"مصير العلاقات اللبنانية ـ التركية"... عنوانٌ تطرَّقت الى مضمونه وسائل الإعلام والمواقع الالكترونية الاخبارية منذ التصريحات التي أدلى بها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أثناء خطابه بمناسبة بدء سنة المئوية الأولى لإعلان دولة لبنان الكبير، وحديثه عن الحقبة العثمانية، وبعدها بيان الخارجية التركية "الحادّ"، مرورًا بردِّ نظيرتها اللبنانيّة فاستدعاء السفير التركي لدى لبنان هاكان تشاكل أمس الثلاثاء.
هذه السجالات، تُظهر الحاجة، الى إعادة التذكير بمقالٍ للصحفي أنطوان سعد حمل عنوان "حذار الألزهايمر وحذار الحقد" نشره بتاريخ 23 نيسان 2015 في موقع "Mon Liban"، وتطرَّق فيه الى الخسائر التي تعرّضت لها بيروت وطرابلس بحسب الوثائق العثمانية، وبمذكّرات "السيدة الاستثنائية" عنبرة سلام الخالدي، شقيقة الرئيس صائب سلام حول ارتكابات الأتراك بحق أهل بيروت الذين قالوا، "لتأتِ القرود وتحكمنا، فهي خير من هذا الحكم الجائر".
وجاء في المقال:
تشي ردود الفعل الحادة في بعض الأوساط اللبنانية، وبخاصة في طرابلس، على احتفالات الذكرى المئوية الأولى للمجازر الأرمنية، أنّ الذاكرة الجماعية اللبنانية مصابة بألزهايمر خطير. فقد نسي اللبنانيون على ما يبدو، بنتيجة الأحداث الجارية في المنطقة والانقسام السني الشيعي الحاد، وقع ارتكابات السلطات العثمانية بحق جميع الطوائف اللبنانية.
فكما هو معروف، أنّ الغالبية الساحقة من الشهداء الذين تم إعدامهم في بيروت ودمشق خلال الحرب العالمية الأولى هم من المسلمين السنّة. وكان ذنب هؤلاء الوحيد أنهم ضاقوا ذرعًا بالسياسات القمعية لجمعية الاتحاد والترقي الطورانية التي تركزت سياساتها على تتريك جميع رعايا السلطنة العثمانية وإلغاء خصوصياتهم الثقافية والاجتماعية واللغوية. وليس سرًا أن اللغة العربية، لغة القرآن الكريم، شهدت أفولًا وشبه إمحاء في ظل الحكم التركي للمنطقة العربية.
وبغض النظر عن نظرة الأتراك عمومًا للعرب منذ أيام السلطنة وحتى الآن، وهي بالمناسبة غير مشرقة ولا تنم عن احترام، فإن تصرفات العثمانيين في طرابلس وبيروت خلال الحرب العالمية الأولى كانت أكثر من مخزية. فقد تُركت الأولى ضحية للجوع بحيث مات الكثيرون جوعًا وسُجِّلت حالات أكل أطفال ضبطت هياكلهم في بئر في المدينة، فيما شبابها كما شباب بيروت يقاتلون في صفوف القوات العثمانية في أكثر من معركة مع الحلفاء.
بحسب المؤرخ التركي، ومدير المركز الثقافي التركي في بيروت، جنكيز أراوغلو، فإن عدد الشهداء اللبنانيين في جبهة فلسطين يبلغ 1318 شهيدًا، في جبهة القوقاز 311 شهيدًا، في جبهة شاناكلا 277 شهيدًا، في جبهة العراق 101 شهيدًا، وعلى مختلف الجبهات الأخرى حوالى 608 شهيدًا."
وتابع:"حين نقسم الشهداء اللبنانيين وفقًا لمحل ولادتهم، يتبين لنا أن 988 منهم من بيروت، و819 من طرابلس الشام و20 من صيدا، و197 من صور، أما الباقون والبالغ عددهم 181 شهيدًا فهم من مناطق لبنانية مختلفة".
عندما كان الشهداء يقاتلون وينتظرون الموت على هذه الجبهات، كانت طرابلس فريسة للجوع وبالتأكيد أنه صابها ما صاب بيروت من انتشار للأمراض، والموت جوعًا ولجوء بعض النسوة المسكينات إلى بيع شرفهن لقاء لقمة خبز، على ما أوردت عنبرة سلام الخالدي شقيقة الرئيس الراحل صائب سلام، وعمة رئيس الحكومة تمام سلام التي روت في مذكراتها "جولة في الذكريات بين لبنان وفلسطين"، الصادر عن دار النهار في الصفحة 107:
"ومنهنّ من أراقت ماء وجهها أمام ضابط تركي متعجرف، أضاعت معه أعزّ ما تملك لكي تعيل أطفالاً أضرّ بهم الجوع، بعد أن طالت غيبة عائلهم في جحيم ميادين القتال، دون أن يظهر له أثر..."
كانوا يدفعون بالشباب العرب إلى القتال في مقدم الجبهات، ثم يعتدون على نسائهم. وقد بلغ الضيق بسكان بيروت مبلغًا عظيمًا، بحيث تُضيف الراحلة الكبيرة عنبرة سلام في مذكراتها في الصفحة عينها:
وبعد أن كنا نرفض رفضًا باتًا أي حكم أجنبي، صرنا نسمع الأصوات الخافتة تردِّد جهرًا: "لتأتِ القرود وتحكمنا، فهي خير من هذا الحكم الجائر".
حذار الألزهايمر وحذار الحقد أيضًا. لا تعني الدعوات إلى تذكّر مآسي الماضي إلى السقوط في الحقد ضد أبناء أحفاد شعب ارتكب في حقنا الكثير الكثير من المظالم، فليس من العدالة بمكان إدانة أي إنسان على ظلم ارتكبه أجداده، وإن كان الأبناء مطالبين بوقفة ضميرية وجدانية عليهم هم أن يحددوا شكلها وتوقيتها ومداها.
وبمقدار ما يذهبون في وقفتهم الضميرية، يكونون قد تقدموا في إنسانيتهم ووعيهم وإدراكهم وحققوا درجة متقدمة من الرقيّ والمسؤولية كيلا تتكرر هذه المآسي التي تصيب اليوم شعوبًا أخرى في منطقتنا العربية.
ولكن الخطير، أن يصيبنا الألزهايمر فنبرر جرائم غيرنا ضدنا جميعًا وضدنا كلّنا، بسبب أن الرياح المذهبية قد أغشت عيوننا. فالأعمى لا يرى ومن لا يرى سيقع حتمًا كما علمنا التاريخ في الحفرة.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News