"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح
وصلت العلاقة بين رئيس الحكومة حسان دياب وحاكم مصرف لبنان إلى القطيعة. ليس ثمة إحتمال واحد ولو ضئيل في تحريك المياه الراكدة بين الجانبين، والوساطات التي سقطت على طريق رياض الصلح - الحمرا خير دليل.
يقيس سلامة الأمور بالمقلوب. يرمي وزر العلاقة السيئة على من يسميهم "مستشارين" لرئيس الحكومة، ثم يبني على تراكمات المستشارين ليصل في الخلاصة إلى أن مشكلته مع دياب "شخصية"، متجاهلاً أن الاسباب الحقيقية يعود الفضل فيها إلى سياسة التهويل والاستفزاز والابتزاز والترفّع التي انتهجها سلامة منذ أن حطت أقدام دياب في السراي الحكومي.
من جهته، حسان لا يأخذ في الحسبان الامور الشخصية ابداً. كل القصة، أن سلامة وطوال الاشهر القليلة الماضية ومنذ تولي دياب مسؤوليته، لم يُطلب منه شيء ونفذه، بل كان "يخدع" رئيس الحكومة ويقدم إليه أشياء غير واقعية سرعان ما يتبين زيفها لاحقاً.
"الاشتباك" الذي نشأ أولاً على حساب الارقام وقاعدة التلاعب بالدولار الذي اتخذه دياب ذريعة لمساءلة حاكم مصرف لبنان والاطاحة به سنداً إلى إتهامات وادلة تظهر عدم قيام الأخير بواجباته، عمّقَ الخلافات أكثر. يُقال أن الاسباب الشائعة لطلب دياب إقالة سلامة باتت أكثر ثقلاً ووزناً الآن، بفعل مجموعة عوامل تقف خلفها تصرفات الحاكم الاخيرة على مرأى من وفد صندوق النقد.
يُحسب على حاكم مصرف لبنان أنه تقصد الغياب عن الجلسة الاولى مع الوفد الدولي قاصداً "التمريك" على رئيس حكومته، معطياً الاذن للفريق الذي مثله بتعرية خطط الحكومة أمام الوفد. وصلت طلائع "فعلة سلامة" إلى دياب الذي اعتبرها "دفعة" على حساب الاشتباك بين الجانبين، لذا قرر التوجه فوراً صوب "حقل الرماية" الذي يتخذه سلامة موقعاً للقنص.
قبل ذلك، كان سلامة قد وجه إتهامه إلى رئاسة الحكومة بأنها نقلت المعركة إلى داخل مبنى الحاكمية حين جرى "الايقاع" بمدير العمليات النقدية في المصرف المركزي المقرب من الحاكم مازن حمدان، الذي بيّنت التحقيقات لدى المدعي العام المالي انه على علاقة بالتلاعب بسعر صرف الدولار في سوق القطع بعلم سلامة. لدى السراي رواية أخرى، تقول أن من أوقع بنفسه أولاً هو الحاكم الذي نفى خلال لقاء سابق ان يكون على علاقة أو على علم بالتلاعب بسعر الصرف ليتبين لاحقاً عكس ذلك.
إذاً العلاقة إنفجرت على جثة فقدان الثقة. ما زاد من وقعها استمرار سلامة بتجاهل وجود حسان دياب كرئيس للحكومة، ومسارعته إلى "إبتزاز" رئيسه حينما تم توقيف حمدان، اولاً من خلال رفضه حضور الاجتماع الأول مع وفد البنك الدولي مشترطاً إخلاء سبيل حمدان، وثانياً عندما اعطيت الاشارة إلى ممثلي المصرف "تخريب" الاجتماع ما سبب اثارة الريبة لدى الوفد الذي اشتكى من وجود تباين وخلافات لدى الفريق اللبناني، وثالثاً حين جرى الايعاز إلى الموظفين في المصرف التلويح بالتوقف عن العمل.. هنا بالضبط تقف القشة التي قصمت ظهر البعير.
بناءً عليه، أعاد دياب تفكيره إلى المربع الأول، مربع إستبدال رياض سلامة بحاكم آخر يمكن "التفاهم" معه، وقد وصل أخيراً إلى خلاصة بإستحالة التعاون مع شخص يرى نفسه أكبر من الدولة. فهل يجوز أن يكون موظفاً يُعيَّن بمرسوم صادر عن مجلس الوزراء أكبر من دولته أو أن تصبح الدولة برئاستها ومؤسساتها ومجلس وزرائها خاضعة له؟
حتى الآن، أكثر من وسيط دخل على خط دياب - سلامة بغية تليين المواقف بينهما. من الواضح ان كلا الجانبين يرفضان الجلوس سوياً بعد الآن. دياب اعلنها بوضوح أنه في حلٍ من أي لقاء متى كان هذا اللقاء لمجرد اللقاء فقط، وانه لن يقدم أو يؤخر بمسألة رفض حاكم مصرف لبنان التعاون.
بلغ الأمر بالسفارة الاميركية في بيروت إلى التدخل عملاً بموجبات "حماية الحاكم". مارست ضغطاً هائل على رئيس مجلس الوزراء بغية تعديل موقفه و "تمرير المرحلة" الحالية بأقل أضرار ممكنة، لكن دياب أوصل إلى من يعنيهم الأمر، سفراء كانوا أم وسطاء، أن لا لقاء إلا وفق جدول أعمال واضح، بل وإقرار واضح، يلتزم سلامة من خلاله التعاون مع الحكومة، عندها تعود المياه إلى مجاريها.
لغاية الآن هذا الأمر غير متوفر، فسلامة لا يريد التعاون، قالها ولم يخجل، ما اوصل كل من السفارة الاميركية ومجموعة الوسطاء العاملين على الخط إلى اقتناع راسخ أن ما كُسر ليس في الإمكان إعادة إصلاحه. وطالما أن "المشكل" قائم بين الجهتين، معنى ذلك أن إمكانيات الحلول المالية ضئيلة إن لم نقل غير متوفرة، ما حدا بأحد الوسطاء الوازنين إلى التفتيش عن مخارج مقبولة، عبارة عن مجموعة إقتراحات وضعها على الطاولة، منها واحد تقدم به إلى سلامة يقترح فيه استقالته من حاكمية مصرف لبنان "بشكلٍ طوعي"، على أن تتولى الجهة التي يمثلها الوسيط "ترتيب" ظروف خروجه من "الحمرا" بطريقة آمنة وضمان عدم حصول ذلك إلا عند الاتفاق على بديل، وضمان عدم قيام السلطات بملاحقته "إنتقامياً" تحت أي ظرف.
ما يحول دون تحقيق الخطوة الآن، عدم وضوح البدائل في حاكمية المصرف المركزي. السفارة الاميركية وسائر "المقرضين" يشترطون في حال قبولهم أن يأتوا بشخص يتميز بتركيبة جينات تشبه تلك التي لدى سلامة، أما الأخير فيطلب إشراكه في أي "صفقة" مقبلة.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News