ليبانون ديبايت - عبدالله قمح
هناكَ مثل شعبي قديم يعرفهُ أهل الجنوب «العتاق» ويردّده قسم منهم تحديداً أولئك الذين يعرفون قصّته. يُقال «إنخلي يا هلالي» وعادة يستخدمُ هذا المثل للدلالة إلى الإستهزاء من شيء. تعود قصته إلى فتاة عاشت في زمنٍ قديم اسمها هلالي (أو هلالة)، عرف عن والدها أنه مصلح إجتماعي، وكان حين يردُ إليه أحدهم لاخباره «خبرية» لا تعجبه أو قد لا يكون متشجعاً لها يصيح بابنته «إنخلي يا هلالي» ليضيّع الموضوع... هذا المثل يصح اليوم قوله على من يعارضون زيارة وزير شؤون النازحين إلى سوريا ويريدون تضييع الموضوع عبر اللّجوء إلى تهبيط الحيطان على رئيس الحُكومة سعد الحريري.
الحقيقة التي لا يدركها المعترضون، أنهم يسيرون في اعتراضاتهم و «تطبيع» العلاقات مع سوريا يسيرُ خلفهم وليس هناك من سبيلٍ واضح لوقف هذا المسير، حتى أن المواقف والسّقوف المرتفعة والحملات الكلامية كلها تصب في خانة تسريع التطبيع لا الحد منه، إذاً هي تخدمه وهؤلاء يخدمونه وليس العكس.
مثلٌ آخر عن الخدمات، فمثلاً شنّت المصادر على شتى أنواعها وأصنافها، أي تلك المُقربة من بيت الوسط أو رئاسة الحُكومة أو البعيدة عنهما، حملات إعلامية طوال ساعات على شكلِ تسريبات إلى وسائل الإعلام تدعى عدم علم رئيس الحُكومة بنية وزير شؤون النازحين صالح الغريب زيارة دمشق، ليثبت لاحقاً أن الحريري وضع بصورة التحرك إلى جانب رئيس الجمهورية.
فحين طرح الموضوع، أخذ الوزير الغريب على نفسه إبلاغ الرئيسين عون والحريري بنيّته. بدا الأول مرحباً، لكن الأخير سمع الطلب وطنّشه رافضاً إبداء الرأي فيه، ولكون القاعدة أن الصمت أقرب إلى الموافقة من إلى الرفض، مضى الوزير المعني بزيارته.
هنا تحضر قضية أساسية، أن رئيس الحُكومة عند طرح إسم الغريب لتولّي وزارة النازحين عن جهة سياسيّة تمتاز بعلاقتها الطيّبة مع دمشق، كان يعلم تماماً ومسبقاً أن هذا الوزير سيعمل على خط العاصمة السورية ذهاباً واياباً، وبمجرد القبول به وزيراً يعني ذلك أن الحريري موافق سلفاً على مشروعه.
المُثير للريبة، أن أجواء المطلعين على موقف الرّئيس الحريري ينفضون اليد من التصريحات التي تزامنت وزيارة الغريب، والتي أشارت إلى إمتعاض رئيس الحُكومة أو دلت إليه، بل أن بعضهم يعتبرُ أنها لم تصدر اصلاً عن رئيس الحكومة أو هي إنعكاس لأجوائه، والإشارة البالغة أنهم يتهمون البعض بـ«إنتحال صفة دولته» في إسدالِ الردود على وسائل الإعلام.
أكثرُ من ذلك، ثمّة من بينهم من يسمحُ لنفسه القول أن رئيس الحُكومة لم يكن منزعجاً من الزيارة إلى هذا القدر الذي جرى تصويره، وأصلاً لم يعهد عن رئيس الحُكومة أن تصرف بخشونة أو انتقادَ بشكلٍ زائد أو لاذع قضيةً ما. وعملاً بذلك نعود إلى سياقِ البحث عن من أرادَ توريط رئيس الحُكومة بمشكل على أبوابِ جلسة حكومته الأولى والإفراط بتصويره على عكس ما هو عليه.
هُنا، وكنوعٍ من الدلالةِ إلى أن موقف الحريري لم يكن فجّاً، يذكرُ المطلعين أن وزير شؤون النازحين وحين عادَ إلى بيروت، طبّق ما وعد به، اولاً لجهة إبلاغ الرئيسين بعودته وثانياً طلب اللّقاء بهما من أجلِ وضعهما بصورة ما بحثهُ في دمشق، وهذا يعني أن لقائه أمس بالرئيس الحريري بعد الخلوة مع الرّئيس عون لم يأتِ من باب الإستدعاء كما روّج البعض بل من باب طلبهُ المُسبق إجراء اللّقاء! وفي هذه تتوّفر علامة ثانية من علاماتِ مصلحة البعض في تهبيط الحيطان على رئيس الحُكومة.
اللّافت، أن سيناريو تسريب المعلومات ذات السّقوف العالية تزامن وزيارة السّفيرة الأميركية في بيروت، اليزابيث ريتشارد، إلى بيت الوسط قبل ساعتين تقريباً من موعد زيارة الوزير الغريب.
عقُب هذا اللّقاء، تلت السّفيرة بياناً خطيّاً كُتب سلفاً وليس ارتجاليّاً على منبرِ بيت الوسط، طالت فيه مسألتين أساسيتين بالنسبة إلى الحُكومة الأميركية: عودة النازحين ومستوى تمثيل حزب الله داخل الحُكومة.
وقد أعربت الزائرة بوضوح رفض حكومة بلادها القبول بأي شكلٍ من أشكال عودة النازحين السوريين الآن من خارج السيناريو الدولي المرسوم والمعنون تحت عبارة «العودة الطوعية»، وهو ما أوصل المواكبين إلى الجزم بأن السّفيرة ريتشارد أوصلت رسالة أميركية شديدة الوضوح إلى الحريري عنوانها «كبح الاندفاعة نحو تطبيع العلاقات مع سوريا وتهدئة مشوار عودة النازحين» ومن ضمن ذلك «دوزنة حركة الغريب».
واصلاً كان ترد من بيروت رسائل فجّة إلى الحريري بعناوين مختلفة نشرت على الإعلام المحسوب على القوى المصنفة «سيادية» يمكنُ تصنيفها في حاجة «هز العصا»، إلى حدِ بلوغ جهات مستوى إشاعة أمور منافية للواقع كـ«إهتزاز التضامن الحكومي» وإحتمال أن ينعكس ذلك سلباً على الحريري الذي قد يندفعُ اخيراً إلى الخروجِ من الحُكومة.
وليس سراً أن هذا السّياق يؤشرُ إلى وجود اطرافاً باتت تنشط على خط محاولات إبتزاز الحريري بمسألة التضامن الحكومي لدفعهُ إلى إتخاذ موقف صريح من الإندفاعةِ صوب دمشق، خاصّة بعدما ظهر لها طوال فترة رشق زيارة الغريب، أن لا بياناً أو تعليقاً رسمياً صدر، لا عن لسان الحريري ولا السراي يُدلي بموقف حول للزيارة، ما زادَ من الإعتقاد بوجود موافقة مسبقة ولو ضمنية.
من هُنا، لا يعودُ البحث صعباً إذا ما قررنا معرفة من هي الجهات المستفيدة من إشاعةِ وإختلاق أجواء تزايد على موقفِ الحريري، حين نعلمُ أن حزبي القوات والإشتراكي بصدد طرح الملف على طاولةِ جلسة الحُكومة الأولى.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب
Follow: Lebanon Debate News