"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح
في ضوءِ "عمليّة الانقلاب" التي نفذت نهاية الأسبوع المنصرم وأطاحت بإمكانيّة العبور إلى "نصٍّ تسوويٍّ جديدٍ"، يرتفع منسوب العودة إلى زمن 2015 - 2016 بالتوازي مع ارتفاعِ منسوب المياه في الشوارعِ كنتيجةٍ طبيعيّةٍ للإهمال وقلّة المسؤولية، ليس من أجل إنتاجِ طبعةٍ منقّحةٍ عن تسويةِ "بعبدا مقابل السرايا" الشهيرة ما يتيح للمركبات العائمة على وجه الماءِ النفاذ بجلدها، بل في سبيل العودة إلى زمنِ الفراغ.
هذه المرّة، الفراغُ يهدِّد السلطة التنفيذيّة بتوقيعِ رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري وأقرانه في نقابة العاطلين عن الرئاسة، الرؤساء السّابقين للحكومات، بالتكافل والتعاضد مع "دار الفتوى" التي دخلت كعضو مقرِّرٍ في حاكميّة السلطة السياسيّة لدى الطائفة السُنيّة، إذ بدل أن تلعب دور الحكم تحوّلَت إلى طرفٍ يلهج بذكر سيّد بيت الوسط دون سواه الذي، بات عليه الإجابة عن سؤالٍ صريحٍ: ما هو مصير عبارة "ليس أنا بل أحد غيري" التي جعلها قاعدة لتجيير الكرسي إلى غيره؟ هل كانت بمثابة "فخٍ" الهدف منه فتح باب الابتزاز، أم عبارة عن معبرٍ لترسيخِ قاعدةٍ تؤدّي في النهاية إلى الإقرار بمقولة:"أنا أو لا أحد؟".
وكي لا تصبح الـ"باي باي" التي نطق بها النائب فيصل كرامي حيال دور السُنة ونسف الطائف قاعدة يجري الركون إليها في عملية تقصّي الحقائق الجارية على المستوى "الإسلامي" متلازمة مع "باي باي" أخرى ردَّدَها المتجمهرون في السّاحات منذ 17 تشرين الأوّل وحتى اليوم، لا بدّ من إجراء مكاشفةٍ حقيقيّةٍ حول الأسباب التي حالت دون العبور إلى "إستشارات بعبدا" لتسمية سمير الخطيب.
نقول مكاشفة حقيقيّة، لأنّ الأجواء التي تخرج عن المجالسِ المعنيّة بالمشاورات تتحدَّث عن "مؤامرةٍ" جرى تنفيذها بدقةٍ متناهيةٍ، إستُخدِمَ فيها الخطيب كـ "مخلِّصِ بضائعٍ" أو وسيطٍ مقاولٍ بين طرفَيْن سياسيَيْن إثنَيْن، كانت وظيفته الحصول على "مسودةٍ حكوميةٍ" تكنو - سياسية متوافق عليها من الاطراف كافة، ثم وضعها في عهدة ربّ العمل الملازم مكتبه في بيت الوسط كي يقوم بتقشيرها ثم جعلها حصان طروادة يمتطيه للعودة إلى كرسي السرايا، وفق إعتقاد الإعلامي سالم زهران.
أدلّ عبارة إلى توافر هذه الأجواء تتمثل في العودة إلى سيناريو التأليف قبل التكليف هذه المرّة بقيادة "دار الفتوى" لا قصر بعبدا، على قاعدة حكومة من 24 وزيرًا، أي الحكومة ذاتها التي نسفَ خيار تولي الخطيب سدّتها: 6 يحسبون على الكتل السياسية بمعدل وزير لكل كتلة كبيرة، و 18 تكنوقراط يذهب منهم 3 "خالصين" لصالح الحَراك ويحملون جيناته و15 تتولى الكتل السياسية نفسها اقتراحهم على الرئيس "المحتمل"، وله خيار القبول من عدمه. وما دام الأمر كذلك، لا بد من طرح سؤال:"لماذا إذا تم تطيير حظوظ سمير الخطيب ولمصلحة من؟".
وإلى أن يظهر الخيط الأبيض من ذاك الأسود، ترزح الحالة الراهنة تحت منخفضٍ جويٍّ باردٍ سيطَر على الحوض الشرقي لبحر السياسيين. ولغاية تاريخهِ، أي من بعد "خلعِ الخطيب"، إستقرَّت الاتصالات السياسيّة على محاولة فهم ما جرى والاستفهام حول الخيارات المقبلة في ضوء "نفخة الروح" التي منحها رئيس الجمهورية لتأمين الإتفاق حتى الاثنين المقبل، المرشحة لأن "تلفحها" رياح نشطة تحمل تأثيرات "2015 - 2016"، أي العودة في الزمن إلى مناخِ تحديد جلسات لانتخاب رئيس جمهورية يوم أضحى الأثنين موعدًا ثابتًا كان الجميع يدرك أن لا نصاب فيه ما دام الإتفاق غائبًا.
لغاية الآن، يشوب النقاش الحكومي الحذر وسط ضياعٍ جديدٍ يؤهل المرحلة إلى الدخول في عامل "الترقيع"، والمرشح أن ترتفع حظوظ اللجان المؤهلة للاجتماع على بركة الأزمات المتناسلة، من مالية وإقتصادية إلى نفطية وغذائية، وهو ما يعيد إقتراح تفعيل حكومة تصريف الأعمال إلى الضوء مجددًا.
ليس سرًّا، أنّ الحديث عن حكومة تصريف الأعمال شغل بال أكثر من طرفٍ سياسيٍّ خلال الساعات الماضية، على إعتبار أنّ الحالة الراهنة تكفل في إطالة أمد "التصريف"، لذا وفي ضوءِ المشاكل والازمات الداهمة وحلول زمن "التدويل" من بوابة الاقتصاد، لا بل من خيار تفعيل تصريف الأعمال بالتوازي مع استمرار المشاورات حول تأليف حكومة بالوتيرة ذاتها.
وعلى ما يقول مرجعٌ سياسيٌّ كبيرٌ أمام زواره أمس:"الحالة التي حصلت خلال عطلة نهاية الأسبوع تستدعي التأمّل والتعمّق وحصول عملية تأهب واستنفارٍ شاملٍ على الصعد كافة، الاقتصاديّة والماليّة والسياسيّة والأمنيّة، لأنّ المقبل على لبنان لن يكون أقلّ نسبة من الذي يحصل الآن بل أشدّ وطأة.
وعلى هذا النحو يُتابع: لا بد من أخذ مستقبل البلد على درجةٍ عاليةٍ من الانتباه والتفاهم والإهتمام، والتنازل عن ترف "يتمنع وهو راغب". فإذا كان الخيار بسعد الحريري مجددًا تحت عباءة دار الفتوى فليكن ذلك، لكن بشرط الابتعاد عن إعتماد الأساليب نفسها التي سقطت، مانحًا مهلة أسبوعٍ لتأكيد النوايا الصادقة، وإلّا فليتركون مهمة استخراج الحلول إلى من كانَ بها خبيرًا.
هو التهديدُ الذي يفتح الباب أمام إحتمالات عدّة، تبدأ بحكومةٍ يؤلّفها من هو فدائيٌّ وتنتهي بحكومةِ بـ"من حضر".
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب
Follow: Lebanon Debate News