المحلية

الجمعة 01 تشرين الثاني 2019 - 04:00 LD

حين لوَّح قائد الجيش بـ"ترك اليرزة"

حين لوَّح قائد الجيش بالمغادرة

"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح

شاءَ البعضُ أن يرمِيَ ظلالاً من الشكِّ حول إجراءاتِ الجيش اللبناني حيال "قطّاعِ الطرقِ"، موحيًا، أنّ "اليرزة"، تريد الاستثمار بهم في إنتاجِ الفوضى إنسجامًا مع نموّ بذورٍ "تآمريّة" يُقال، أنّها تُعَشعِشُ في أذهانِ بعضِ أركانِ الجيش، المُتَّهَمين بمداعبةِ أحلام السلطة.

البعضُ ذهبَ بعيدًا حين أسقط إتهامات قيادة ميدانية لتحركات إحتجاجيّة وقطع للطرق في العديد من المناطق، موحيًا، أنّ إستخبارات الجيش تمتَلِك مجموعات عمل ميداني قوامها من العسكريين المتقاعدين، وهؤلاء مرمية على عاتقهم مهام نشر الفوضى في أكثرِ من منطقةٍ تلبيةً لأهدافٍ معيّنةٍ، سياسية الطابع، منها تصريف الاحتقان التصارعي السّائد بين اليرزة والقصر الجمهوري، الذي لم يعد هناك مجالاً لنكرانه.

لكن المشكلة دائمًا تفتقد إلى البراهين والمعايير بل تنطوي في جزءٍ منها على معلوماتٍ ذات أبعادٍ كيديّةٍ، إمّا مُنطَلِقة من ظنونٍ ناتجةٍ عن تراكماتٍ وتجاربٍ ذات أبعادٍ شخصيّة، أو تنبعث عن غرفِ عملياتٍ موكل إليها بعض الأهداف المُحَدَّدَة، كتصفية حساباتٍ "سياسيّةٍ" مع قائد الجيش العماد جوزف عون، المُتَّهَم بتبنّي طموحاتٍ سياسيّةٍ عبارة عن تسويقِ نفسهِ لرئاسة الجمهورية، وهو ما يثير مشاعر الوزير جبران باسيل تحديدًا.

وحقيقةً، أنّ باسيل ليس وحده من يُثار من "طموحات جوزف عون" المزعومة. هناك شريحةٌ سياسيّةٌ واسعةٌ، باتت العدوى تنتقل إليها بالتواتر. ومع الأسف فالقصرِ الجمهوري "طالته طرطوشة"، إذ يعيش اليوم أسوأ أيّام العلاقةِ مع قيادة الجيش وهي من المرّات النادرة بعد الطائف التي تصِل المؤسَّسَتين فيها إلى هذا المستوى من التوتر.

صحيح، أنّ الخلافَ تفجَّرَ بشكلٍ واضحٍ أكثر خلال سريان مفاعيل التظاهرات الشعبيّة، لكن في الواقع، أنّ العوامل المُسبِّبَة له يعود إنتاجها إلى أشهرٍ خلَت، بعدما تواترت إلى أذهان باسيل معلومات عن "استثمار أميركي" ذات طابع سياسي في قائد الجيش، قد يحوِّل طموحات "الصهر" الى سرابٍ.

يضاف إلى ذلك، أنّ ثمّة جهات محليّة غذَّت "ضغائن" باسيل تجاه القائد. هذه الجهات، تعتبر، أنّ لها الحق الشرعي في استعراضِ كافة الاحتمالات أمامها، والخشية ربما من "تفاهمات القائد الاميركيّة"، رغم أنّ الأخير مرَّرَ عبر أصدقاءٍ مشتركين أكثر من رسالةٍ "تطمين" ضمّنها عبارات تدحض إحتمالات دخوله في تفاهمات مشابهة، وأنّ العلاقة مع واشنطن محصورة بتلبية حاجاتِ الجيشِ فقط.

حتى أنّه وفي إحدى المرّات، غاصَ عميقاً في تقديم التطمينات وإثبات أنه ليس بساعٍ من أجل المناصب والمواقع، محاولاً إنتزاع بعض الأورام الخبيثة التي تشوب علاقته ببعض الأطراف، ومنهم العهد، إذ نٌقِلَ عنه قوله أكثر من مرّة بأنّه مستعدٌ للخروجِ من اليرزة، كمبادرة حسن نيّة، بهدف وضع حد لهذه القصّة و "يُريحَ البال".

لكن ما جرى أخيرًا، يدلّ إلى أنّ المسألة لم تعد تُحلّ بالخروجِ من اليرزة. باتَ ضرورياً على جوزف عون العبور الزاميًّا من معبر "تشويه الصورة" وفق المنهج الذي أُرسِيَ خلال الأيّام الماضية كي تضع المسألة أوزارها.

صحيح، أنّ قائد الجيش طُلِبَ منه فتح الطرقات، لكنه في المقابل طلب تفويضًا صريحًا ورسميًّا من الحكومة، وهذا حقّهُ، حتى لا يجري إنتقاد تصرفاته ووضعها لاحقًا في خانةِ "القمع" وبالتالي تحميل المسؤولية والنتائج والتبيعات له وحده، فمن حقّ الرجلِ أن يحميَ نفسه أيضًا، وهذا ما لم تستسيغه سلطة "نفذ ثمَّ إعترض".

ذريعة القائد لم يتقبَّلها، لا القصر ولا الوزير باسيل ولا التيّار الوطني الحرّ ولا جانبًا مؤثرًا من حلفائه. هؤلاء مجتمعين، ومتأثرين بـ"البروباغندا"، جنحوا صوب إعتبار قائد الجيش بمثابة الـ "متآمر"، ما أسَّسَ لاتهامه لاحقًا، بأنّه يريد إبقاء الطرقات مقطوعة من أجل استثمار ذلك في السياسة، في ظل الإيحاء، بأنّ الهدف هو تطبيق أجندات من بينها توظيف واستخدام ما يجري ضدّ العهد!

وعلى هذا النحو، بدأت "شيطنة جوزف عون". سريعًا، تحرّكَت أصول الكترونية وفرق من الجيوش المتنوعة، وأخذت تنشر اشاعات تُجمِع كلّها على مبدأ واحدٍ "تخوينُ قائد الجيش".

ولكي يزيد الاستثمار ويصبح مصوبًا بإتجاهٍ واحدٍ، تداولت مجموعات خبرًا مفبركًا عن توجّهِ العماد جوزف عون إلى السفارة الاميركيّة ومشاركته في اجتماعٍ مهمٍّ!

توازيًا، كان مغرِّدون يتأثرون في جو سياسيٍّ معيَّن، يعيدون تفعيل تغريداتهم بإتجاهٍ واحدٍ:"سؤال القائد عن اسبابِ عدم فتحِ الجيش للطرقات"، وشخصنة السؤال بإتجاه شخصِ القائد دون سواه، وهو السؤال الفخ والتوريطة التي تهدِّد في حال تنفيذ مضمونها ليس سمعَة عون فقط بل الجيش بأكمله، الذي سيصبح في نظر مجموعةٍ كبيرةٍ من المواطنين عبارة عن "ميليشيات تنفِّذ الأوامر السياسيّة وتحمي الطبقة".

في الواقع، أنّ للجيش تقديره الذاتي، وفي مثل حالة اقفال الطرقات وتزامنها مع الإحتجاجاتٍ، فهو يفضِّل التريث في تنفيذِ أيّ خطوةٍ منعًا لإقحامها في بازارٍ شوارعيٍّ، قد يستخدم في تصوير أن الجيش يستهدف شارعًا معينًا دون سواه، وهذا يرتب أخطارًا جسام على صعيد هيكليّته التي لا يمكن فصلها عن واقعِ التقسيمات الطائفيّة في البلاد. وبالتالي، فإنّ أيّ خطوةٍ بالنسبة إلى الجيش تندرج وفق حساباتٍ معيَّنة تراعي مثل هذه الخصوصيّات، ولا يمكن بالتالي، أن يتحوَّل الجيش إلى "عصا تضرب الناس".

ثمّ، لماذا تحميل كلّ التبعات إلى الجيش بمعزلٍ عن قوى الأمن الداخلي مثلاً، صاحبة الصلاحية الاساسية في التعامل مع الشارع؟

على العمومِ، يعتبر الجيش، أنه خرجَ بتقديرٍ صريح، أنّ تدخله الحاصل في الشارعِ يندرج ضمن حدودٍ معيّنةٍ، تتَّصل بالأجواء السياسيّة. فمثلاً، هو قرَّرَ فتح الطرقات بعدما وجَدَ أن الحكومة قد "خُلِعَت" بالفعل، وبالتالي لم يعد بحاجة إلى تغطية حكومية بل تكفيه تغطيه أركان الدولة، مستنداً بذلك إلى حالة سياسية واقعية وإستثنائية تجبره على التحرّك، وقد أصبحَ من الواجب ضبط الشارع.

بالاضافة إلى ذلك، كان في بواطن نفسهِ يظن أنّ الشارع لن يقفَ في وجهه ما دامَ طلبه بإستقالة الحكومة قد تحقّقَ بالفعل، وهذا التقدير الذي أثبتَ صوابيّته، نابع من القراءة المتأنّية للشارع والتي أظهرت أنّ نِسب تراجع الإحتقان باتت كافية للتدخّل ولن تقود بالضرورة إلى "فتنة" بين الجيش وشعبه، تظهر الوقائع أنّ الإعداد لها كان جارياً على قدم وساق.

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة