المحلية

الجمعة 24 نيسان 2020 - 04:00

سقوط "المساكنة" بين بري ودياب

سقوط "المساكنة" بين بري ودياب

"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح

"الزعل" الذي وقع على مسرح "الأونيسكو" بين الرئاستين الثانية والثالثة فيه شيء من الاستغراب المعطوف على استهجانٍ على فرض أن الثانية تكنّ للثالثة الدعم والتغطية وقد التزمت معها أكثر من جولة، فما الذي حدث حتى إنقلبت الصورة من قبولٍ إلى رفضٍ ثم عدم قبولٍ مطلق؟

الأسلوب "الفج" الذي مارسه رئيس مجلس النواب نبيه بري بحق رئيس الحكومة حسان دياب أعد مفارقة في تعاطي رئاسة المجلس مع رئاسة مجلس الوزراء. السجلات لم تظهر حادثة مشابهة ما عدا نماذج عدة طاولت رئاسة الجمهورية، بل على العكس كان بري يأخذ رئاسة الحكومة بكثيرٍ من الحيطة.

لذا ثمة شيءٌ نافرٌ حدث بين الرجلين حتى أوجد هذا الشرخ العميق المائل صوب الطلاق. المسألة تتجاوز غياب الكيمياء. بري وحتى في ظل "انتفاء الكيمياء" يبقي خطوط التواصل مفتوحة ولا يقطعها بخلاف الذي يحصل مع دياب الآن وكأن بري أحرق جميع المراكب بينه وبين رئيس حكومة "التكنوقراط". لذا ادرجت "حادثة الاونيسكو" موضع البحث والتقصي حول الاسباب الحقيقية الكامنة خلفها وما قد تخفيه من معطيات "شائكة".

رغم ذلك كلّه، حاول بري التقليل من قساوة المشهد عبر تسريباتٍ متعددة الرؤوس. "تويتريًا" أوحى إلى معاونه النائب علي حسن خليل تولي "تخفيف الدوز" فتكفل الأخير بتلاوة "محضر الاعتراف": "أولوية رئيس المجلس هي دعم الحكومة"، و"تسرباتيًا" تولتها صحف مقربة من عين التينة صوبت الموقف وحصرته ضمن المجال التقني البحت.

واصلاً، رئاسة الحكومة ما زالت أسيرة إشارة سلبية أرسلها بري نحوها أسست لتراكمات كمثل مواقف عين التينة الأقرب إلى التزام مبدأ المعارضة، والسعي إلى إجهاض "الكابيتال كونترول" ونعي "الهيركات" لاحقًا والآن إسقاط بنودٍ تُحاكي مطالب شعبية تجدها الحكومة مكسباً والآخرين باباً لاحراجها ما يدفع إلى الإحساس بوجود "قطبة مخفية" تُحاكي رغبة خارجية توفرت معلومات حولها لدى "السراي".

في ظل ذلك، تكون إنطباع على بساط المقربين من السراي الحكومي أن لـ"هجمة بري" أسباب تتجاوز مسألة "المزاحمة" على صلاحيات أو "جهل" في الاصول كما أوحى بيان الأمانة العامة للمجلس، بل تكمن في المحافظة على عقلية الحكم السابقة وحفظ حقوق المجموعة التي تولت الحكم على مدى 30 عامًا، أي المجموعة نفسها التي يناوب دياب على انتقادها وتحميلها مسؤولية الانهيار، وعلى الأرجح أن بري من ضمنها ولا يستسيغ ما يخرج عن لسان رئاسة الحكومة.

هكذا الامور تبدو في ظاهرها، لكن في حالة التعمق أكثر يمكن العثور على أسباب أضخم، شبيهة بتلك التي أسست إلى زرع الشقاق بين دياب والنائب السابق وليد جنبلاط حين طلب رئيسًا للشرطة القضائية من إختياره ومن دون مراعاة الاقدمية بخلاف القاعدة الجنبلاطية سارية المفعول في الجيش ما لم يناله البيك فتحول إلى حجة لـ"فتح مشكل مع السراي". تقريبًا المشكلة في الأساس أن بري وضع "سلة مطالب" عند دياب فلم ينل منها شيء.

أوساط عليمة أخرى تنقل أسباب النزاع إلى السخط من الأسلوب الذي يعتمده رئيس الحكومة في التعاطي مع أركان السلطة التقليديين مشيرة إلى "مجموعة إتهاماتٍ" تحتل عقل فريق دياب السياسي، تُحمّل مسؤولية تسويق فكرة التعديل الوزاري إلى رئيس المجلس على إعتبار أن لديه مصلحة في "تقزيم" الوزراء المحسوبين على دياب وسلبه واحدًا يمنح إلى الفريق المقرب إلى الحريري وفق القاعدة ذاتها التي اختير على أساسها الوزراء الحاليين، بمعنى إدخال طيف الحريري "تكنوقراطيًا" إلى "اللجنة الوزارية" من ضمن إقتراح تعديل يطاول 6 وزراء موزعين على الطوائف الاساسية، وهي فكرة لم يستسيغها دياب ووجدَ فيها نية لتفجير حكومته من الداخل لا يمكن فصلها عن المسار الذي اتبع معه منذ مدة قصيرة.

"القلوب المليانة" سرعان ما انفجرت على مسرح "الأونيسكو". الاوساط المقربة من عين التينة ترد القضية برمتها إلى "فائض القوة" لدى دياب الذي يستولد تصرفات "غير مسؤولةٍ"، وهو ما استشعره رئيس المجلس بداية حين طلب دياب "بطريقة مستغربة" الدعوة إلى جلسة ليلية "من خارج الأصول" ما فجر غضب بري على الصورة التي أتت، ونية "تدشين معركة" تمظهرت من خلال تفويض نائبة رئيس مجلس الوزراء زينة عكر "تفجير حقل الألغام" بتغريداتٍ استنهضت من مستحضرات "الوعي العوني".

ثم أن بري عاتبٌ على رئاسة الحكومة، وموضع العتب هنا يأتي بسبب "علاتٍ حكومية" لم يجرِ معالجتها كمثل عدم تدريب الوزراء على أصول التعاطي بين المؤسسات، فمعظمهم ما زال لا يمتلك دراية حقيقية بعمل الوزارة وصلاحياتها، وآخرون ليس في يدهم صلاحية بت الامور بل معظمها متروك إلى مستشارين عينوا من قبل أطرافٍ سياسية، وهذا يظهر عجزًا لا يتمناه بري للحكومة وهذه الاخيرة "لا ترد عليه".

في الحقيقة، تغريدات التبريد و محاولات رأب الصدع وتدخلات "الأمر بالمعروف" الذين هالهم ما حصل بين الحلفاء لم تخفف من وطأة ما جرى. ما جرى تأمينه الآن قضى بإلتزام الجميع حدود ما حصل وعدم الخوض في مجالٍ أوسعٍ مع "كبح جماح" رئيس الحكومة الذي كان يحضّر لـ"مداخلة نارية" في مستهل جلسة مجلس الوزراء اليوم، فأعيد "ربط النزاع" إفساحًا في المجال أمام التهدئة المطلوبة، من دون أن يجري تسجيل أي احتمال لحدوث خروقات.

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة