المحلية

الخميس 23 تموز 2020 - 04:00

غارةٌ اسرائيليةٌ في دمشق أصابت الحيادَ في بيروت

غارةٌ اسرائيليةٌ في دمشق أصابت الحيادَ في بيروت

"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح

قبل الغارة الإسرائيلية التي سقطَ على إثرها مقاتل من حزب الله بمحيط مطار دمشق شيء وبعدها شيء آخر. الآن وبالنسبة إلى كثيرين، لم يعد للحياد المُنادى به داخلياً جدوى! دماء هذا الشاب أسقطت نظرية الحياد بل أحالتها على التقاعد المبكر. لقد ولّى زمن تسويق هذه النظرية "المعلبة"، وعلى من وضعها موضع النقاش أن يسبحها فوراً!

القصة، لا تعود إلى نكاية سياسية أو تصريف فائض قوة لفرض أمر ما على شخص ما كما يحلو للبعض تفسيره، على العكس من ذلك، الموضوع بإختصار يتصل بعدم أهلية هذا العدو لأن نكون بجواره، في حالة حياد، ما دام هو غير راغب أو مقتنع في الاصل في هكذا نظرية. لذا ما معنى أن نكون نحن محايدين بينما هو يمارس بطشه العابر للحدود؟

قبل يومين، هو الذي هاجم حزب الله في جوار مطار دمشق لا الحزب "تحشرَ" به. قبلها بأسابيع، تعمّد استهداف مركبة تعود للحزب عند الحدود. هنا بالضبط لا نقدّر أن "نظرية حياد" كفيلة بحماية الحزب كمقاومة من الغطرسة الاسرائيلية، الموجود في دمشق بطلب رسمي من دولة شرعية، ولا يجدر أن يكون لتل أبيب علاقة بالامر، وإن رضيت بوجوده هناك ام لم ترض فهذه مشكلتها!

عملياً، حصل الاستهداف بعيداً عن نقاط الاشتباك التي اتخذتها "إسرائيل" سبباً دائماً للتحشّر بحزب الله، أي الجولان، ووقعَ في نطاق بعيد، في محيط مطار دمشق الدولي، أي من خارج قواعد الاشتباك المعمول بها، ما مثل بالتالي إعتداءاً مباشراً على حزب الله، لذا ينبغي على الحزب ان يتعامل معه وفق هذه القاعدة.

صحيح أن رواية ما حدث بالضبط ما زالت متضاربة، بين من يقول أن الموقع المستهدف يتبع لقيادة عمليات تتصل بالمقاومة مباشرةً، وبين من يدعي أن الموقع هو كناية عن غرف عمليات تتبع للقوات الايرانية صودف وجود مستشارين من حزب الله فيها، وهي الرواية التي حاول المعلقين الاسرائيليين غداة الضربة اللعب عليها من خلال الايحاء أن تل أبيب لم تكن في وارد توجيه أي استهداف "بشري" للحزب، لكن عملياً لا يمكن إعفاء حزب الله من الرد ما دامت المعادلة التي ارساها في الصيف الماضي رسمت خطاً أحمراً أمام التعرض له. ولكونه يحظى بمظلة ردع ودعم مجموعة كبيرة في الداخل، ونظراً إلى التحديات الحالية ولغة التطاول عليه ومحاولة الظن باحتمال الاستفراد به، يصبح الحزب كمقاومة مطالباً برد الاعتبار.

أياً يكن ذلك، فما وقع قد وقع، وعلى المطالبين بالحياد والناطقين بأبجديته أن يكون لهم موقفاً صريحاً من الذي جرى، إن لم يكونوا مطالبين بإختراع آلية تحمي الحزب من الاعتداء الاسرائيلي في حالة حيادهم! وإن فُقد ذلك نتيجة عدم القدرة، ينبغي أن يقدموا إعترافاً صريحاً أن هذا العدو لا يمكن العيش معه!

على أي حال، ثمة من وجد في مطلب الحياد الذي قدمه البطريرك الراعي إنقاذاً له من أفول سياسي. هؤلاء الساسة الذين أعدوا من ضمن الأيتام سابقاً، استغلوا مطلب صاحب الغبطة على أكمل وجه، كأنهم انتظروه أم أرادوه ضخاً للاوكسجين في عروقهم ليستعيدوا حضورهم، ولو على ظهر البطريرك، وربما يهيئوا انفسهم للانقضاض على حزب يعتقدون انه "متعب".

والحراك صوب الديمان مثير للعجب، كإنما هناك أحدٌ ما "فقس زراً" فتكفل باستدعاء الجموع المطبلة من الرابع عشر من آذار (سابقاً)، التي كانت حتى الأمس القريب تعيش حالة من انعدام الثقة او التخلي عن الذات وسط تجربة انفصام واضحة سببها الخسائر المتتالية وخيانة الرعاة.

والغريب أن هؤلاء انفسهم، كانوا من اصحاب الظن بالراعي، وكان يعد مصدر إزعاج لهم. بعضهم ما خجل يوماً من وصفه بأنه "الطفل المدلل لميشال عون!" واخر كان يتهمه بانه "سوري اكثر من بشار الاسد"، أو أنه "عضو في السرايا". قيل هذا الكلام على مسمع شخصيات سياسية وقادة رأي، وكان أكثر ما يغيظ الفرقة الممتدحة الآن للبطريرك، ثنائه على دور الحزب في منع داعش من الوصول إلى جونية!

هكذا فجأة إنقلبَ الراعي على مواقفه السابقة، وأعادَ الانضمام إلى من كفّره سياسياً في السابق. كانت هذه القوى في حاجة إلى "لم شمل" أو شخص أو كيان يُطلق مبادرة فتراكم عليها رهاناً جديدًا على استعادة نفسها، وانبعاثها من جديد على بركة الانقضاض على حزب الله، وإفتتاح معركة معه، ولو أن الراعي لا تعود إليه مطلقاً فكرة طلب الحياد، بل في الواقع هي من براثن أفكار سياسي عتيق همس في أذنه يوماً، ودولة أخرى تريد مراكمة المزيد من الضغوطات من أجل تصريف نتائج العقوبات والحصار في الحقل السياسي اللبناني ارساءً لنموذج سياسي جديد في لبنان يقوم على منطق الحياد.

والحياد هذا الذي يُحكى عنه، لا يستهدف سوى حزب الله وإخراج المقاومة وحلفائها من المعادلة إن لم نقل تحويلها وإيران إلى عدو... هكذا ينذر الحياد الذي لا يوجه سمومه الا صوب حارة حريك وطهران ودمشق بالنظر إلى ما يحكى ويكتب ويجري تداوله، ويغذي عطش الرابع عشر من آذار للانتقام، ويثير شهوات انقضاضهم المستجد على المقاومة.

حزب الله كاظم الغيظ، الصامت، المتابع لردود الفعل، شاء أن يدع الغيمة تمرّ، وهو على ما يقول المطلعين على موقفه، لا يحبذ الدخول في مواجهة سياسية، بل لا يريد ان يصنف من وراء كلمة قد تصدر عنه في خانة المواجهة مع بكركي أو أن يجري إقحامها في سجالات لا طائل منها. لذا كان تعميمه إلى كل مسؤوليه والمحيطين به وضع الملف جانباً، ولعل جهده الداخلي ينصب الآن على الانتظار ريثما تهدأ الأمور، والتفرغ لمتابعة ما يصدر من مواقف، و إفساح المجال أمام رئاسة الجمهورية التي تبرعت في تحويل الفكرة إلى "مادة حوارية" سعياً لإخراجها من بازار التداول السياسي العقيم.

من الواضح، أن الديمان، اضحت ميالة أكثر صوب مبادرة الرئيس، وقد نجد حزب الله يلاقيها على الضفة الاخرى، على قاعدة "تبريد الجبهات ومنع الاستغلال الطائفي" الذي قد يعيد بث الروح في لجنة الحوار مع بكركي مجدداً.

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة