المحلية

الثلاثاء 26 تشرين الثاني 2019 - 04:00

واشنطن ترعى "فتنة" بين الحزب والجيش

عقوبات أميركيّة على الجيش اللبناني؟!

"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح

التجاذبُ الجاري على رقعةِ المؤسّسة السياسيّة الأميركيّة حيال العلاقة مع الجيشِ اللبناني آخذٌ بالارتفاعِ وبات من الصعبِ إخفاء هذا الواقعُ أو إحتواء المشهدِ.

في الواقعِ، النقاشُ لا يدور حول المساعدات العسكريّة الأميركيّة المَمْنوحة على وجهِ الخصوصِ إلى الجيش وصلاحيّتها بقدر ما يدور حول جدوى استمرارها في ظلِّ "شكوك واشنطن" حيال "علاقةٍ مُلتبسةٍ" تجمَع الجيش بحزب الله، وبالتالي، يُصبح منطق المراهنة على "الاستثمار" فيه موضع تساؤلٍ.

يُصبح الأمر أشدّ تعقيدًا حين يتسلَّل النقاش إلى مجالسِ من يمثِّل أفكار "الدولة العميقة" في أميركا، مُهدِّدًا أن يطاول مفاهيمها في مجال العلاقات المفتوحة مع دولٍ تعتبرها واشنطن "مجالاً حيويًا للإستثمار العسكري"، وإمكان أن تجري تعديلًا في صورة موقفها، في ظلِّ الحديثِ لدى أكثر من مركز دراساتٍ أميركيٍّ معني بمنطقة الشرق الاوسط عن الفوائد المترتبة عن العلاقة مع الجيشِ اللبناني.

لا يمكن إعتبار السؤالِ "الاُمنية" الذي أدلى به مستشار رئيس الحكومة سعد الحريري، العميد المتقاعد مارون حتّي، أمام منتدى "حوارات المنامة" التي ينظّمها سنويًا المركز الدولي للدراسات الاستراتيجيّة عبثيًّا أو منفصلاً عن هذا الجو، بل هناك أمتعاضٌ لبنانيٌّ - أميركيٌّ يعلوه، ويفصح عن رأي جانبٍ سياسيٍّ وازنٍ، من انتفاءِ القدرة على تحويل المساعدات إلى إستثمارٍ "مفيدٍ" يصلح في جعل الجيش اللبناني يواجه حزب الله.

"حتّي" الذي شغل سابقًا منصب مدير العمليات في الجيش، قادمٌ من خلفيّةٍ سياسيّةٍ "يمينيّة" راهنت طوال مسيرتها على ضرورة الارتباطِ الوثيق بين الجيشَيْن اللبناني والأميركي، وهو شديدُ العلاقات مع الادارة العسكريّة الاميركيّة. وفي موقفه هذا يكون بالتالي ناطقًا صريحًا عن الجهة التي تتبنّى وجهة نظر إشتباك الحزب - الجيش، محليًّا وأميركيًّا، بعيدًا من واقعِ الجيش اللبناني وموقفه من الإدارة الاميركيّة ومدى تجاوبه مع هذه الاستراتيجيّة.

هذا الكلامُ في الأصلِ، قد أحتلَّ رقعة هامة في آراءِ أكثر من مركز أبحاثٍ طيلة الفترة المُمْتدة من عام 2016 حتى الآن، أبرزهم "معهد واشنطن"، الذي دأبَ من خلال كتابه، على تناول وضعيّة الجيش اللبناني واثارة الشكوك والمخاوف المتعلقة بمدى الأهلية التي يتمتّع بها للحصول على مساعداتٍ أميركيّةٍ، والاشارة الدائمة إلى حضور حزب الله على نحو واضحٍ في هيكليّته، وطرح التساؤلات حول الأسباب التي تحول دون وقفِ برنامجِ المساعدات وجدوى الابقاء عليها طالما أنّ الجيش لا يتناسب في استراتيجيّته مع تلك المعتمدة في الولايات المتحدة.

في المقابل، كانت تخرج وجهة نظرٍ مقابلة، تشير، إلى ضرورة الابقاءِ على "سلاحِ الاستثمار في الجيش اللبناني قائمًا" بإعتباره بمثابة "سلاحٍ استراتيجيٍّ ضروريٍّ لا بدّ من المحافظة عليه من أجل الابقاءِ على احتمالات الاستثمار مستقبليًّا"، وللحؤول دون افساحِ المجال أمام دول مثل روسيا وإيران كي تؤمِّن نفوذ لها داخل المؤسسة العسكريّة اللبنانيّة.

في الحقيقةِ، إنّ الرياحَ التي تهبّ الآن على ملف المساعدات "الفتات" الممنوحة إلى الجيشِ مردها إلى ارتفاعِ نبرةِ النقاشاتِ لدى تلك المراكز. ويبدو، أنّها خلقت معسكَرَيْن داخل الادارة الواحدة يتجاذبان مصير المساعدات، هذا بالضبط ما أفصحَت عنه مواقف ثلة من المسؤولين الأميركيين، امتزجَت بين المُتناقض والمُلتبس، جاءَت في أعقابِ قرارِ تجميدِ مساعدة الـ 105 مليون دولار.

وبينما كشفَ مساعد وزير الخارجية الأميركي للشؤون السياسية ديفيد هيل خلال إدلائه بإفادته تحت القسم أمام لجنة التحقيق الرامي لعزل الرئيس الأميركي دونالد ترمب، أنّ المساعدة "لم تُقدّم أوراقها بعد"، كان زميله مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى ​ديفيد شينكر​، يصرِّح، بأنّ إقتراحَ منحِ المساعدة موجودٌ في مكتب الموازنة وهو "ساري المفعول"، ليتبعه بتصريحٍ آخر خلال زيارته الأخيرة لإسرائيل، ينفي فيه حجب المساعدة، بل يقول، أنّها "تمرّ بمسار دراسة ومراجعة".

في الواقع، إنّ المسارَ الأميركي الذي يفضي إلى إختبار "حسنِ سلوكِ الجيش تجاه حزب الله"، قد بدأ اعتماده منذ مدّةٍ من أجل الوصول إلى استنتاجاتٍ واضحةٍ كردٍّ على اسئلةٍ اساسيّةٍ، منها، هل يتمتَّع الجيش بعلاقةٍ مع الحزب، وتاليًا، هل يستفيد حزب الله من المساعدات الاميركيّة التي تُمنَح إلى الجيش اللبناني، أو من وضعية الأخير بشكلٍ عام؟

وقتها، كان الاميركي، يشدِّد عند كلّ زيارة لقائد الجيش العماد جوزاف عون إلى واشنطن، على طرحِ اسئلة تتعلق بذلك الدور، وكان يُجابَه بردٍّ، قوامه، أنّ حزب الله يمثِّل تركيبة أساسيّة من الشعب اللبناني وهو مُمَثلٌ في البرلمان وصاحبُ حق في المقاومة مُشار إليه في البيان الوزاري، وعلاقة الجيش قائمة معه وفق منطق التركيبة العدديّة اللبنانيّة. وللحقيقةِ، فإنّ هذه القواعد لم يبرحها ولا أيّ ضابطٍ تولّى سدّة المسؤوليّة في أعلى هرم قيادة الجيش.

من هنا، ثمّة من يُردِّد في بيروت، أنّ الاهتمام المستجد للادارة الاميركية بفحو البيان الوزاري للحكومة العتيدة، يتّصل ضمنيًّا بإنتزاعِ الحقِّ الممنوحِ إلى حزب الله في المقاومة.

بالعودة إلى مسار الاختبار الاميركي أعلاه، نجد بأنّ واشنطن، اتضحت مرارًا محاولاتها الزجّ بالجيش اللبناني في آتون إشتباك "صالح للاستثمار" ضدّ حزب الله، وكان أبلغ وضوح إلى ذلك التوجّه هو إقحام قضية تعزيز القرار 1701 وطرحها على طاولة مجلس الأمن في مناسبَتَيْن سنويَتَيْن، أي منح صلاحيات أكثر لقوات "اليونيفيل" بما يتناسب مع طبيعةِ التغيّرات المتّصلة بالمخاوفِ الاسرائيليّة التي تحوَّلت الى عقدةٍ إسمها "صواريخ حزب الله الدقيقة".

وكانت المخاطر تكمن في تحويل الجيش في ظل إحتمال حصول تشريعات جديدة، الى قوة "حماية ومؤازرة" لقوات اليونيفيل، التي تمنح من خلال التشريعات الجديدة، الحقّ في التجوّل ونشر الدوريّات في الشوارعِ الداخلية للقرى، ما يعني وضع الجيش في مواجهة الاهالي الرافضين لأيّ تدبيرٍ من هذا النوع، ومن خلفه حزب الله.

لكن الجيش، كان يتحاشى الخوض في غمار مثل هكذا اقتراح، من هنا، كانت وجهة نظره "السلبيّة" التي تُنقَل الى الجسم السياسي الذي يحوّلها بدوره الى الدول الصديقة في مجلس الأمن، تحول دون تمرير أيّ قرار من هذا النوع، وهذا الأمر بالضبط الذي كان يرتّب شكوكًا وظنونًا حول علاقة الجيش بحزب الله ويزيد الاعتقاد عن استحالة نضوجِ فكرةٍ لادخال الطرفَيْن في المواجهة.

في الشَّكلِ العام، فإنّ التلويحَ بقطعِ المساعدات يندرج ضمن هذا المفهوم، أيّ معاقبة الجيشِ على رفضهِ الدخول في مواجهةٍ مع حزب الله، أو احتمال وجود مراهنة اميركيّة صوب امكان دفعه إلى خوضِ مواجهةٍ عسكريّةٍ من هذا النوع مع الحزب، أو بالحد الأدنى زرع جذور "فتنة" بينه وبين المقاومة مستغلةً ربما الحالة السياسيّة التي نشأت عن احتجاجاتِ 17 تشرين، والتزام الجيش سياسة "مهادنة" تميل إلى الخشونة أحياناً مع سائر الأطراف داخليًّا.

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة