نصري لحود
في وقت تتساءل معظم شرائح المجتمع اللبناني عن طرح الموضوع والإصرار عليه في هذا الظرف المأزوم الذي يعيشه البلد، ينشغل الوسط السياسي منذ فترة بـ "قانون العفو" الذي تقدّمت بعض الكتل النيابية في البرلمان اللبناني بصِيغ متعدّدة له، صبّت في معظمها لمصلحة "شوارع" تلك الكتل وطوائفها والمحسوبين عليها، بحيث ضمّن كل فريق مشروعه ما يطابق خططه ومشاريعه السياسية، وبشكل أوضح الإنتخابية بحيث تحوّلت معظم تلك الصِيغ إلى نوع من المقايضة بين القوى السياسية.
ولكن في الجلسات التشريعية، "تصارعت" تلك الكتل إلى حدّ إسقاط القانون بضربات "الفيتوات" أو الميثاقية، ما جعل رئيس المجلس النيابي يسحبه من التداول أو يؤجله لمزيد من الدرس والتمحيص، أو لسحب فتيل أزمة قد تتحوّل إلى طائفية ومذهبية في بلد "تنهشه" تلك الآفة و"تنخره" حتى العظم.
بقيت قوانين العفو حتى العقود الأخيرة، تدخل ضمن إطار السيادة الداخلية للدول، خصوصاً تلك الخارجة من أزمات أو صراعات أو حروب داخلية تستوجب انتقالاً سياسياً للسلطة، قبل أن تضع له المؤسسات القانونية والاجتماعية والإنسانية والثقافية العالمية ضوابط عدة تجعله مطابقاً للقوانين التي ترعاها الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان، حتى لا يتحوّل مطلق قانون عفو في مطلق دولة إلى مقدمة لانهيار النظام القانوني في تلك الدول.
يبقى السؤال، هل مشاريع قوانين العفو التي قُدّمت أمام الهيئة العامة لمجلس النواب اللبناني مطابقة لالتزامات لبنان الدولية، وتحديداً لمواثيق المؤسسات التي وقّع لبنان اتفاقياتها، والتي في حال الإخلال بها تعرضه للمساءلة وربما لعقوبات دولية؟
يبدو بعد المتابعة، أن معظم الصيّغ التي طرحت تدخل ضمن إطار "الزبائنية السياسية" التي حاولت بعض القوى السياسية تقديمها لشارعها والمحسوبين عليها، رغم أن قانون العفو يجب أن يكون محدداً ويشمل أنواع جرائم وجنح محددة، وليس موسعاً أو غير مبرر. ويجب ألا يشمل مرتكبي جرائم ضد الإنسانية أو منتهكي حقوق الإنسان أوالمعتدين على أملاك الدولة أو الغارقين في قضايا فساد، وطبعاً المعتدين على القوى الأمنية والجيش اللبناني، ويجب أيضاً وحكماً، أن تصان حقوق ذوي ضحايا الجرائم المعفى عن مرتكبيها لجهة التعويض وإسقاط الحق العام، وإلا يكون قانونًا متعارضاً مع التزامات لبنان الدولية، ويشكل انتهاكاً لالتزامات لبنان الدولية.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان التي تنظر في قضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه، تمنع قوانينها أي عفو عام أو خاص بشتى أنواعه، وبالتالي، كيف يجب أن يكون الحال مع شهداء الجيش اللبناني والقوى العسكرية الذين سقطوا على يد الإرهاب؟!
حسناً فعل الرئيس نبيه بري عندما سحب فتيل أزمة تحوّلت عبر مواقع التواصل الاجتماعي إلى حرب افتراضية طائفية مقيتة، وتكاد أن تتطوّر، في ظل الإحتقان الحاصل بين المؤيدين والمعارضين،إلى حرب فعلية، وحسناً فعل أيضاً من رفض صفقة مقايضة بين مجرمين وعملاء لأن المحكوم والعميل وجهان لعملة واحدة.
إن إطلاق محكومين معتدين على القوى العسكرية (العفو عنهم) هو بمثابة إطلاق رصاصة جديدة في صدر لبنان، وتجديد لموجات إرهاب جديدة وليس قلباً لصفحة الإرهاب الذي ضرب لبنان وانتصر عليه بفضل قواه العسكرية.
أما في موضوع التعامل مع إسرائيل، فهناك قوانين صدرت، وهناك عائدون مثلوا أمام القضاء ونالوا الأحكام المناسبة، وبالتالي، يجب ترك هذا الملف للقضاء لينظر بكل حالة على حدة بجدية ودقة إنسانياً وقانونياً.
يقول المثل "العفو عند المقدرة"، وقانون العفو اللبناني يجب أن يكون مدخلاً لقلب صفحة الإرهاب والتفلّت والفساد التي عاشها لبنان نهائياً، وألا يكون مدخلاً لتجديد الزبائنية السياسية التي تزدهر في بلادنا وسقوطاً للنظام القضائي الذي يتعرّض لشتى أنواع النكايات السياسية.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News