"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح
"إن صودفَ وكنت شيعيًا فإعلم، أنّ حزب الله وبدرجةٍ أقلّ حركة أمل هما "مشغّلاك"، وإنك تؤدي عنهما "الوظائف" أو "الفروض السياسية".. هذه القاعدة المُعتَمَدة اليوم من قبل الباحِثين عن أصل وفروع انتفاضة 14 كانون الثاني 2020 الناشئة على أكتافِ تجدّد ثورة 17 تشرين الأول 2019 بحثًا عن أسقاطِ هويّةٍ سياسيّةٍ عليها تؤدي إلى عزله عنها.
الحجَّة التي يستغلّها هؤلاء، تكمُن في قرار انضواءِ البيئة الشيعية المحسوبة على حزب الله ضمن مسار الثورة تحديدًا في مسألةِ إعادة إنتاج التظاهرات أمام مبنى المصرف المركزي لكن ضمن تركيبةٍ ذات ميولٍ أكثر صوب "العنف الثوري". ويبدو أن الحزب يسمح بذلك أو أقله يغض الطرف عنه، إذ لم يحظَ هذا الدخول بأيّ ردةِ فعلٍ سلبية من جانبه، لا بل ينمو إعتقادٌ، أنّ الحزبَ يدفع بإتجاه تعزيزه، سواء بالمباشر أو غير المباشر من خلال "أصابعه".
وهؤلاء، يستلهمون كتبريرٍ لنظرتهم، ليسَ العامل الطائفي فحسب بل السياسي أيضًا، إذ ثمّة مصلحة لدى حزب الله في تأجيج الشارع ضدّ المصارف وعلى رأسها المصرفِ المركزي بحكم الصراع الآخذ بالنمو في ملف العقوبات الأميركية.
ما افصحَ عن تكوّن مثل هذه الرغبة لديه، أنّه أحجَمَ مثلًا عن إنتقاد مواجهات "الثلاثاء الأحمر" في شارع الحمرا والتعرّض للمصارف بالكسرِ والخلع بخلاف موقف رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي سطَّرَ بلاغات الاستنكار والبحث والتحري، ومثله فعلَ الرئيس سعد الحريري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط.
وهناك رأيٌ آخر لحزب الله. هو نفى ضلوعه بأيّ تحرّكٍ مماثل عبر بيان رسمي. أما من خارج الرسميات، فالحزب لديه الجرأة للقول، أنّه وعلى الصعيدِ التنظيمي لم يعطِ أيّة توجيهات للمشاركة في إعتصامات أو تظاهرات لا قبل 17 تشرين ولا بعدها. وللحقيقة، فإنّ التوجيه الوحيد الذي أصدره أتى بُعَيْد 17 تشرين حين ألزَمَ عناصره بعدم المشاركة في التحرّكات الاحتجاجية بعدما وضعَ يدَيْه على صورٍ ومعلوماتٍ تُثبِت مشاركة البعضِ.
لكن الحزب في المقابل، "ليس غرندايزر" ولا يُبَرمِج شارعه على أساسِ الـ "ريموت كونترول"، فإذ إختارَ المؤيّدون من غير المُنتَمين، المشاركة فلا قدرة لنا على إخراجهم بالقوة أو منعهم وأكثر ما يمكننا فعله هو اتخاذ إجراءاتٍ احترازيّة كمثلِ التشدّد الأمني على مداخل ومخارج الضاحية أو التمنّي بعدم المشاركة كي لا نوضَع موضع الاحراجِ.
من الواضحِ، أنّ ما يعطي الأرضية لاتهامِ ضلوع حزب الله بما جرى في شارعِ الحمرا، أنّ بعضَ المجموعات ذات الميول اليسارية، عزلت في مستهل 17 تشرين، الحَراك الذي كان يدور في محيطِ مصرفِ لبنان. حينها، زعموا، أنّ للحزب اليد الطولى فيه وهو يريدُ من ورائهِ صقل عملة ساخنة لوضعها في صندوق الحاكم رياض سلامة، لذا عزلوا أنفسهم عنه فيما انبرى آخرون إلى شيطنتهِ وتسييسهِ.
ممّا لا شك فيه، أنّ الكثيرَ من الأمور تغيَّرَت أو تبدَّلَت بين الانتفاضتَيْن، أي 14 كانون و17 تشرين، فحين وُلِدَت الانتفاضة الأولى لم يكن الدولار في ذلك الوقت قد بلغَ عتبة الـ 2500 ليرة لبنانية ولم يكن غلاء المعيشة قد لامسَ حدود الفحش ولم يكن جيش العاطلين عن العمل متفلتًا إلى حدودِ ما هو عليه اليوم، ونوعًا ما كانت الأمور مضبوطة.
صحيحٌ، أنّ انتفاضةَ 17 تشرين، جسَّدَت ما ورائيّات الغضب والأوجاع اللبنانية من النموذجِ الاقتصادي المعمول به، لكن الأصح وبشكل أكبر، أنّها كانت إنتفاضة ذو وجهٍ سياسيٍّ عبّر عنه خلال الأيام التي تلت، أي في الدعواتِ إلى إسقاطِ النظام أو تغييره أو إنتاجِ سلطةٍ مختلفةٍ أو إعلان وفاة الصيغةِ اللبنانية المُنتجة كمعلّبات منذ ما بعد إتفاق الطائف، وعليه يخطئ من يعتبر، أنّ إنتفاضة 14 كانون الثاني ليست استكمالًا لـ 17 تشرين، فإذا كانت الاولى "سياسيّة الطابع"، فالأكيد، أنّ الثانية "إقتصادية - مالية صرف".
ما حصلَ تجاه المصارف، ليس فقط في شوارع الحمرا ومار الياس بل أيضًا في صيدا والبقاع أتى في جزء منه كنتيجة لتدابير المصارف، فالضغوطات المتولّدة عن الإجراءات وعملية تقنين السحوبات وممارسة نوعٍ من أنواعِ الوصاية على حقوق الناس ومكتسباتهم، هي النقطة التي فاضَ بها كأس الإحتمال وأتاحت إطلاق العنان للعنفِ الثوري وليس بقرارٍ من حزب الله.
وللحقيقةِ، إنّ إصرارَ البعض على إحداثِ هذا الشرخ والإيحاء بأنّ ما جرى في 14 كانون منعزلٌ عمّا يجري في 17 تشرين وأن حزب الله يقف خلفه لتطبيق مخطّط يرمي إلى "خطف الثورة"، تكمُن خلفه أسبابٌ سياسيّة بحتة وأخرى يرمي من ورائها "المشغلون" إلى عزل مكوِّنٍ طائفيٍّ مُحدَّد واصباغه صفةِ "المأمور" أو الموجَّه لغاياتٍ سياسيّةٍ، وفي أخطر ما يكون، يريد عزل تلك الجموع كمقدّمة لاحداث شرخٍ يقول بوجودِ حراكَيْن متقاسمَيْن متباعدَيْن لا يجمعهما أي شيء.
ممّا لاشك فيه، أنّ البيئة الشيعيّة عمومًا، تعدّ من أكثر البيئات المكتوية من إجراءاتِ المصارفِ. الموضوع غير محصورٍ بإجراءات التقنين بل يمتدّ إلى السياسات المتَّبَعة حيال ملف العقوبات الاميركية على حزب الله وتعميمها على مختلفِ شرائحِ البيئة الشيعيّة، من دون إغفال أنّ ما تقدمّه المصارف من خدمات يفوق بدرجةٍ كبيرة تلك المطلوبة اميركيًا، ما جعلها بالنسبة إلى شريحةٍ كبيرةٍ من أبناءِ تلك البيئة من الأعداء أو بدرجةٍ أقلّ المتآمرين وخلق فتورًا ونفورًا.
هذا بالضبط ما تسبّب في المشهد الذي رأينها على الشاشات مساء الثلاثاء وأتى كنوعٍ من أنواع "ردِّ الفعلِ" على سياساتِ المصارفِ من جرّاءِ إنصياعها الكامل لسياسات العقوبات المالية وملاحظة البيئة الشيعية وجود تواطؤ ما عليها.
في المقابل، الحَراك أعلاه، أسَّسَ لنموذجِ مواجهة جديد ونوع آخر من المقاومة التي لها القدرة أن تدوزنَ إجراءات المصارف، فالخوف من تعاظم ظاهرة التحطيم والتكسير والمنع والاعتداء، حتَّمَ على المصارف اللجوء إلى إعتماد معايير أقل تكلفة وأكثر حماية، وباشرت بإتخاذِ إجراءات أخفّ وطأةٍ على اللبنانيين.
ولعلّ ما يُنذِر إلى وجود مثل هذا التوجّه، كلام أحد المصرفيين الكبار من أنّ نتائج "غزوة الثلاثاء" بدأت تظهر أولاً من خلال تليين بعض الاجراءات المصرفية وثانيًا مع تهاوي سعر صرفِ الدولار لدى السوق الموازية (السوداء) إلى حدودِ 2000 ليرة لبنانية نهارًا و 1850 ليرة ليلًا بعدما بلغ 2550 ليرة في الايام التي سبقت ثلاثاء الانتفاضة.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب
Follow: Lebanon Debate News