"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح
تأخَّر الرئيس سعد الحريري كثيراً في إطلاق ورشة إعادة تأهيل تيار المستقبل التي وعدَ بها خلال ذكرى إستشهاد والده، ما أتاح للناقمين عليه التسلّل بين أضلع التيار الازرق لتسجيل أهداف في مرماه.
صحيحٌ أنّ "وباء كورونا" دخلَ كلاعبٍ سلبي على خطّ الحريري مما أفقده عنصر المبادرة وأجبره على حجر نفسه وتياره، لكنّ الصحيح أيضاً أن التأخير يتحمّل هو شخصياً جزءاً منه نتيجة عدم وجود توجّهات واضحة لديه تستخدم في سبيل تصريف تلك الرؤية التي حصر إطلاقها من خلال وعود منبرية لم تثبت الأيام التي تلت صدق نوايا من أطلقها.
لكنّ الظروف الآن تبدلت. حاجة الحريري لإمساك وضع طائفته الداخلي أعادَ إدراج "خطة التأهيل" كبندٍ أول على جدول أعماله، وهذه يتفرّع منها أسباب أخرى كملاحظة طغيان عدة عوامل سلبية باتت تُعاني منها الطائفة السنية أولها "حالة بهاء الحريري" الآخذة بالنمو والتطور على كتف التيار الازرق.
التقارير التي وضعت في متناول الحريري كانت شديدة الدقة حول ما يحيكه شقيقه له، بل إن أحدها كان قد أحاط الحريري بنصيحة حول ضرورة إعادة شدّ أواصر تياره وإعادة استنهاضه شعبياً في سبيل قطع الطريق على شقيقه الذي يخترق الساحة معتمداً أساليب وإستراتيجيات خشنة.
في الواقع، أن رئيس تيار المستقبل تلقى مجموعة تقارير ذات طابع أمني من "موظفين" يدينون بالولاء السياسي له، أنذَرته إلى وجود مخاطر من جراء إستمرار حالة "الاغتراب القسري" بعدما باتت سبباً في تآكل مستوى التأييد المتبقي له ضمن طائفته، وقد انطوى الإنذار على تحذير من أن إستمرار حالة "الطلاق والجفاف العاطفي" مع شارعه يُنذر بما هو أسوأ، وقد تأتي ساعة وتحضر جهة ما لتسلب "الشيخ سعد" عناصر قوته.
أبرز ما لَحِظتهُ التقارير سرعة نمو حالة بهاء الحريري "الطفيلية" بالنسبة إلى أنصار التيار الأزرق بعدما أعدت مناطق الاطراف السنية منشأها وأصل تركيز "الدعوة البهائية". لقد ثَبت أن كُثر من أبناء هذه المناطق يتقبلون بهاء الحريري بصفته الإبن البكر لوالده. حيازته إسم العائلة يذرّ عليه الكثير من الفوائد وسقطات شقيقه المتعددة تُعد سبباً شرعياً للالتفاف حوله.
في الحقيقة، أن واقع الطائفة السنية الهش يدركه سعد الحريري جيداً لا بل هو على معرفة تامة به، لكن المشكلة من وجهة نظره كمنت في غياب الآليات المفيدة في إعادة تصويب الشارع الذي كفر بفريق الوريث ولم يعد يثق سوى بالشيخ سعد. المسألة مسألة ثقة إذاً. "سعد الدين" واحد من هؤلاء. الرجل لم يعد متحمس للعمل مع طاقم كان همه السابق مد اليد إلى الجيبة لا أكثر، أما الفريق البديل الذي استحدث خلال الانتخابات، يضيع عند أول مفرق "Last Seen" يدخله الحريري، يقول البعض أنه يعتاش على رسالة التطبيق الاخضر.
أسفرَ سريان النصائح إذاً عن إستنهاض الحريري نفسه أولاً وهو الذي كان قد غادر موقع الاهتمام بشارعه لمصلحة التركيز على اللعبة السياسية الداخلية ناقلاً حقوق التيار إلى الأصدقاء والمقربين الذين تصرفوا مع "الأمانة" كما لو أنها عبء!. وبعد أن شاهد حركة شقيقه أوعزَ إلى من يعنيهم الأمر أنه عقد العزم على إصلاح ذات البين بينه وبين شارعه، بالأخصّ تياره، والهدف على ما يبدو مواجهة "موجة الشقيق".
"حربٌ" عاليةُ الوطيس تحتاجُ إلى تضافرِ جهود كل العناصر، هذا ما أدركه سعد الحريري جيداً ثمّ الفريق المحيط به الذي بدأ منذ عودة الحريري إلى بيروت محاولات للتواصل مع "الزعلانين" في التيار او الذين لديهم مآخذ سواء على القيادة او الرئيس الحريري بالذات. بدا التفهم سيد المواقف بحيث غلب الاستماع على الكلام من جانب من أوكلوا مهمة تقريب المسافات مع القاعدة ما يدل على وجود نية "مستقبلية" لامتصاص غضب الناقمين ومحاولة تسوية الأوضاع معهم.
ما يهدف الرئيس الحريري إلى تحقيقه عبر جولة التواصل، العودة إلى استمالة الناقمين من الجمهور لكن هذه المرة وفق قواعد مختلفة. لقد تعلم سعد الحريري من اخطائه. في بيروت ثمة مكاشفة حقيقية تجري بين القياديين، والاستعانة بأصدقاء الشيخ سعد لم تعد أستثناءً في مخاطبة "مفاتيح العاصمة" ومصارحتهم بالوقائع الجديدة لكن وفق رؤى مختلفة. الآن "عدة الشغل" ليست وعود من قبيل تأمين 900 ألف فرصة عمل، بل التحذير من أن إستهداف سعد من شقيقه بهاء شخصياً يعود إلى وجود مخططات لسحب الطائفة السنية من الحضن السعودي ورميها في أحضان قطر وتركيا!
يتسلّح تيار المستقبل بالعدّة القديمة التي استخدمها في مواجهة حزب الله، أي "سرقة الطائفة". النسخة الجديدة حوّلها إلى وجهة داخلية ضد شقيقه تحديداً الذي يأمل في شد العصب ضده مستفيداً من جو سني عام بدأ ينضج لمصلحة فهم أبعاد ما يجري.
التطور الإيجابي الخليجي تجاه بيت الوسط مؤخراً والتركيز على موقف سعودي حاول تظهيره من خلال زيارة السفير في بيروت وليد البخاري يندرج ضمن العدة، ما سمح بترويج جو مفاده أن "الخليج السني" يقف إلى جانب سعد وليس بهاء، مما يمنح "chance" لسعد في شيطنة "الدعوة البهائية". تزامن النشاط "الوحدوي" المستقبلي مع عودة ظهور لمركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، الذي باشر حملة إعانة في العاصمة يُقال أنها أتت كـ"دفعة" على حساب إسناد سعد الحريري.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News