"ليبانون ديبايت"- روني ألفا
طلبَ البطريركُ الراعي تلاوةَ صلاةِ مسبحةِ الوردية من أجل لبنان. مرّة " أبانا " ومرّة " سلام " مستعادة عشرات المرات بالعفة والوقار والخشوع على طول حبات المسبحةِ العجائبية. عند استنفادِ العلاج يُطلَبُ الى المحبين الصلاةَ على رأس المحتضر. صاحب الغبطة والنيافة يطلب إلينا تلاوةَ صلاةِ المرافقة.
لبنان الذي عرفناه يحتضر. يلفظُ أنفاسه الأخيرة. لدى تلقيه مشحةَ المرضى سُمِع يقولُ بصوتٍ ضعيف: " كلُّن يعني كلُّن ". سُمِعَ المنتظرون بفارغ الصبر انتقاله الى رحمته تعالى يقولون: " كلَّك يعني كلَّك ". لن يثقوا بثلاجة المشرحة ما لم يتأكدوا أن كلَّ لبنان رحل. يخافون أسطورة طائر الفينيق ومتوجسون من رماده.
ليست المسألةُ في إسم وزيرٍ أو حقيبةٍ أو ورقةِ إصلاح. لا وليست المسألةُ في استقالةَ حكومةٍ وولادة حكومة أُنبوب جديدة. هناك وطن راحل وآخَر لم يولد بعد. نظامٌ هجينٌ أكلَ من لحمنا ثلاثين سنة. اليوم ينتقمُ الناسُ من نظامٍ إلتَهَم أحلامَهم. في المحصِلة النظام سيلتَهِمُ الأحلام.
لا يمكن رؤية أي وطن في الشوارع الآن. الوَطَن يهرب من خيمة إلى خيمة. عبر السواتر والإطارات المحروقة لا يمكن أن يتنفس أي وطن. في الآتي من الأيام سيكون علينا انتِظارٍ جمهورية للفوضى. لن تكون الفوضى بنّاءة ولا خلّاقة.
الوَطَنُ الآتي إلينا من الشوارع سيشبهُ " أبو كيس ". سيزورنا كلَّ ليلةٍ في كوابيسنا. سترتعدُ فرائصنا وسنشعرُ أننا نصرخُ في آذانٍ لا تسمع. خوفنا سيكونُ مزوَّداً بكواتمَ للصوت. سيتمُّ اقتيادنا إلى جهةٍ مجهولةٍ وسنستيقظُ في اليوم التالي لنجدَ وطننا في الزواريب يتنادمُ مع الزعران والحشاشين. احتفاليةٌ من تنظيم الأزقة والزواريب على وشك أن تتحوَّل إلى حمام دمّ.
ليس صحيحاً أن الدماء ستسيلُ أولاً من الجرح المسيحي. الجروح الإسلامية ستُفتَحُ أيضاً. الطوائفُ جِراحٌ وأحلامنا تنزفُ منها. سيكلّفنا تقطيبُ الجراح المفتوحة آلافَ الأمتار من الخيطان المعقَّمة. خيطانٌ سننسلها من شرايين الشهداء. منهم مَن سيسقطُ فداءً لأرزة. منهم كرمى لأشجارٍ مستوردة من حدائق غريبة.
فقط في لبنان تعيشُ الدولةُ حوالي ثلاثين سنة وتموت. السلاحفُ تعمّرُ أكثر منها. على الدولةِ بعدها أن تميتَ مواطنيها وتتأكدَ من موتهم الجماعي قبل أن تشبع. سيهدأُ روعها ردحاً من الزمن قبل أن تجوع من جديد.
من ١٩٤٣ حتى العام ١٩٧٥ عاشت جمهورية أولى وماتت متممةً واجباتها الطائفية. ثلاثونَ سنةً ونيّف تقريباً. من ١٩٩٠ حتى العام ٢٠١٩ ثلاثون أخرى تقريباً. جمهوريةٌ ثانيةٌ تلفظُ أنفاسها.
نحن على أبوابِ حرب. لا حاجةَ للهلع. نحن شعبٌ نستهلكُ الحروبَ كما نشربُ البيرة. بينَ إعادةِ فتحِ الطرقات وإقفالِ حكومة، تفتحُ الحربُ ذراعيها لاستقبالنا من جديد. سنهجمُ عليها هجومَ الأبناءِ الضالين. سنتكلّمُ جميعنا بإذن الله لغةَ الأكفان.
نحن على أبوابِ جمهوريَّةٍ ثالثة قد يأتينا فيها من يكتبُ نشيداً جديداً للوَطَن. سيتمُّ تخوينُ رشيد نخلة ووديع صبرا. لا أحد يعلم كَمْ سيطولُ انتظارنا، نحنُ المحمولون على ظهرِ " أبو كيس " قبل أن يُقَرَّ لنا نظامٌ مثلثٌ أو مربّعٌ جديد. اليوم نصرخُ لصلاحيات رئاسةِ الجمهورية. غداً سنصرخُ لجمهوريةٍ وستكون مثلنا مخطوفةً على ظهر أبو كيس.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News