"ليبانون ديبايت"
يَرقى ما يجري في تحقيقاتِ قضية ما عُرف إعلامياً بـ "الفيول المغشوش" الى مستوى السقطةِ القضائيةِ ويصلحُ ليكونَ فيلماً لبنانياً طويلاً يكشفُ تداخلَ المصالحِ بين الأمن والسياسة والقضاء، وكيفية استخدام كل تلك العوامل لصرفها في تعزيزِ النفوذ وإقصاء الخصوم.
ففي وقتٍ سابقٍ، فحصَ موظفون موقوفون يعملون في مختبرات المنشآت النفطية عيّنات من شحنةِ الفيول التي تحملها الباخرة "Asopos" ليسربَ الى الاعلام أن نتيجة الفحص غير مطابقةٍ للمواصفات، ولكن المفاجأة كانت في فحصٍ جديدٍ أُجري في أحد المختبرات العالمية بيّنَ أن الوقودَ الذي تحمله متوافقٌ ومواصفات العقد مع الدولة اللبنانية وأن الفرق بسيط جداً في الكثافة (يجب ان تكون اقل من 0.091 وجاءت النتيجة 0.093).
وللتذكيرِ، فإن الكثافة هي عامل من حوالي 12 عاملٍ يُعتبروا من وحدات قياس مطابقة الشحنة للمعايير وجاءت جميع العوامل الأخرى متوافقة مع المواصفات.
وبالرغمِ من مطابقةِ الباخرة للمواصفات تستمرُّ التحقيقات في محاولةٍ لربطها بشركاتٍ محدّدة وأشخاص معيّنين وسطَ شكوكٍ عن حرفِ التحقيق عن مسارهِ القضائي الى مسالك سياسية يُراد منها السيطرة على هذا القطاع الحيوي، وهنا لا بدّ من الإضاءةِ على النقاطِ التالية تصويباً للتحقيق:
استدعاءات بوليسية
استدعاء الشهود بطرقٍ بوليسية أمنية مخالفة للقانون ودون مراعاة المُهل والأصول، كما ويتم الاعتداء على خصوصيتهم اثناء التحقيق حيث تُصادر هواتفهم ويتم الاطلاع على مضمونها وتفريغها كاملةً.
مداهمات غير قانونية
تمّت مداهمة مراكز شركات والاطلاع على مستنداتها دون وجهِ حقّ ومصادرة حواسيبها وتفريغ محتوياتها والاطلاع على أسرارها التجارية وحساباتها المالية وقيودها رغم انه لا علاقة لها بهذا بالملف.
وتَجدرُ الإشارة الى أن هذه المداهمات تتم دون استدعاء المدراء وإبلاغهم بمضمون الإشارات القضائية.
وهنا لا بدّ من السؤال، ألم يكن من الأسلم أن يتم تعيين خبيرٍ قانوني وتقني صوناً لكرامة العاملين في تلك الشركات ولكرامة أصحابها وحفاظاً على أسرارها التجارية التي هي ملكها وحدها؟
شمع أحمر
أصدرَ قاضي التحقيق كما النيابة العامة قرارات قضائية بختم مكاتب لشركات لا علاقة لها بالتحقيقات بالشمع الأحمر، ما أدى الى إعاقة عملها وإلحاق الضرر بها دون وجه حق، والأدهى انه لم يتم اطلاع تلك الشركات على القرارات القضائية بالمداهمة او الختم بالشمع الأحمر ما منعها من استئنافها وفق الأصول القانونية والمُهل المرعية.
إفشاء سرية التحقيقات
تتمتّع التحقيقات الأولية بالسرية ولا يمكن إفشاء عناصر التحقيق مثل أقوال الفرقاء وإفادات الشهود وتقارير الخبراء وغيرها تحت طائلة الملاحقة الجزائية، ولكن في الواقع يتم تسريب المعلومات التي تتعلق بالتحقيق وبعض القرارات حتّى قبل أن يتبلغَ بها الافرقاء، وتوردُ بعض وسائل الاعلام معلومات عن مصادر النيابة العامة ومصادر قاضي التحقيق دون أن ينفيها المكتب الإعلامي في مجلس القضاء الأعلى مع ما يشكّله هذا من مخالفات لمواد قانونية صريحة، حيث حظرت المادة 12 من قانون المطبوعات نشر وقائع التحقيقات قبل تلاوتها في جلسة علنية كما المادة 420 من قانون العقوبات.
قرينة البراءة
بخلافِ جميع القواعد القانونية التي تعتبر المتهم بريء حتى تثبت إدانته، إلّا أن القضاء يتصرف بعكس ذلك ضارباً أحد أبرز مقومات المحاكمة العادلة، ويترافق ذلك مع حملة تسريب محاضر التحقيقات الى الاعلام بطريقة مشوّهة وناقصة ما أدّى الى اصدار حكم شعبي يجافي العدالة واحترام الحريات الأساسية التي يكفلها القانون والدستور والمواثيق الدولية، والأصل هو أن المتهم مهما بلَغَت جسامة الجريمة، يجبُ التعامل معه بوصفهِ بريء حتّى تثبتُ إدانته بحكمٍ قضائي نافذ.
وإزاء ما تقدّم، يبدو التخبّط سيد الموقف في ظلّ استمرار انتهاك القواعد القانونية التي تقوم عليها التحقيقات القضائية، هل يقبلُ مجلس القضاء الأعلى بهذا المسار القضائي؟ هل أصبح القضاء أسير تضخيمه للملف؟ وهل هناك من يبحث عن كبش فداء حتّى لو لم يكن له علاقة بالملف، فقط من أجل حفظ ماء وجه بعض القضاة؟
وحدها الايام القادمة تَكشفُ الخيط الأبيض من الأسود، ووحده المسار القضائي السليم الذي يلتزم بالقانون كفيل بإظهار المرتكب من البريء وحفظ الحقّ العام.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News