اخر صفحة

placeholder

LD
الاثنين 08 تموز 2019 - 15:58 LD
placeholder

LD

عناصر البيئة الثقافية في لبنان ومشاركة المرأة السياسية

عناصر البيئة الثقافية في لبنان ومشاركة المرأة السياسية

أ.د.فهمية شرف الدين:

ينص الدستور اللبناني في مقدمته على ان لبنان " عضو مؤسس من منظمة الامم المتحدة ويلتزم بمواثيقها والإعلان العالمي لحقوق الانسان" كما ينص في احكام اخرى منه على ان كل اللبنانيين سواء لدى القانون، يتمتعون بالسواء بالحقوق المدنية والسياسية، لكن الدستور اللبناني لا ينص صراحة على المساواة بين الرجل والمرأة كما تفعل معظم الدساتير الغربية وبعض الدساتير العربية.

على ان قانون الانتخاب الذي اصدرته دولة الاستقلال لتنظيم العمليات الانتخابية في لبنان اعطى المرأة الحق في المشاركة السياسية سنة 1953. وذلك تحت تأثير الضغوط التي مارستها نقابة المحامين والرئدات في الحركة النسائية اللبنانية. ومنذ ذلك الحين والمرأة اللبنانية تتمتع بحق المشاركة في جميع العمليات الانتخابية. ومع ذلك فإن وصول المرأة الى الندوة اللبنانية كان متأخراً جداً، وهي دخلت الندوة البرلمانية" بلباس الحداد" حسب القول الشائع في لبنان.

ففي سنة 1963 انتخبت السيدة ميرنا البستاني خلفاً لوالدها إميل البستاني لاستكمال ولايته.

وفي سنة 1991 عينت السيدة نائلة معوض نائباً في البرلمان بعد استشهاد زوجها الرئيس رينه معوض، وحتى بعذ اتفاق الطائف الذي اعلن انتهاء الحرب اللبنانية وبداية مرحلة السلم الاهلي. فإن نجاح ثلاث سيدات في الانتخابات لم يكن بعيداً عن كفالة ما للزوج او الاخ. فالمبايعة التي حصلت عليها نائلة معوض من العائلة، وقبلها السيدة نهاد سعيد بعد وفاة زوجها، لا تعتبر مؤشراً لتخطي الضوابط التقليدية التي تحدّ من الحياة السياسية في لبنان.

وتشير د. مرغريت حلو الى ان منطلقات المبايعة" عاطفية" (اثر صدفة اغتيال الرئيس معوض) كما انها تحت تأثير غياب الوريث الذكر القادر على استلام الإرث. وسبب آخر تضيفه د.مرغريت حلو هو غياب المنافسة كما في حالة السيدة مهى الخوري التي ربحت المعركة الانتخابية بعدد من الاصوات لم يتجاوز ال 43 صوتاً وكان ذلك نتيجة للمقاطعة السياسية التي نفذتها المنطقة الشرقية (المسيحية بشكل عام) الى جانب ارتباط ترشحها ونجاحها بوفاة شقيقها على ايدي الميليشيات اليمينية.

ولقد شذت عن هذه القاعدة السيدة بهية الحريري، لكنها هي الاخرى فازت بدعم من شقيقها الرئيس رفيق الحريري.

ولقد تكرر الامر في انتخابات 1996، حيث فازت ثلاث سيدات وحتى في الانتخابات الاخيرة لم تدخل الندوة البرلمانية سوى 6 نساء وكان هذا الرقم هو المسموح به في ظل المعادلات السياسية الراهنة.

واذا كان ترشح النساء للانتخابات لم ينقطع من 1953 وان ظلّ محدوداً جداً، فإن هذا الترشح كان دليلاً على إصرار المرأة على ممارسة حقها بالمشاركة فقد ترشحت السيدة اميلي فارس ابراهيم سنة 1953 ثم ما لبثت ان سحبت ترشيحها وفي سنة 1957 ترشحت السيدة لور ثابت ايضاً وسحبت ترشيحت قبل حصول الانتخابات وفي سنة 1960 ترشحت السيدة منيرة الصلح وحصلت على 2165 من اصل 53100 صوت، وكذلك ترشحت السيدة زينة الحاج في الانتخابات نفسها وحازت 601 صوتً من اصل 23024 صوتاً. وسنة 1964 ترشحت سيدتان هما منيرة الصلح وابريزا المعوشي، واعادت الكرة سنة 1968 السيدة منيرة الصلح وكذلك السيدة نهاد سعيد، وفي سنة 1972 الانتخابات الاخيرة قبل اندلاع الحرب اللبنانية سنة 1075 كان هنك ثلاث مرشحات، هن اميلي فارس ابراهيم ونهاد سعيد ونظيرة طرباي.

هكذا نرى طريق المرأة اللبنانية في المشاركة السياسية لم يكن ممهداً بالرغم من الإقرار بحقها القانوني في المشاركة لأن العقبات التي تحول دون وصول المرأة الى الندوة اللبنانية ليست دائماً حقوقية ويتفق الباحثون والباحثات على ان ثلاث عناوين تختصر هذه العقبات الاولى منها الثقافة السائدة والتي تتمييز بكونها ذكورية ابوية والثانية الاقتصاية المرتبطة بموقع المرأة في العلاقات الاقتصادية، والتكاليف الحقيقية للحملات الانتخابية التي لا تستطيع المرأة تحملها، اما ثالث هذه العوامل فهو سياسي بامتياز نتيجة لتفصيل قوانين الانتخاب على قياس زعماء الطوائف وأمرائها من جهة وتدهور الاحزاب السياسية او غيابها من جهة اخرى، كل ذلك في وضع اقليمي وعربي شديد التعقيد والتركيب يستأثر لبنان بالكثير من نتائجه البائسة.

ونزعم هنا اننا نستطيع ادماج هذه العناوين الثلاثة في عنوان واحد يؤطر وضع المرأة التاريخي وموقعها الحالي في المجتمع، هذا العنوان هو المنظومة التربوية.

ونعني بالمنظومة التربوية مجموعة القيم التي تخترق العلاقات الاجتماعية وتنعكس في نظم التربية والتعليم وقواعد الضبط والسلوك الاجتماعي.

وهي مسؤولة الى حد بعيد عن انتاج الصور االنمطية للرجال والنساء على السواء.

فالموقف من النساء لا تحدده القوانين فقط، بل تمليه مجموعة القيم الابوية التي تجعل صورة المرأة ودورها ومكانتها وطرق التعامل معها مرهونة بكيفية اشتغال هذه القيم التي تستبقي الفصل بين العام والخاص في إطاره التقليدي. ذلك الاطار الذي يستبعد المرأة من الاطار العام ويحول دون الاستفادة الكاملة من البيئة القانونية الملائمة لمشاركتها في الحياة العامة.

لا نريد الاسترسال في وصف المشكلات المتعلقة بالمنظومة الابوية لأن هذه المنظومة تتعدى المدرسة التي تكرس مناهجها صورة العزل العنصري بين الرجل والمرأة عبر تكريس الادوار التقليدية لكل منهما، تتعداها الى التربية داخل البيت وفي المجتمع على السواء، حيث تساهم المرأة دون وعي منها في اعادة انتاج الصور المختلفة للمكانة والدور لكل من المرأة والرجل على السواء.

وقد يصعب علينا ان نزيل الالتباس عن المسؤولية الفعلية التي تحملها المرأة في سياق اعادة انتاج الصورة الحالية للمرأة، الا انه لا بد من الاشارة الى ان " العنف الرمزي " الذي تحدث عنه بيار بورديو بصفته " وسيلة اساسية للاستمرارية التاريخية" " والاستلاب العقائدي" الذي تحدث عنه د.مصطفى حجازي والذي تخضع له المرأة يعززان عمل الفعل البيدلغواجي لدى النساء والرجال على السواء. لأن " وكل فعل بيداغوجي هو موضوعياً عنف رمزي بصفته فرضاً لعسف ثقافي بواسطة سلطان ثقافي" كما يقول بيار بورديو.

فكيف يتجادل الموضوعي مع الذاتي في المشاركة السياسية للمرأة اللبنانية اليوم؟؟.

والذاتي يزداد حدة مع تنامي نجاحات النساء في مجالات متعددة.

اما الموضوعي فهو التجسيد الحي للعقبات الثلاث التي اصبح العمل على تجاوزها امراً ملزماً.

هي بمعنى آخر التحديات التي لا بد ان تواجهها النساء ولعلنا لا زلنا في اول الطريق.

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة