"ليبانون ديبايت" - روني ألفا
إلغاء الطائفية السياسية وإعادة تكوين السلطة وبناء نظام حديث للدولة قبل أي بحث عن حياد لبنان. هذا ما نعتقد أنه يرقى الى مستوى الشروط الموجبة قبل طرح مسألة حياد لبنان. نحن والحالة هذه أمام مئوية جديدة تنتهي سنة 2120 ميلادية. لن يشهد أيٌّ مِنّا على تحقّق هذه الأحلام.
ليس هناك من حياد ممكن في لبنان. الطائفية تقتل كل يوم حيادياً يعترض طريقها. فقط نقل لبنان بحاملة أوطان من موقعه الجيوسياسي إلى سويسرا يمكن أن يحقق حياده. حتى اختراع حاملة من هذا النوع فلنعمل على استيلاد دولة حديثة، عصرية، ممكننة تسودها الشفافية والمساءلة. لدينا مئة سنة إضافية للإحتفال بها منجَزَة. لا يمكن أن نتلذذ بممارسة الفساد الإداري والسياسي وبالتفلت من العقاب وأن ننادي في الوقت ذاته بحياد لبنان. الحَرامي يستفيد من مناقشةٍ عدميةٍ حول حياد لبنان طالما أن الحياد عن سرقاته تؤمنه الإنقسامات العقيمة.
كيف نمارس الحياد في مسائل مثل النزوح السوري. بانوراما الحياد هنا يغذّي خلافات عميقة. عودة طوعية أو قسرية؟ معاندة المنظمات الدولية أو مسايرتها في خطتها تعزيز استقرار النازحين ؟ اللجوء الفلسطيني؟ توطين أو عودة؟ حياد في مقاربة القضية الفلسطينية؟ تخيَّلوا مثلاً أن لبنان لا ينحاز الى حق العودة ولا إلى التوطين.
يأتينا طرح الحياد اليوم كأنه ترجمة وفيّة لمقولة " حاربنا إسرائيل نيابة عن كل العرب.. حان وقت أن يقاتلوا عِنّا ". الحياد والحالة هذه يصبح مشروعاً للفرجة على تغيير ملامح الوطن. تغيير يعطينا الحياد فيه حق المشاهدة فقط. لا يمكن أن تكون فاعلاً في التاريخ إن لم تنخرط في الصراع بين الخير والشر وبين الخطأ والصواب وبين الظلم والعدالة.
البطريرك الماروني أعطى صفارة الإنطلاق. كانت ملتبسة على الأقل بالنسبة لشريحة وازنة من اللبنانيين. لم تبدد التصاريح اللاحقة غيوم الإلتباس عمّا قصده سيِّد الصّرح بالحياد الإيجابي. لدى تصريحه من قصر بعبدا " تأسّف " على حالة العداء مع إسرائيل. لا يمكن المرور على هذا الكلام بمنطق " لقد قلنا ما قلناه ". هناك ما هو أسوأ. إلتفاف من قوى وشخصيات سياسية على موقف بكركي. تحشيد جديد لقوى طائفية لتصفية حسابات طائفية في بلد طائفي حتى العظم.
تحويل الصرح البطريركي إلى دِرع تحتمي فيه مشاريع بدأت تتكشّف. لم تنفع معها صراعات الإخوة والأقارب ولا دماء سالت هدراً بلا طائل. داخل أروقة بكركي الكثير من الوقار والحكمة. ستُجهِض بكركي عمليات البيع والشراء على مواقفها الأخيرة.
حياد. حياد إيجابي. حياد سلبي. المهم مدخل، أي مدخل للتخلص من نظام بات عبئاً على الطائفيين. أحلام تراود هؤلاء. حيادٌ فكانتونٌ فتقسيمٌ. حياد يقسم اللبنانيين عمودياً وأفقياً ويطيح بمركزية الدولة ووحدتها.
الحياد بحاجة إلى الخروج من حالة الشعار الى حالة التعريف المحدد والجدي والمسؤول. الأهم ألا تأخذه القوى السياسية ممسحة أو شمّاعة تمتص خيبة البعض وأحلام البعض الخطرة والمدمرة.
العمل السريع والدؤوب عبر حكمة بكركي التي أنيطت بها مهمة صيانة مجد لبنان من أجل تفادي تحوّلَين. أولاً تحوّل مقولة الحياد الى جبهة تشبِهُ قرنة شهوان ٢، وثانياً تحوُّلُها إلى مسخ عن " إعلان بعبدا ". في كل ذلك المطلوب عدم تحوّل مطلب البطريرك إلى أزمة سياسية ووطنية ووجودية في بلدٍ ما زال في مئويته الأولى يفتش عن مئات الصِّيَغ التي ترعى ديمومته واستقراره.
الحياد عن الفساد أولاً قبل الحياد عن صراعات الشرق والغرب وصراعات الإخوة العرب. إعادة صياغة ما يجمعنا كلبنانيين من قيم وثوابت قبل أن نطلق أكاديمية الحوار بين الحضارات. لا نرى في الأكاديمية أرضية صالحة اليوم لإطلاق دينامية الحياد. أكاديمية للحوار في ما بيننا قبل الحوار مع الأبعدين. الأقربون أولى بالمعروف ومن " أوعا خيَّك " يجب توسيع رقعة القلق لتشمل النسيب والقريب من الأصول والفروع في شجرة عائلة لبنان.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News