المحلية

الجمعة 10 كانون الثاني 2020 - 01:45

ثورة عين التينة

ثورة عين التينة

"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح

"ثورة عين التينة" التي استلّ سيفها رئيس مجلس النواب نبيه برّي واسقطها على الوضع الحكومي الراهن المُدشَّنة بدعوتهِ إلى "لمّ شمل حكومي" مستمرة.

أكثر ما شدّ المتابعين الخميس، كان تخصيص برّي "أعيرة قنصٍ" وجِّهَت صوب رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري الذي مدَّدَ عطلته خارج البلاد، إذ تناوله رئيس المجلس على مذبحِ تجاهلهِ لوظيفتهِ. ومن عبارة "مش بطيبو أن يصرِّفَ الأعمال"، يٌقرَأ المكتوب من عنوانهِ. حالُ غضبٍ تعتري بري من تصرّفات الحريري الأخيرة وطريقة لجوئه إلى الخارجِ وتجاهله طلب بري إليه مراراً لا سيما في آخر تواصل جرى بينهما للعودة إلى بيروت فورًا ومتابعة شؤون الرئاسة الثالثة.

أما أبلغ رسائل "الغارة المجلسيّة" تكمن تحديدًا في إعلان التزامه خيار "حكومة تكنوسياسية وليس سياسية فقط"، قاطعًا شكّ "الظانين باليقين".

عليه، يكون بري قد تموضعَ في خانةٍ جديدةٍ تخوّله التحوّل إلى مركز ثقلٍ سياسيٍّ أكبر مما يمتلك الآن، له قدرة التأثير على جذبِ شركائه نحوه وربما الآخرين. بمعنى آخر، قد يؤدي موقفه إلى "تحرير مواقفِ" فرقاءٍ آخرين من قراراتٍ إتخذوها سابقًا ويضعهم أمام خياراتٍ بديلةٍ من الممكن بحثها.

موقفٌ من هذا النوع، جاءت مفاعيله الأولى على وزن تهديد الإتفاق الحكومي الناجز وربما الاطاحة به، ليس فقط على ما يتصل بتركيبة الحكومة بل على هيكليتها وحدود تمثيلها، ولعلّ أول ردّ فعلٍ على ما تبعَ صدور هذا الموقف، تكلَّلَ بإرجاءِ موعدِ إعلان التأليف الذي كان من المفترضِ حصوله هذا الأسبوع إلى تاريخٍ لم يحدد بعد، ولا يبدو أنّ خيارَ التحديد متوفرٌ ما دام الرئيس حسّان دياب قرأ سلبًا فيما نُشِرَ.

كلامُ بري، أسَّسَ لنمو مرحلةٍ جديدةٍ عنوانها "البحث عن حكومةٍ لا ترضي الشارع فقط بل الواقع السياسي المستجد وتلبّي خصائص الإقليم ولها القدرة على التعامل مع مخاطره التي لا تقلّ أهمية عن الوضعِ الداخلي اللبناني المُنهَك"، كما أنّ المطلوبَ ليس حكومة من طراز الحمائم التي تطير حال دهم الخطر، بل يكون أعضاء مجلس الوزراء بالعددِ الأكبرِ، من الصقور حَمَلة المخالب السياسية، الحاضرون للانغماس في ساحات القتال والمواجهة.. متى وُجِبَ ذلك.

في الحقيقةِ، إنّ ما دفعَ رئيس المجلس إلى الخروج بهذا المستوى من الكلام، لا يرتبط فقط في ملاحظتهِ المتصلة بما يجري في الإقليم وقساوة إنعكاسهِ على لبنان، بل في ما يدور تحديدًا من مباحثاتٍ تتصل بطبيعةِ التركيبةِ الحكومية، ولا يبدو أنّ بري مقتنعٌ أو مرحِّبٌ بها!

من الواضحِ، أنّ بري ومن خلفه الفريق السياسي الذي يمثله، وهم يقرأون في فنجان المستقبل و يضربون اخماسًا بأسداسٍ حول عواقب اعتمادِ خيارات حكومية غير مضمونةٍ في ظلِّ أرضٍ إقليمية قابلة للاهتزاز فجأة وتعشعش في باطنها حمم بركانية، يُثار من أمور عدّة، كمثل تعلق أطراف محددة بأحجّية لا تطبق والمعايير المختارة في عملية الاستيزار، ورهان آخرين على إسقاط فرضياتٍ ليست في متناول القبول بها أو هي ذات قبول من المعنيين، وأبلغَ ما في "إضبارة الاتهام"، الإصرار على إختياراتٍ وزاريةٍ من الصنفِ الناعم منزوع المخالب بالمعنى السياسي ومن غير المحصَّنة أمام هبوبِ العواصفِ السياسية وتحمل على "مستقبل حكومي مضطرب".

وعند الاحتكام إلى استطلاع رأي دائرة ضيقة محاطة بدوائر القرار المركزية لدى الفريق الذي سَمَّى حسّان دياب، نجد، أنّ هؤلاء تنمو لديهم على نحوٍ مريبٍ الخشية من أن تترتبَ خياراتهم الحكومية الآن على دفعِ أثمانٍ مستقبلية، بمعنى أنّ تشكيلة من الصنفِ المُسَرَّب والمرشحة لأن تنال موافقتهم من غير المضمون أن لا تعرّيهم من الخياراتِ السياسية القاسية مستقبلًا.

بهذا المعنى، بدأ بري القيادة بعكس ما كان يطرح، والمكتوب الذي يُقرَأ حاليًا، يميل إلى التماسِ رغبةٍ لديه في تركيبِ الحكومة وفق أسسٍ سياسية قابلة للحقن بتشكيلةٍ من التكنوقراط، وهو الخيارُ الأصلح لهذه المرحلة أو الأقل تكلفة.

موقف بري، من دون ادنى شكّ لفح رئيس الحكومة المكَلَّف بنسمةٍ باردةٍ، أدخل البحث الحكومي الذي كان يجري على قاعدة "التكنوقراط المستقلين" إلى الثلاجة، وأتاح العودة إلى بحثِ خيارٍ "تكنو - سياسيًا"، يبدو دياب بعيدًا من تناوله بشهادة ما نُقِلَ عن زوّاره الخميس، بأنّه يميل في الوقتِ الراهن إلى الإعتكافِ "لفترةٍ حتى تنجلي الغيوم المُلبَّدة في الإقليم".

معنى ذلك، أنّ خيارَ دياب الآن هو إنتظارُ حصولِ إنفراجاتٍ على المستوى السياسي، أما مسألة إعتذاره أو دفعه إلى هكذا قرار، فهي غائبةٌ عن قاموسه، لا بل أنّ من يتواصل معه يحسب أن دياب لا يقدم على الاعتذار حتى ولو إندلعت حرب عالمية ثالثة!

ثم أنّ دياب يوزن موقفه على موقفِ حزب الله المُعلَن يوم الخميس من على منبر بكركي، والذي يبدو أنّه يختلف جوهريًا عن موقف الرئيسِ نبيه بري ويميل في درجةٍ شديدةٍ إلى تسريعِ التأليفِ على القاعدة التي أعطى موافقته عليها قبل تطوّرات العراق.

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة