ليبانون ديبايت - عبدالله قمح
يسقطُ من أدبيات الحزب التّقدمي الإشتراكي، أن صفة "الهمجي" و "البربري" تنطبق على من يهم بقطع الطرقات وممارسة فعل الإعتداء على الناس، ولا يصلح إطلاقها بأي شكلٍ من الأشكال على من يُلاحق قطّاع الطرق من "النسانيس" المُتنقلين أو المتخفّين داخل البساتين، كذلك تسري القاعدة على الحزب الديمقراطي ولو بوتيرة أقل، حيث لا يجوز أن يفتعل جوقة إتهامات ويسلّط حممها تجاه الجيش، خاصة حين تكشف الخيوط أنّ الخلاف القائم من جانبٍ واحد، هو على إسم ضابط لا أكثر!
من الواجب وأمام إختبار الموقف الذي وُضِع الحزب الديمقراطي تحت مجهره، أن يمتحن نفسه ويربو بها عن الدخول في معارك جانبية توازياً مع المعركة الأساس التي يخوضها، بعد حادثة التّعرض لموكب وزيره صالح الغريب، وأن لا يدعَ مجالاً لتشتيت انتباهه عنها، ويترك الجيش يتمّم واجباته التي شرَع َتنفيذ فصلها الأقصى أمس الأول.
ومن الأمور اللّافت للإنتباه التي سجلت خلافاً للجو السائد، أن الحزبين اللذين تفرّقا في السّياسة والأمن وأصبحت بينهما دماء، الإشتراكي والديمقراطي، يتضامنان في تسديد الإتهامات إلى المؤسسة العسكرية وذم الجيش، كلٌ من موقعه، وهو ما أثارَ حفيظة المرجعية السّياسية التي تُحسب عليها المؤسّسة وضُبّاطها، لا سيّما وأن الكلام يصدر عن حليف!
ولعلَّ أكثر ما يقض المضاجع، أن وزير الدفاع الذي يفترض أنه الوصي السّياسي على المؤسّسة العسكرية وحارس أبوابها، ما زال يناور أو يمارس لعبة الصمت تجاه الحروب الكلامية التي تشن ضدها، والثّقيل في مكان، تقاسمه الصداقة والتحالف مع هؤلاء، ولا يبدو أنه يمون عليهم بكلمة أو طلب لتحييد الجيش، ما أوصلَ مراجع إلى استنكار هذا "التّصرف الغريب والغير مسؤول".
تنقل أوساط مواكبة للأزمة المُفتعلة بين الجيش ودارة خلدة، أن "المير" طلال أرسلان لم يجد صدى خلال زيارة "الشكوى" التي أدّاها إلى قصر بعبدا، فالمصيبة أكبر من نميمة، وكان الجوم بادياً على وجوه الحاضرين، بفعل زج الجيش في حمى المعركة، الجيش نفسه الذي حاولَ البعض جرّه إلى إشتباك قبل ساعات في الجبل. وقد اسديَت النصيحة إلى أربابِ "الدّيمقراطي" تحديداً، من أن الحملات لا طائل منها ما دامت تقومُ على قشور، فلا مصلحة للمير في ظلِ خوضه المعركة بوجه الإشتراكي، أن يفتح على جبهةٍ أخرى!
المشكلة التي لا يخفي فصولها "المير"، تبدأ من غياب الكيمياء، نتيجة تراكمات لها صلة بطلبات لا تُلبّى، والأمن بالتراضي لا يؤتي ثمره، وهذا نابع من منطق التفكير المتبع لدى القيادة العسكرية التي لا تقبل "تبويس اللّحى" على حسابِ أمن الناس، ولا يبدو أن "الكيمياء" ستجد طريقها إلى الجسد ما دامت قاعدة التفكير تمر من منطق "تسليف الخدمات".
كذلك وعلى رأيٍ متابعين لفصول الإشتباك، فالزج بمجموعة ضُباط، لا ينم عن خلاف شخصي معهم، فلا معرفة شخصيّة تجمعهم به، والمتعارف عن الضباط ابتعادهم عن الخوض في لعبة PR السّياسة، فما المشكلة إذاً؟ بكل هدوء قصة بسيطة لا تغدو أبعد من مركز يدور إنزعاج في "دارة الإمارة" حوله، بل يبدو واضحاً أنها لا تجد طريقها إلى طرح بديل على مستوى CV تعيين مفصّل وفق مصالحها، فلا يمكن التّغاضي عن إرتكاب أحدهم جرم والهروب والتّلطي بالمرجعيّة.
هذا كله يوصل إلى فرضيّة "التعيينات".. إذاً القصة قصة تعيينات لا أكثر ولا أقل، قصة حقوق وتبدل موازين، ثمّة من يسعى إلى فرضها من بابِ التّبدل الطارئ في الحقلِ السّياسي، وثمّة أجواء توحي إلى توفر نيّة للإستثمار بإحداث تغيير على المستوى الأمني تعود الأسباب في جانبٍ منها إلى حوادث "الأحد الأسود".
إدّعاء تقصير الجيش يندرج تحت هذه الخانة، أي توفير ذرائع وإصابة هدف على مسلك أهداف متدرجة و متدحرجة لتأمين تمرير سلس لتعيينات، وأحلام يجري البحث عنها في أذهانِ البعض، إنّما هناك قطبة قد لا تفيد لمثل هذا التسويق، تكمن في غيابِ الدليل حول التقصير.
فطوال نهار الأحد، وبشهادة وزير الدّفاع الذي هو حليف لأحد أقسام الفرع المهاجم للجيش، أقر أنّ المؤسّسة العسكرية أوصلت معلومات حول تحركات مشبوهة، و قامت بتحركات على الأرض محاولة استئصال المشكلات، وصولاً لبلوغها حدود المواجهة مع الناس في كفرمتى، فهل المطلوب وضع الجيش في مواجهة الناس قد يرضى عنه؟!
ثم أن الجيش عمِلَ كـ "موظف إجلاء" عند اشتدادِ الأزمات وهو حاضر فعلاً لوأد الفتن المُتنقلة في كُلّ اتجاه وعلى مدى سير الرحلات غير معروفة الأعداد.
في الخُلاصةِ الجيش مسؤول عن حفظ الأمن الدّاخلي، وهو ليس في واردِ تقريش مهامه وقبضها مكتسبات سياسية عند إتمامه لأدوار ليست له. المساهمة في "ترشيد" عمل الجيش، كما يحب البعض أن يدّعي، لا تمر في التّعرض له، بل تخفيف النبرة السّياسية التي يتولى الجيش تنظيف مخلفاتها مرغماً.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب
Follow: Lebanon Debate News