرات السّياسية التي نشأت بعد الإنتخابات فـ" نوع الحُكومة اللّبنانية يهمّنا" هذا ما قاله هيل ويلخصُ كل القضية.

كلام "الدبلوماسي" الأميركي كان أقرب إلى قرارات المفوضين الساميين منه إلى النصح، فموقف الأميركي ملزم، هو يريد تفعيل الحُكومة لغرضٍ يهم مصالحه. الكلام الواضح، لا يأتي من خشية على استثمارات لواشنطن في لبنان، بل من إهتمامٍ يصبو إلى المحافظة أو تعزيز حدود تواجد واشنطن في المنطقة لا تقليص مناطق نفوذها وهي المتوجّسة من الحضور الإيراني، وما دامت لغة الصراع أميركية - إيرانية، فممنوعٌ على حلفاء الأخيرة كسب أي جولة داخل المناطق التي تعدها واشنطن "مناطق نفوذ"، أو الصعود إلى أي مواقع يمنحها حضوراً مؤثراً.

هذه القاعدة تنسحب على الحُكومة اللبنانية، بعدما أدرك الأميركي أن الفئة المنتصرة في إنتخابات ٦ أيار تمضي إلى تقريش لغة انتصارها داخل مجلس الوزراء، ما له أن يخلق توازنات جديدة في تركيبةٍ حكومية تقلص قيمة وموقف حلفاء واشنطن وترفع من قيمة حلفاء المحور المقابل، بل تجعلهم في موقع القرار المؤثر، وطبعاً هذا الفعل مرفوض أميركياً كونه يسحب أوراقاً من يد واشنطن.

من هُنا أتى الكلام واضحاً، "لا حكومة جديدة وفق توازنات بديلة والافضل الذهاب إلى خيارِ حكومة تصريف الأعمال كي تنجلي أمور المنطقة"، خلاصة موقف هيل الغير معلن. كان قد سبق كلام المبعوث الأميركي، كلام آخر مشابه يلاقي نفس الهدف ولكن بمضمون مختلف ورد عن لسان مسؤول أميركي يوم بلغ مستوى الحل الحكومي حدود خط الانفراج قبل أن يسقط (تسوية توزير جواد عدره) طاول ايضاً شكل نفوذ حزب الله، جاء بلغة الحزم.

هناك من يدّعي اليوم أن أحد أسباب سقوط تلك التسوية يعود إلى الموقفِ الأميركي المتشدّد، وما يرفعُ من قيمةٍ ذلك الإعتقاد المواقف التي أدلى بها هيل خلال اجتماعاته البيروتيّة، سيّما تلك المتصلة بمستوى حضور حزب الله داخل وزارة الصحة. ما يحملُ الكثير من علامات الإستفهام، هو نقل التحذيرات من تبوء شخصية من الحزب وزارة الصحة من مستوى الكلام الإعلامي إلى مستوى الرسائل الدبلوماسية المتفجرة التي وضعها هيل لدى من يعنيهم الأمر، محذراً من عواقب وخيمة قد تنطلي عن حدوث هذا الأمر.

طبعاً، يتحدثُ الأميركي من لسانِ المتحكم في الأمور، هو لن يترك حزب الله يسرح ويمرح في حكومة تعطيه زخماً اضافياً، وبالتالي الأميركي لن يقبل بحكومة ترد لحزب الله حظوظاً وافرة قياساً مع الفرقاء الآخرين، بل يبدو عليه أنه جهّز وحضّر مضبطة إتهام لها أن تفي غرض ضرب الحزب بصحته، وهو كلام بدأ الهمس به منذ لحظة مغادرة "الوكيل" الأراضي اللّبنانية.

ثمّة إعتقاد باتَ يسود جانب في الصالونات السّياسية، ولو بشكل جزئي، قوامه أن حزب الله ما دام يطالب بوزارة الصحة، إذاً فلنسقط عليه سيف التهويل بالضغوطات، ما قد يؤدي إلى كربجة توجهاته أو لفها بشيء من المحدودية.

وسطَ كُلّ ذلك وزحمة الملفات الطارئة، غابت أيُّ مبادرة جديدة في شأن معالجة العقدة الحُكومية، ولم يعد أحد من الوسطاء يتحركُ على خطوطِ الأزمة، ما قابلته مصادر مواكبة لعملية تشكيل الحُكومة، من أنه "أمر مقصود حتى تنجلي عبار التسويات في المنطقة".

وفي بواطن نفوس تلك الأوساط، إعتقاد يبدو راسخاً كلما زادت المماحكات الدّاخلية ضراوة وتولدت أصناف جديدة من الإشتباكات واستعرت، تدلُ إلى وجود قرار بتمضية عهد ميشال عون من دون حكومة، وإبقائه ضمن حدود تصريف الأعمال، طالما أن هناك فريق داخلي مناوئ لرغبة واشنطن، يريدُ تصريف تقدمه النّيابي وزراء في الحُكومة.

ووفق نظرتها، أنه وطالما لم يجرِ ترتيب الأوضاع بعد على صعيد المنطقة، ولم يجد الأميركي سبيلاً لهضم تطلعات حزب الله وحلفائه داخلياً، ولم يوجد الأخير ومن معه ترياقاً مناسباً يؤتي مخرجاً، تبدو الحُكومة في غياهب النسيان، وما ينتظرنا في قادم الأيام أشواط من المعارك الداخلية الجانبية، ومزيداً من لغة التأزيم والتأخير، وصرفاً مضافاً لكل ما قدم، حتى يَرد الحل.

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة