ليبانون ديبايت - عبدالله قمح
التبست أمور الموازنة، وسائر الطبقة السياسيّة علينا، وغدونا لا نعلم ما الذي يُريده «نادي السّياسيين» بالضبط، هل يُريد ترشيدَ موازنتهِ كي تتلائم ومستوى خفض العجز الذي يُنادى به، والذي يوجب تعميم «أوامر عمليّات قاسية» على كافةِ الصُعد ومنها جيوبه، أم هو يُريد استهداف الجيش اللبناني حصراً وصولاً لتحويله إلى ما يُشبه «شرطة بلديّة»..! هذا بالضبط ما غاصت به قراءته لمستويات عديدة خلال الأيّام الماضية!
طبيعة «مد اليد» على ميزانيّةِ الجيش تُشبّهها بعض الأوساط بطريقة «مد اليد» على جهاز القضاء، الأسلوب الجاري إستخدامه اليوم! لا بلّ أنّ قِسماً كبيراً من هذا الوسط، انكبَّ على إجراءِ تقييم حول مضار الاستمرار بهذه السّياسة بحق الجيش، الذي تشكّل النسبة الأكبر من موازنته رواتبَ لعناصره!
حتّى أنّ الطبقة السياسيّة لا تستطيعُ تمنين الجيش بأموال، لكونها لا تصرف له ميزانيات تخوّله مثلاً تقوية نفسه واستقدام السلاح من مصادرٍ أخرى غير تلك التي ترده من دول معروفة على شكل هبات.. عند هذه النقطة، ثمّة من يسأل بتعجّب: «إنطلاقاً من أي خانة تتمرجل الدّولة على الجيش؟».
هناك وسط آخر يطرحُ فرضيّات قاسية على طاولةِ البحث، تمتاز بالذهاب إلى أقصى مستوى من التطرّف، بحيث يمكن تحسّس وجود نوايا خبيثة ترسمها الطبقة السياسيّة بحق الجيش، لها أنّ تُدخل تغييراً بنيويّاً كبيراً على مهامه وشكله، وهذا طبعاً ما سيجرّ إنعكاسات سلبيّة على مستوى حضوره وجاهزيته.. وإنطلاقاً من هذا تسأل : «هل يريدون إدخال الجيش إلى الثكنات؟ وإذا صح ذلك، من سيتكفلّ بحماية البلاد؟».
عند هذه النقطة يجري البحث عن الجهة المستفيدة من عمليّة تجفيف قدرات الجيش على النحو الذي نشهده الآن في الموازنة، إلى جانبِ درس المضار الناتجة عن إنخفاض مستوى حضوره في الدّاخل، ومدى تأثير ذلك في ظلِ المعلومات التي تتحدّث عن إرتفاع الحيطة من «زحف الإرهابيين» نحونا مُجدّداً!
الغريب في الأمر، أن ّحالة التقشّف التي تطالُ الجيش اليوم، تؤثّر بشكل سلبي على مستوى حركته، ومن المعلوم أنّه الجهة الأكثر صلاحيّة للتدخّل في مجالِ حفظ الاستقرار الداخلي، وهو أكثر طرف «يشحذ السّياسيين» خدماته تحت عنوان «حفظ الاستقرار الدّاخلي»، لا بل أنّ الأكثر غرابة، ما يدور حول الشروع في التخفيضات قبل أن ينتهي المجتمعون من بحث الموازنة!
المعلومات المتأتية عن مصادر عسكريّة، تؤكّد خضوع أكثر من جانب لدى الجيش إلى عمليّات «تجفيف ماليّة» أثرت على حركته، وللحقيقة، فإن المستويات العسكريّة باتت تستشعر بنتائج عمليّات التجفيف تلك، وباتت تدرسُ بجد تأثيراتها على مستوى الجاهزيّة، من هنا كان خطاب قائد الجيش العماد جوزاف عون أمس الأوّل، الذي يمكن اعتباره التحذير الملفوف بنصيحة: «إن الإستثمار في الأمن هو استثمار في الإقتصاد».
لقد غاب عن بال النادي السّياسي الذي يُشرّح اليوم التقديمات إلى الجيش، أنّ المؤسّسة نفسها أعادت تجيير «خطّتها الخمسيّة» إلى الخزينة، والتي كانت تُقدّر بـ ٥٠٠ مليار ليرة متاح صرفها من قبلها على مدى ٥ أعوام بدءاً من عام ٢٠١٧. وفي المعلومات، أنّ «اليرزة» التي استخدمت فقط من الإعتماد نحو ١٢٠ مليار ليرة، أعادت تجيير ما يقارب ٣٨٠ ملياراً إلى الخزينة.. وترك نفسها معتمدةً على الهبات!
لكن هذه الخطوة التي نستطيعُ القول أنّ أحداً ما في الدولة لم يقدم على مثلها، لم تشفِ غليل «النادي» المعتطّش إلى جز المزيد من أموال الموازنة العسكريّة، بحيث يُبحث الآن تخفيض ١٢٠ مليار ليرة من أصل موازنة وزارة الدافاع المقدّرة بـ ٢٩٠٤ مليار ليرة (موازنة عام ٢٠١٨)، يذهب منها 1961 ملياراً كرواتب إلى العناصر، ويبقى ٩٤٣ ملياراً هي كل موازنة الجيش التي تُعد من أبخس الموازنات في الجمهوريّة، وتفوقها مثلاً مساهمات الدّولة في الجمعيّات التي لا تبتغي الربح!
بهذا المعنى تريد الحكومة الحاليّة سلب ١٢٠ ملياراً من أصل المبلغ المفترض، ٩٤٣ مليار ليصبح ٨٢٣ مليار، وقد لوحظ أنّ هذا التخفيض سيشمل الأبواب التالية:
-التغذية
- المحروقات (الوقود والزيوت والشحوم)
- قطع الغيار الخاصة بالسيّارات العسكريةّ
- دورات التطوير
- التقديمات المدرسيّة
- النفقات السّرية
ولعل أكثر ما يؤرق المؤسّسة العسكريّة، هو إنسحاب التخفيض على أمورٍ حيويّة تحتاجها، وتعد عاموداً فقريّاً في نشاطها كـ «الغذاء» الذي تحتاجه لمد العناصر، خاصة اولئك المنتشرين في المناطق البعيدة، والمحرقات لزوم السيّارات العسكريّة، بالاضافة إلى قطع الغيار. وفي المعلومات الخاصة، أن المؤسّسة العسكريّة تُعاني منذ ٥ أشهر تقريباً من نفاذ السِلف المخصّصة لشراء قطع غيار السيّارات، ما جعلَ كثير من الآليات خارج الخدمة، مع أنّها تُعد شرياناً حيوياً يعتمدهُ الجيش.
وفي مجالِ المحروقات (الزيوت والشحوم) حدّث ولا حرج، بحيث أنّ تجلّيات الأزمة بدأت تطلّ برأسها، علماً أنّ هذه الامور تُعدّ من البدهيّات لدى أي جيش!
ولعلَّ أكثر الهواجس التي تؤرق «اليرزة» تَكمن في المادتين ٤٩ (وقف تطويع الضباط والعسكر) و ٥٠ (تسريح العمداء). فالأولى لها تأثير بالغ على الهيكليّة العسكريّة و تجديد الدم، بحيث سيؤدّي هذا التدبير إلى وقف ضخ الدم الجديد ورفع نسبة أعمار الضُبّاط و الرتّباء والعسكريين، ما سيكون له تأثير بالغ.
أما المادة الأخرى فلا تقل أضرارها عن الأولى، بحيث يؤدّي تأخير تسريح العمداء إلى حصول تضخم داخل السلك، بحيث يتوقّع أنّ يرتفع عدد العمداء في نهاية العام الحالي إلى أكثر من ٤٠٠، علماً أنّ الخطّط الحكوميّة التي يجري الحديث عنها الآن تهدف إلى حصر العدد بـ ١٥٠ فقط!
والغريب الذي لا بُدَّ من الإشارة إليه، أنّ الحُكومة تُخطّط إلى وقفِ تسريح العمداء، ما يعني استمرار تسديد نفقاتهم الطبيعيّة وهم فعليّاً لا يؤدّون الخدمة بل موضوعون في تصرّف القيادة من دون أي وظيفة! فكيفَ يجري الحديث عن خفض نفقات في ظل رفض تسريح العمداء وتركهم بخدمة من دون وظائف؟!
بهذا المعنى، ثمّة شعورٌ لدى مستوى ليس بقليل، حول إحتمال وجود خِطّط لإنهاء دور الجيش في الدّاخل ! وإزاء ذلك، يَبرز سؤال منطقي وطبيعي: «ماذا تريد الطبقة السياسيّة بالضبط؛ هل يريدون جيشاً مكتملَ الصفات، أم شرطة بلديّة مهمّتها ضبط ومراقبة الزواريب والطرقات..؟!».
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News