"ليبانون ديبايت" - صفاء درويش
لم يكد قرار قبول الدفوع الشكليّة المقدّمة من محامي العميل عامر الفاخوري يصدر حتى بدأت الأصوات تعلو موجهة اللوم إلى حزب الله.
هذه المرّة تنوّعت مصادر اللوم، حيث أنه بالاضافة الى أخصام حزب الله من أحزابٍ وشخصياتٍ وبعض ناشطي المجتمع المدني، هناك من هم داخل بيئة الحزب وحلفائه من الممتعضين من قرار كف التعقبات بحق الفاخوري، والذين لم يقتنعوا في حينه أنّه ليس لحزب الله اليد في إخراجهِ.
عواملٌ عديدة اجتمعت من أجل تعزيز هذه النظريّة، أهمّها شخصية مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية بيتر جرمانوس المقرّب من فريق رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر وهما حليفا حزب الله، وكذلك رئيس المحكمة العسكرية العميد حسين عبدالله ابن بلدة الخيام الجنوبية، وهو الذي يشغل منصبًا يحتاج الى موافقةٍ سياسيةٍ من الثنائي الشيعي من أجل إشغاله كما تجري الأعراف في لبنان.
هذه العوامل التي تعزّز بالنسبة الى البعض فرضية موافقة حزب الله على إخراج الفاخوري هي حقيقيةٌ ولكنّها غير مكتملةٍ وغير دقيقةٍ، فالـ"لا إله" لا تكتمل حيثياتها إلا بـ"إلا الله"، حيث أنّ حقيقة خروج الفاخوري تكمن في مكانٍ آخر.
يكشف مصدرٌ سياسيٌّ رفيعٌ لـ"ليبانون ديبايت" أن المبعوث الأميركي إلى لبنان ديفيد هيل، وفي زيارته الأخيرة، نقل إلى كل المسؤولين الذين إلتقاهم طلب الرئيس الأميركي دونالد ترمب شخصيًا الإفراج عن الفاخوري.
هذا الأمر لم يلقَ الآذان الصاغية في حينها، ولاسيّما من قبل رئيس الجمهورية ميشال عون ووزير الخارجية آنداك جبران باسيل، فيما لم يعطِ الرئيس سعد الحريري، بحسب المصدر، أي جواب أكان إيجابي أم سلبي للموفدِ.
إثر ذلك تقدّمت عضوتان أميركيتان في مجلس الشيوخ بإقتراح قانون تفرض بموجبه الولايات المتّحدة عقوبات على لبنان في حال اعتقال مواطنين أميركيين. بالتوازي أُشيعَ عن إصابةِ الفاخوري بالسرطان ما يستوجب نقله الى المستشفى، وهو الأمرُ الذي تحوم حوله الشكوك حتى الساعة.
يضيف المصدر أنّ مفوض الحكومة ورئيس المحكمة تواصلا بشكلٍ غير مباشرٍ مع السلطة السياسية، ومنها حزب الله، وأعلموهم بالضغوط الكبيرة التي تمارسها السفارة الأميركية عليهم شخصيًا، كما قام العميد عبدالله بإبلاغ قيادة الجيش بذلك.
جواب حزب الله كان واضحًا وهو بات معلومًا وتقليديًا لدى كل من يراجعه حيث يرفض التدخّل الحاسم بالأمور القضائية مبديًا ثقته بقيادة الجيش وكذلك برئاسة المحكمة، معتبرًا سلفًا أنّ أمام العميد عبدالله مجرّد خيارَيْن لا ثالث لهما: إمّا تأجيل البت بالدفوع الشكلية لموعدٍ لاحقٍ ريثما تثمر الإتصالات السياسية قرارًا حاسمًا من أعلى هرمٍ بالدولة اللبنانية، أو التنحّي وبالتالي تأجيل البتّ بالقضيّة ريثما يُعيّن آخر.
كان الحزب شبه متيقّنٍ أنّ خيار قبول الدفوع الشكليّة وإخلاء سبيل العميل الفاخوري لا يمكن أن يصدر عن جهةٍ موثوقةٍ كالمحكمة العسكرية ورئيسها، إذ تشير التجارب الماضية إلى أنّها لم تخطئ التقدير في أي ملف حسّاسٍ وله علاقة بالسيادة الوطنية.
من ناحيةٍ ثانيةٍ، حُكيَ أنّ حزب الله قد غضَّ النظر عن اخراج الفاخوري تفاديًا لعقوباتٍ أميركيةٍ جديدة وهو الأمر الذي لا ينطلي على أحدٍ، حيث أن للحزب تجارب عديدة ماضية مع إغراءاتٍ قُدّمت لم يتنازل أمامها، وأنّ العقوبات المفروضة عليه أساسًا رغم حجمها لم تغيّر في مساره منذ سنوات.
بعد موقف الحزب هذا، يستبعد المصدر نهائيًا أن يكون عبدالله قد اتخذّ موقفه من دون غطاءٍ كبيرٍ، وفي هذا الإطار يؤكّد أن رئيس الجمهورية تفاجأ ولم يكن راضيًا عن قرار اخلاء سبيل الفاخوري.
الحلقة الضائعة بحسب المصدر هنا هي قيادة الجيش، التي يبدو أن حسابات لها علاقة بالمساعدات الأميركية للجيش ألزمتها الإنصياع للضغوط الأميركية الهائلة وطلبت من عبدالله السير بما لا يُرضي أي طرفٍ قد يكون شريكًا بالقرار السياسي في البلاد.
وعن غياب ردّة الفعل من جانب حزب الله يقول المصدر أن من دفع نحو اتّخاذ قرار اخلاء سبيل الفاخوري درس بحرصٍ عدم قدرة الحزب اليوم على مهاجمة السلطة السياسية التي كان هو المساهم الأكبر في صنعها، اضافةً إلى استحالة قيامه بردة فعل أمنية على الأرض لما سيكون لها من تبعاتٍ سياسيةٍ وشعبيةٍ. يضاف إلى ذلك حالة التعبئة العامة التي ستمنع المعترضين على اخلاء سبيل الفاخوري من تنفيذ احتجاجاتٍ شعبيةٍ قد تضغط على أصحاب القرار. كل ذلك ساهم في اخراجِ الفاخوري من الإعتقال بذكاءٍ أميركي.
وبحسب المشهد، فإنّ حزب الله الذي أثبتَ لناسه منذ ما قبل العام 2000 عدم انصياعه لأي ضغوطٍ يبدو أنّه طُعن هذه المرّة من قبل من أبدى ثقته بهم مرارًا، فهل ستحمل هذه الخطوة أي تبعاتٍ على من اتّخذوا هكذا قرار الذي بات مؤكدًا أنّه لن يمر مرور الكرام؟.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News