كتبت الدكتورة فهمية شرف الدين، مقالاً بعنوان: "دفاعاً عن المشاركة السياسية للنساء اللبنانيات".
وجاء في المقال، التالي:
"مجتمعنا اللبناني زاخر بالتناقضات والمفارقات، ولعل المفارقة الاهم في هذا المجتمع هو التناقض الواقعي/ الحقيقي ما بين مظاهر الحداثة التي تلف المجتمع اللبناني وبين آليات التخلف التي تتحكم بنظام القيم الثقافية والسلوكيات الاجتماعية وتحدد اتجاهاتها.
مناسبة هذا الكلام مشاركة النساء في الحياة السياسية في لبنان،
لماذا لم تشارك المرأة بالحياة السياسية وما هي الموانع والعقبات؟
نستطيع ان نصنف معوقات مشاركة المرأة في الحياة السياسية في مستوين:
مستوى موضوعي يفرضه النظام السياسي القائم على العشائرية والمناطقية والمحاصصة الطائفية على جميع اللبنانيين وخاصة الفئات المهمشة في المجتمع، والمرأة منها على وجه الخصوص، وقد يفسر ذلك عدم قدرة النساء على اختراق الحواجز حتى في السلطات المحلية التي تترادف فيها المناطقية مع العشائرية.
ومستوى ذاتي وهو يتعلق بالوعي السياسي للنساء وقد اظهرت دراسة " المرأة والسياسة" د.فهمية شرف الدين ود.امان كبارة شعراني سنة2007) ان عقبات ذاتية تتصل بالمنظومة التربوية التي يتشكل بها وحولها الوعي الذاتي للافراد، اي منظومة القيم الاسرية والتربية المدرسية بالاضافة الى ذلك الوافد الجديد الذي يخترق هذه المنظومة اي الاعلام.
جميع هذه العناصر تشكل وعي المرأة السياسي وتفسر اختلال التوازن الهائل بين امكانيات النساء وقدراتهن ومشاركتهن في الحياة العامة.
لا اريد ان اضيف هنا عناصر اخرى تتصل بكينونة المرأة ومكانتها في الاسرة وما يتصل بها من عنف اسري، فالعنف ضد المرأة هو تجل صارخ لقوانين الاحوال الشخصية التي تضع المرأة في مرتبة ثانية بالنسبة للرجل، مع ما يترتب على ذلك من ادوار وممارسات على ارض الواقع.
ان الواقع اليوم يستدعي التوقف فعلاً عند موضوع الكوتا التي هي احدى التدابير الاستثنائية الايجابية التي دعت اليها الاتفاقيات الدولية كوثيقة الغاء جميع اشكال التمييز ضد المرأة واعلان بكين، والتي لا تزال موضوعاً خلافياً خاصة في دوائر السلطة السياسية وينسون او يتانسون على ان الكوتا هو تدبير استثنائي على الحكومة ان تأخذ به من اجل تحسين فرص النساء للمشاركة في ادارة الدولة والمجتمع.
واتحدث هنا عن الكوتا ليس بوصفها اداة اجرائية مؤقتة ترفع الغبن عن المرأة في مجال مخصوص هو المجال السياسي، بل باعتبارها اداة تدريبية تتيح للمرأة فرصاً اخرى لاثبات قدراتها وامكاناتها في المجالات التي لا تزال مغلقة امامها. ونحن ننظر الى الكوتا باعتبارها جزء من عملية تنموية شاملة وان كانت في مجرياتها القانونية والاجتماعية هي فعل مؤقت وهو مؤقت باعتبار ان نجاح النساء في رفع الهيمنة الذكورية عن مجالات التشريع واتخاذ القرار ، وارساء مشاركة فعالة في هذه المجالات يلغي الحاجة الى الكوتا وتصبح المراة مسؤولة عن دورها وممارساتها السياسية.
تتجدد الآن الجهود المبذولة لإدخال الكوتا في قوانين الانتخابات.
نود ان يتم النقاش بحرية ووضوح، فحق المرأة في مشاركة كاملة في ادارة المجتمع والدولة هو حق انساني لنصف المجتمع يحفظه لها الدستور وتبرره ما حققته النساء من امكانيات وقدرات.
ليست الكوتا هدفاً في حد ذاتها وانما هي مطلب ضروري في مجتمع استطاع ان ينجز الكثير على طريق الحداثة، الا انه ولاسباب متعددة لم يستطع القطع مع هيمنة ذكورية مستندة الى معتقدات دينية لتبرير استمرارها. لذلك فإن النقاش في مبدأ الكوتا، ليس قانونياً كما يبدو للوهلة الاولى، بل هو ثقافي بامتياز والسقف الزجاجي الذي يحول دون المرأة والدور التنظيمي /السياسي لا يزال صلباً واختراقه يتطلب تعديلات اساسية في القوانين وفي المنظومات الثقافية والعقائدية التي لا تزال تقصي النساء من حقول اتخاذ القرار.
لنبدأ اذن بتحويل المساحة الموضوعية أي المساحة التي تقع فيها جميع الموانع الخارجية للمرأة الى مساحة مساندة لها عبر قانون يتضمن كوتا نسائية لا تقل عن 30% من المقاعد. وهي الكتلة الحرجة التي تسمح للنساء بالمشاركة الفعالة في صنع القرارات التشريعية.
ان انصاف النساء ليس منة من الرجال بل هو حق للنساء لا يمكن انكاره، وارى ان من واجب المتنورين من الرجال ان يقفوا جهاراً الى جانب هذا الحق، لقد سبقتنا الى ذلك دول كثيرة في بلاد العرب وخارجها، واذا كانت المساواة الكاملة هي الهدف الاستراتيجي الذي نسعى اليه، فإن الكوتا هي خطوة على الطريق، وعلينا ان نبدأها " صار وقتها"".
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News